38serv
غادرت الجريدة باكرا هذا اليوم على غير العادة.. لكن خبر انتقال الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى رحمة الله، أجبرني على العودة ثانية إلى الجريدة، حيث كلّفت من طرف الزملاء بكتابة شيء عن الراحل.واحترت من أين أبدأ، فالرجل هرم الصحافة العربية والعالمية لقرن كامل من الزمن، وفاته لا يعادلها في الوجدان العربي والإعلامي سوى وفاة ناصر أو أم كلثوم أو نجيب محفوظ. كانت بدايتي مع المرحوم في أواخر الستينيات عندما فرض علينا الأستاذ حسين عبد الرازق واجبات القراءة الصحفية لحسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور ومصطفى أمين، كي نتعلم فنيات التحرير الصحفي على أصولها، باعتبار الأستاذ عبد الرازق أستاذ مادة التحرير المختص في مدرسة الصحافة بجامعة الجزائر. كنت ألتهم أسبوعيا مقال الأستاذ هيكل بصراحة في الأهرام وأقرأه أكثر من مرة، لأستمتع كطالب بفنيات التحرير وغزارة المعلومات. شاءت الأقدار أن عيّنتني الرئاسة الجزائرية لمرافقة هيكل عندما زار الجزائر سنة 1975 (جوان) في غمرة الاحتفال بالذكرى العاشرة لانتفاضة 19 جوان.قصة الضربة القاضيةفي القاعة الشرفية للمطار قدّمني إليه الأستاذ الهادي حمدادو أطال الله عمره، باعتباره مساعد الدكتور عميمور في رئاسة الجمهورية. فقال حمدادو لهيكل.. هذا الشاب بوعقبة من قراء مقالاتك سيرافقك طوال إقامتك بالجزائر، كان عمري الإعلامي لا يزيد عن 5 سنوات، وقفت أمامه أرتعد.. وبعد أن أنهينا الإجراءات مع الشرطة والجمارك، غادرنا في سيارة رئاسية نحو نزل سان جورج الجزائر حاليا. وفي أول غداء معه سألني إن كنت فعلا أقرأ مقالاته، فما هي المقالات التي علقت بذهني.. فأجبته ببله المبتدئين: تشبيهك للحرب مع إسرائيل بالملاكمةǃ فقلت.. إسرائيل انتصرت علينا بالضربة القاضية سنة 1967 ونحن ننتصر عليها بالنفط، فهم رحمه الله أن قولي هذا فيه خبث إعلامي.. لأنه يعتبر هذا التشبيه للحرب بالملاكمة هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبه في كتاباته لأن حرب أكتوبر قد أثبتت إمكانية انتصار العرب على إسرائيل خلافا لفكرة هيكل.التفت رحمه الله إلى كاتبه الذي كان معنا على طاولة الغداء وقال له: ويوم لا يبقى من الناس إلا خطاياهم، ثم أردف متعجبا، هذا فقط ما علق بذهنك من كتابات؟ǃ أحسست بالخجل وابتلعت خيبتي وواصلت الأكل مطأطئ الرأس.لم ينس المرحوم هيكل هذه الزلّة مني.. وعندما سألته ذات مرة عن إنهاء مقابلاته للرئيس بومدين بعد عقد معه ثلاث جلسات قال لي ضاحكا: “رئيسكم لا ينتصر عليه في الحديث الصحفي بالضربة القاضية من جولة أو جولتين، بل ينتصر عليه بالنفط”ǃكان رحمه الله قوي الشخصية وأذكر أنه في القاعة الشرفية قال لمستقبليه: “لا تظنوا أن موقفي من 19 جوان قد تبدّل.. موقفي كما هو وهو في جيبي الآن.. فقط جئت لأضع روتوشات عن الموقف من خلال ما حدث في 10 سنواتǃسلّمت لي الرئاسة ملفا عن المرحوم يبدو أنه من إعداد مصالح الأمن.. وطلبوا مني قراءته بإمعان لمعرفة الشخص الذي أرافقه، وطلب مني الدكتور عميمور تحسّس الأسئلة التي يمكن أن يطرحها عليّ الرئيس عند مقابلته.. ولكنه رحمه الله كان يسألني أسئلة فوق مداركي المهنية والعقلية.. سألني مثلا: ما هي الطرق الموصلة للسلطة والمال في الجزائر؟ وكان يريد معرفة الميكانيزمات المستعملة للوصول إلى السلطة والمال، فقال لي أريد أن أصبح غنيا في الجزائر أعمل إيه؟ǃأريد أن أصبح وزيرا في الجزائر أعمل إيه؟ǃ نقلت هذه الأسئلة إلى عميمور وقلت له إنه يسألني أسئلة غريبة وذكرت له الأسئلة، فقال لي أجبه: بالعمل.. ضحكت لأنني كنت غير مقتنع بإجابة عميمور آنذاك؟ǃورفض لقاء بوتفليقةأذكر أيضا أن الرئاسة سلّمت لي قائمة بالمسؤولين الذين يمكن أن يقابلهم وهم وزراء في الغالب، وكان من بينهم الدكتور أحمد طالب وزير الثقافة والإعلام، والسيد عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية.. وأذكر أنه رفض مقابلة وزير الخارجية وطلب مني وضع مكانه الكاتب المؤرخ محمد حربي.. وعندما قلت له: إن حربي غير موجود في الجزائر، طلب مني أن أحضر له مكانه المعارض التونسي ابراهيم كذا أو المهندس مصطفى موسى الذي وضع هندسة قصر الأمم بالجزائر.كان البرنامج أيضا فيه زيارات للقرية الاشتراكية في رأس البويرة وزيارة للمركب السياحي في سيدي فرج.. فرفض الزيارة للقرية الاشتراكية قائلا لي: كم أنجزت حتى الآن من قرى؟ فقلت له حوالي 150 قرية من مجموع ألف قرية، فقال لي كم في كل قرية من ساكن، فقلت حوالي 500. فقال: يعني أسكنتم حوالي 15 ألف فلاحǃ فقلت نعم.. فقال لي ضاحكا هذه يمكن أن ينجزها الشيخ شخبوط في الخليج ويأتي بالناس السياح زي هيكل ليتفرجوا عليها.. إلخ هذه الزيارة لا أريدها.ǃ لكنه أبقى على زيارة المركب السياحي لسيدي فرج عندما قلت له إنه المكان الذي دخلت منه فرنسا سنة 1830. لكن عندما ذهبنا إلى هناك رفض الغداء في المركب، لأن مدير المركب لم ينتظره في مدخل المركب.. وفضّل الغداء في الفندق رغم أن مدير المركب حضّر له مشوي قلعة سيدي فرج.. وعندما عدنا إلى الفندق كنت جالسا معه في سيارة الرئاسة DS21 وأعربت عن انزعاجي من عدم الغداء في المركب.. ولاحظ هو ذلك.. فقال لي مهوّنا عليّ الأمر لأنني قلت له: إذا أنت لا يعجبك أكل الخروف المشوي فلماذا تحرمني أنا منه.. فقال لي بفكاهة مصرية: بالأمس تعشيت مع الملك الحسن الثاني فشوى لي خروفا رجعيا فلم أنم الليل كله.. وأنتم بالتأكيد شويتم لي خروفا ثوريا سيموّتني؟ǃذكاء الحسن الثاني.. بينما غاب بومدينسألته أيضا: إن كان الحسن الثاني يتمتع بذكاء كما يقول من قابله، فأجابني ضاحكا: “ذكاؤه يكمن في غباوة المحيطين به”ǃ هذه المعلومة ذكرتها على لسان هيكل ذات يوم.. وتلقفها الحسن الثاني وحين كتب كناية ذاكرة ملك.. أعاب على هيكل ما قاله لي.. ولامه لأنه أكرم وفادته ومع ذلك قال ما قال لصحفي جزائري. ورد عليه هيكل بمقال نشر في الأهرام على امتداد صفحة كاملة تحت عنوان “ذاكرة صحفي” وقال له إن المعلومة قالها فعلا لصحفي جزائري لا يعرف أخلاقيات الصحافة، وأن حديث المجالس أمانات.. وهذا أول درس تعلّمته من هيكل في موضوع نشر حديث المجالس دون إذن أصحابها. زيارته للجزائر كانت في سلسلة زيارات بدأها بإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والمغرب والجزائر وتونس.. وأسماها زيارة للتاريخ.. وقد كتب كل هذه الزيارات إلا لقاءه مع بومدين رغم أنه استمر لقرابة 12 ساعة عبر ثلاث جلسات، إلا أنه لم يكتب عنه شيئا.. وربما يكون بومدين قد قال له كلاما غير صالح للنشر بخصوص إدارة الأزمة السياسية لما بعد حرب أكتوبر، لأن السادات بدأ يفكر في اللقاء مع الصهاينة، خاصة بعد لقاء ضباط مصريين مع الصهاينة في العلامة الكيلومترية (101).مواقف محرجةأذكر بعض المواقف في غاية الإحراج حدثت معه أثناء الزيارة.الأول: في حفل عشاء خاص حضره محمد الميلي قال لهيكل: إن الرئيس بومدين اقترح عقد مؤتمر قمة عربية تكون جدول أعماله نقطة واحدة وهي “من نحن وأين نتجه؟!”. عندما سمع هيكل هذا الكلام من الميلي ضحك وقال له “بومدين يقول هذا الكلام” قال: نعم.. فقال هيكل.. تقول هذا الكلام للشيخ شخبوط يقول لك أنا الشيخ شخبوط وذهب إلى لندن اشترى قفر.. تبا.. عملت إيه؟!الثاني في حفل غذاء بمطعم بشراڤة، قالت له السيدة زينب زوجة الميلي... يا أستاذ هيكل لقد قرأت لك كتاب “لعبة الأمم”، فقال لها أنا لم أكتب كتابا بهذا الاسم.. فقالت له بل كتبت هذا الكتاب، فرد عليها بضحكة ساخرة “إزاي أكتب كتاب يشتمني؟!”. والكتاب هو لمدير المخابرات الأمريكية الأسبق تحدّث فيه عن معلومات كان يتبادلها مع هيكل عبر السفارة الأمريكية في القاهرة.الثالث: لقاؤه مع مساعدية مسؤول قسم الإعلام والتوجيه بالحزب آنذاك فسأله هيكل: عملت إيه بالحزب؟! إزاي موتّوه وعايزين تحيوه الآن إزاي نبني حزب؟ ! وكانت إجابات مساعدية عمومية لم تثر انتباه هيكل فطفق يأكل السمك.. ولما رأى مساعدية أن هيكل لا يعير اهتماما لما يقول.. قال مساعدية: طلبوا منا نكون بوقا للسلطة فنحن نقوم بذلك! هنا انتبه هيكل لما يقوله مساعدية.. فأوعز إلى كاتبه بأن يسجل ما قاله مساعدية.. فأخرج الكاتب من جيبه بطاقة وسجل عليها ما قاله مساعدية.الرابع: عندما خرجنا من عند الدكتور طالب الإبراهيمي وزير الثقافة والإعلام... قال لي هيكل ونحن في المصعد.. هل هذا دكتور في الآداب أم في الطب.. فقلت له دكتور في الطب، فقال لي كنت أظنه دكتور في الآداب.السؤال الذي حير هيكلأذكر أنني قلت لهيكل في أول لقاء على الغذاء، سأسألك سؤالا على سلّم الطائرة وأنت تغادر.. وإجابتك تكون بلا ونعم على الطريقة الأمريكية وأنا أستنتج بعد ذلك كل شيء، والسؤال زوّدني به الزميل محمد عباس حول الفرق بين ناصر وبومدين في حكاية تكوين حزب سياسي قوي.. وهل هناك فرق بين الاثنين. وخلال 15 يوما كان دائما يطلب مني السؤال وكنت أقول له على سلّم الطائرة أسأله لك.. وفي القاعة الشرفية وهو يغادر قال لي: هات سؤالك.. وكان العديد من الشخصيات موجودين في توديعه.. فسألته السؤال سالف الذكر فقال: هذا أخطر سؤال يوجّه لي منذ أن دخلت الجزائر.. وقال لي لا يوجد فرق بين نظرة الرجلين.. فقلت رغم الفارق الزمني وإمكانية الاستفادة من التجربة المصرية قال لي رغم ذلك؟ ! ولما رأى الاستغراب في أعين الحاضرين من هذه الإجابة ومن السؤال أردف قائلا: حالة واحدة عند بومدين ليكون مغايرا لناصر وهو أن يجعل من الثورة قضية شعب، من خلال توزيع الاستفادة من الثورة على الشعب.. وهذا أيضا مستحيلا لأن البيروقراطية هي التي تقوم بهذا التوزيع. أشهد أنني عشت خلال 15 يوما من مرافقة هذا الهرم الإعلامي، أنني تعلمت منه أضعاف ما تعلمته في كلية الصحافة، وخلال 5 سنوات عمل في الصحافة. كان يحب من الجزائر قمصان الشريعة ودڤلة نور.رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وألهمنا وذويه الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا بالله.علاقاتي مع هيكل كان هناك جانب شخصي في علاقاتي مع هيكل، وكان العنصر الرئيسي محاولة البعض في الجزائر عقد مقارنات بين الصحفي الكبير وبيني، وبدأ ذلك بحسن نية صديق الجزائر الوفيّ، الصحفي القومي اللبناني الكبير الأستاذ فؤاد مطر، الذي استعرض يوما أسماء بعض المثقفين، ممن ارتبطوا بقيادات سياسية كاريزمية على الساحة العالمية، وتألقوا بها ومعها وبجانبها، وأورد في هذا الصدد أندريه مالرو الذي ارتبط اسمه بالرئيس الفرنسي شارل ديغول، وبيير سالينجر الذي ارتبط اسمه بالرئيس كنيدي، وهيكل الذي ارتبط اسمه بالرئيس جمال عبد الناصر، وتفضّل فأضاف اسم خادمكم المطيع إلى القائمة، على أساس المرحلة التي عملت فيها مع الرئيس الجزائري هواري بومدين وانطلاقا مما كتبته عنه بعد رحيله.وتلقف زملاء المقارنة، فراح بعضهم يتحمس لها وبعضهم يستهجنها، مما دفعني يوما إلى القول بغضب، لم يكن فيه أي افتعال أو تصنّع، بأن خلفية فؤاد مطر هي تسجيل وفاء مثقف يُحبه لزعيم وضع فيه ثقته، وبأنه لا مجال لأي مقارنة مع هيكل، الذي يشكّل حالة فريدة، كانت الأولى من نوعها وأتصور أنها ستكون الأخيرة، ولا يمكن أن يُقارن به أحدٌ على الإطلاق، لأنه مؤسسة إعلامية قائمة بذاتها.وكان أول لقاء لي مع هيكل بالغ الغرابة، وحدث سنة 1974 عندما وقع الشنآن بينه والرئيس المصري أنور السادات في الظروف المعروفة، وبدأ هيكل في القيام برحلة صحفية قادته إلى عدد من البلدان العربية كان من بينها الجزائر.وعندما أبلغتُ بنبإ الزيارة، حرصت على أن أعرف من السفارة المصرية في الجزائر الوضعية البروتوكولية للزائر، وعلمتُ بأنه عُيّن مستشارا برئاسة الجمهورية، فأبلغت الرئيس الذي كلّفني بأن أتولى بنفسي كل ما يرتبط بالزيارة، بصفتي مستشارا بالرئاسة. وحدث يوم الوصول أن الرئيس استدعاني لعمل عاجل، فاضطررت إلى تكليف نائبي باستقبال الضيف الكبير ومرافقته إلى مقر إقامته، ثم إلى مطعم جزائري كبير عُرف بمأكولاته ذات الطابع المحلي وعلى رأسها المشوي والكسكسي. وتمكّنت من الإفلات في حدود منتصف النهار، فأسرعت إلى المطعم الذي يقع على بعد نحو عشر كيلومترات من مقر رئاسة الجمهورية، وكنت والسائق يجتاز شوارع العاصمة الجزائرية، أستذكر كتاباتي العنيفة ضد هيكل، بل وضد الرئيس عبد الناصر نفسه، وخصوصا إثر هزيمة 1967. ودخلتُ إلى قاعة المطعم حيث كان هيكل جالسا وظهره نحو المدخل، وحوله عدد من المثقفين الجزائريين كنت دعوتهم للغداء معه، وتفضّل هؤلاء، بمجرد أن رأوني داخلا، بالوقوف، وفهم الضيف بأن مضيفه وصل فوقف والتفت إلى الخلف، وما أن رآني حتى عاود الجلوس وهو يقول ضاحكا: “أنت فلان؟، لقد تخيّلتك ضخما مثل مصطفى موسى”، واكتشفت يومها مدى بشاعة الصورة التي يحملها الأشقاء عن أخيكم. لكن هيكل كان بالغ الرقة، رائع التعامل مع الجميع، وأصر على أن أناديه باسمه الأول، محمد، رافضا أن أستعمل في مخاطبته لقب الأستاذ.وكانت فضيحة أخجلتنا جميعا عندما قالت سيدة تقدّم نفسها كمثقفة كبيرة وزوجة لمثقف كبير، كنت دعوتها وبعلها للغداء احتفاء بالضيف، قالت لهيكل باعتزاز واضح إنها قرأت كتابه “لعبة الأمم” وردّ الكاتب الكبير بأدب بالغ، أن الكتاب كان لجاسوس أمريكي اسمه مايلزكوبلاند، حاول تشويه الثورة المصرية والإساءة له وجفّفنا عرقنا. لكنني حرصت من جهتي على أن تكون إقامته في الجزائر ممتعة ومفيدة، وكلفت بمرافقته الصحفي سعد بوعقبة الذي جاءني في اليوم التالي مسرعا ليبلغني بأن السؤال الرئيسي الذي كان هيكل يبحث عن إجابة له هو: ما هي معايير الوصول إلى السلطة في الجزائر؟ وكان أول ما لاحظته هو أن هيكل لم يطرح عليّ أنا شخصيا هذا السؤال، رغم أنني سعدت بالحديث معه مطوّلا، وهكذا قلت للصحفي الجزائري أن يجيبه قائلا بأن المعيار الأول للاختيار هو العمل، وهذا يعني أن يكون من يتم اختياره جديرا بالثقة، وأن يكون واضحا أن الثقة مرتبطة بالخبرة، وهي لا تعني بأي حال من الأحوال ولاء مطلقا. وكان الغريب أن هيكل لم ينشر، حتى وفاته، حرفا واحدا عن لقاءاته مع الرئيس بومدين، وهي لقاءات دامت عدة ساعات، وعرفتُ من الرئيس أنها تناولت قضايا كثيرة، محلية ودولية، وهو في تصوّري، تقصير كبير، خصوصا وأنني محافظ على حميمية اللقاء بين الرئيس وضيفه، لم أحرص على حضور اللقاءات كعادتي عندما يستقبل الرئيس بومدين شخصيات صحفية. ويرى المراقبون أنه كان في جعبة هيكل أشياء كثيرة يمكن أن يقولها عن الجزائر، أهمها علاقته بالرئيس هواري بومدين، وكتابه عنه الذي لم ير النور لأسباب لا يدريها إلا هيكل الذي اختار الجزيرة ليبوح بكل أسراره إلا الجزائرية منها، وادعى البعض يومها أن هيكل خشي من مقارنات للبعض مع عبد الناصر.وللتذكير، فإن هيكل لم يزر الجزائر منذ ربع قرن وهو الذي يعيش ثلثي عمره في الطائرات يرسم خرائط كل المعمورة إلا الخارطة الجزائرية.رحم الله هيكل، الذي كان ظاهرة إعلامية لن تتكرر، وصفحة طُويت إلى الأبد من صفحات الإعلام المصري، وغفر ربّ العزة له ولنا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات