38serv
هاتان الركيزتان: الاعتصام بالله والأخوة في الله هما اللّتان أهّلتَا أسلافنا الصّالحين أن يسيروا بالإنسانية سيرًا حثيثًا مُتّزِنًا عادلاً لأنّهم قد توفّرت فيهم الصّفات الّتي تؤهّلهم لقيادة الأمم وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلّهم وتحت قيادتهم، ومن هذه الصّفات أنّهم كانوا أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية فلا يقنّنون ولا يشترعون من عند أنفسهم لأنّ ذلك منبع الجهل والخطأ والظلم، وأنّهم لم يتولّوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكيّة نفس، بل مكثوا زمنًا طويلاً تحت تربية سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإشرافه الدّقيق يُزكّيهم، ويؤدّبهم ويأخذهم بالزُّهد والوَرَع والعفاف والأمانة والإيثار وخشية الله تعالى وعدم الاستشراف للإمارة والحرص عليها.يقول عليه الصّلاة والسّلام في حديث متفق عليه: “إنّا والله لا نُوَلّي هذا العمل أحدًا سألَهُ أو أحَدًا حرص عليه”. ولا يزال يقرع سمعهم قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} القصص:83. فكانوا لا يتهافتون على الوظائف والمناصب فضلاً عن أن يرشّحوا أنفسهم للإمارة ويزكّوا أنفسهم وينشروا دعاية لها وينفقوا الأموال سعيًا وراءها. فإذا تولّوا شيئًا من أمور المسلمين على سبيل التّكليف، لم يعدوه مغنمًا أو طعمة أو ثمنًا لما أنفقوا من مال وجهد، بل عدّوه أمانة في عنقهم وامتحانًا من الله ويعلمون أنّهم موقوفون عند ربّهم مسؤولون عن الصّغير والكبير وعن الدّقيق والجليل.كانوا رضي الله عنهم عبيد الله حقًا، وهذا ربعي بن عامر رسول المسلمين يلخّص مهمّتهم في مجلس يزدجرد بقوله “الله ابتعثنا لنُخْرِج النّاس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيْق الدّنيا إلى سعتها، ومن جُورِ الأديان إلى عدل الإسلام”. فقادوا البشرية ووُفّقوا في المهمّة وسَعِدَت بهم البشرية أيّما سعادة لأنّهم كانوا يؤمنون بالمادة والرّوح ويعطون لكلّ ذي حق حقّه، وكانوا أمثلة كاملة في الحياة الدّينية والخلقية، وكانوا أصحاب عقول سليمة راجحة وعلوم صحيحة نافعة.فراية الله ما تزال ولو وضعها أبناؤها زمنًا، وإنّها لترقب اليد الّتي ترفعها والأمّة الّتي تسير تحتها إلى الخير والهدى والصّلاح والفلاح.. والله على جمع شمل أمّتنا قدير.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات