38serv
ليس من السهل أن يتنقل صحفي منفردا ودون أي حماية عبر الحدود الجزائرية الليبية الممتدة على أكثر من 1300 كلم، وفي أجواء يشوبها التوتر والحذر الشديد نظرا للظروف الأمنية المعقدة والتواجد المكثف لقوات الجيش الوطني المرابط على مستوى الشريط الحدودي، لاسيما وقد تضاعفت أعداده وتحركات وحداته بشكل ملحوظ منذ أسبوعين باتجاه الحدود الجزائرية الليبية، خصوصا عقب الغارة الأمريكية الأخيرة على مدينة صبراتة الليبية والتي استهدفت ما وصفه الأمريكان بأنهم إرهابيون دواعش متواجدون هناك. بداية من الحاجز الأمني لقوات الدرك بمدخل مدينة حاسي مسعود النفطية باتجاه عين أمناس، حيث منطقة تڤنتورين ومنها إلى الحدود الشرقية الليبية، يلاحظ رقابة مكثفة وتفتيش للبضائع ومطالبة بتقديم وثائق الهوية من طرف وحدات الدرك الوطني المدعومة بوحدات من الجيش. وفي الحافلة المتوجهة من وادي سوف إلى إليزي كان معنا نحو 20 إفريقيا بينهم 4 نساء من جنسيات مختلفة، صعدوا الحافلة من مدينة تڤرت باتجاه المعبر الحدودي الدبداب، وطبعا بهدف “الحرڤة” عبر ليبيا إلى إيطاليا، بعد أن جمعوا بعض المال الكافي خلال تسولهم في المدن الداخلية، لاسيما الجنوبية، كما قال لي المهاجر موسى وهو من جنسية مالية. لكن أعوان الدرك قاموا بإنزالهم جميعا وصرخوا في وجه السائق “ألا تعرف أنه ممنوع نقل هؤلاء.. هل تجهل الأوضاع في الحدود.. أنت تقوم بتسهيل الهجرة غير الشرعية”. ثم أعاد أعوان الدرك نقل الأفارقة من عين المكان وأمروهم بالرجوع من حيث جاؤوا في أول حافلة عائدة من الدبداب نحو وادي سوف. لكن الغريب أنه بعد وصولنا إلى مدينة الدبداب الحدودية، وجدت بعض الأفارقة الذين تم إنزالهم من الحافلة أمام عيني في شوارع الدبداب بعد أن عاودوا الصعود في حافلات أخرى أو شاحنات وتمكنوا من اجتياز الحواجز الأمنية. فسر لي ذلك سائق شاحنة بقوله: “أوضاع الأفارقة المزرية بعائلاتهم وأطفالهم الجياع تجعل الجزائريين يتفهمون، فيعطفون عليهم وينقلونهم إلى حيث يريدون، مرة بالمجان ومرة بنصف ثمن التذكرة وهكذا”.وفي مدينة الدبداب، حيث المعبر الحدودي باتجاه غدامس الليبية يتجمع الأفارقة من كل حدب وصوب، حيث يعتبرهم السكان هناك العمود الفقري لأشغال البناء ولكنهم بعد أن يجمعوا المال الكافي يقوم الكثير منهم بـ«الحرڤة” إلى ليبيا مهما كلفهم ذلك من ثمن.ومن الصعوبة أن يجيبك هؤلاء الأفارقة عن تساؤلاتك خاصة إذا أحسوا أنك غريب الشكل واللغة، ولكنهم مع ذلك، يستأنسون إذا رافقك مواطن من الدبداب ألفوه سابقا كما حدث معي. قال إبراهيم وهو من بوركينافاسو “منا من يعمل في الدبداب ومنا من يأتي من مناطق أخرى ولكن الوجهة النهائية هي الهجرة إلى أوروبا نحو ليبيا من أجل ضمان لقمة عيش دائمة، رغم أن أغلبنا لا يتوفر على وثائق رسمية”. وسألته: “وهل تخرجون عبر البوابة الحدودية؟”. أجاب: “أبدا، هي مغلقة ولكننا نخرج عبر مسالك أخرى بعيدا عن البوابة حتى لا تتصيدنا عناصر الأمن”. وأردفت: “وهل تلتقون أثناء مروركم في المسالك بقوات الأمن فتسمح لكم بالمرور؟”. فقطب حاجبيه ورفض الإجابة وغادرني لكونه شعر وكأني أحقق معه، ولكني فهمت منه أنه يستطيع اجتياز الحدود عن طريق شبكات التهريب. المغاربة: هجرة مشبوهة وتواصل أكثر مع الجزائريينبعض العارفين من المنطقة قالوا لي إن الأفارقة يستغلون بعض فترات الليل ويغادرون الحدود فرادى أو في جماعات قليلة، وأحيانا يغض عنهم الطرف لأن منعهم يمكن أن يطرح مشكلة كبيرة في حال احتشادهم بالمئات دون أن يجدوا متنفسا للعبور، لذلك تعتبر ليبيا مركز تجمع عشرات الآلاف من الأفارقة الذين يدخلونها من بوابات حدودية جزائرية سواء من شرق مدينة جانت باتجاه معبر غات الليبي أو الدبداب الجزائرية لقربها من مدينة غدامس الليبية.وقد أكد لي محدثي أيضا أن الأفارقة القادمين من عدة بلدان إفريقية مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو والغابون ونيجيريا وغيرها، عادة ما يقعون في قبضة عدة جماعات مسلحة ليبية وشبكات إرهابية منها الدواعش، حيث يتم تجنيدهم كمرتزقة مقابل المال، أو يقوم مقاولون ليبيون بتشغيلهم في ورشات البناء والطرقات والزراعة وحراسة البيوت والمنشآت، ولكن يبقى هدفهم هو جمع المال وتصيد فرصة العبور نحو إيطاليا عبر البحر ومنها إلى أوروبا فيجازفون بحياتهم ولا يهمهم أمر موتهم في البحر ولا قلق عائلاتهم عليهم مثلما أجابني موساي ضاحكا وهو مسلم من النيجر “لا يهمني لو غرقت في البحر وأكلني الحوت مادامت الأعمار بيد الله”.أما بالنسبة للمهاجرين المغاربة نحو ليبيا، فإنهم وإن كانت أعدادهم مازالت قليلة إلا أنها تثير الغموض، فهم، حسب مصادرنا، أشد ما يكونون ارتباطا بشبكات التهريب وهم أكثر ذكاء من الأفارقة لكونهم يتوفرون على المال ويتواصلون مع الجزائريين بشكل جيد. وهؤلاء المغاربة، إما أن يكونوا قادمين من المغرب مباشرة في إطار هجرة غير شرعية تسهل دخول بعضهم جماعات تهريب المخدرات والسلع، أو يتشكلون من بعض العاملين منهم في الجزائر، حيث يقومون بـ”الحرڤة” أيضا من البوابات الحدودية الشرقية. ولكنهم خلافا للأفارقة الذين يفضلون التمركز في أقصى الجنوب الشرقي مثل الدبداب ومعبر تينيلكوم من جانت نحو غات الليبية، فإن المغاربة يتحركون بذكاء وتخفّ شديد على طول الشريط الحدودي على متن مركبات بعض شبكات التهريب المتمرسة في المسالك الوعرة لاسيما على مستوى مثلث “برمودا” الحدودي الذي شهد مؤخرا مقتل ثلاثة مغاربة من طرف قوات الأمن التونسية في برج الخضراء التونسية رفقة المهرب الجزائري غدير نور الدين وشقيقه الأصغر خلال محاولة المهرب المذكور تهريبهم نحو الداخل الليبي انطلاقا من الحدود الجزائرية.وذكرت مصادر مطلعة أن قوات الأمن المشتركة ألقت القبض على العديد من المغاربة “الحراڤة” نحو ليبيا رغم تواجد العشرات منهم بشكل عادي في المدن الجزائرية والحواضر الجنوبية، حيث يقومون بممارسة عدة حرف تقليدية خاصة حرف البناء والنقش على الجبس.وحسب المصادر ذاتها، فإن “الحراڤ” المغربي ليس يكشف ببساطة عن هدفه من دخول ليبيا، حيث لا يعرف ما إذا كان سيتوجه نحو أوروبا عن طريق شبكات التهريب أو يبقى يشتغل في ليبيا رغم الظروف الأمنية الصعبة فيها أو أنه سينضم إلى جماعات مسلحة هناك في إطار عمليات تجنيد سرية. بوابة الدبداب مغلقة ولا وجود لنازحين أما البوابة الحدودية الدبداب-غدامس التي توجهت إليها بقصد متابعة ما يعتقد بأنه تدفق نازحين ليبيين ووجود حالات إنسانية فارة من جحيم الحرب بعد الغارة الأمريكية على مدينة صبراتة، فلم أجد أي شيء يشير إلى وجود ولو رعية ليبية واحدة دخلت من البوابة الحدودية.وعلمت “الخبر” من مصدر مطلع بأن المعبر الحدودي مغلق تماما وقد أوكل أمره لقوات الأمن المشتركة، حيث لوحظ في مدخل المعبر وجود ثكنة عسكرية جديدة أنشئت مؤخرا وكانت سابقا حظيرة تابعة للبلدية.وقد حاولت دخول المعبر ولكن مسؤول مركز الشرطة بعد أن تعرف على هويتي قال لي: “ممنوع الدخول ولا التصوير ولو على سبيل الذكرى”، وأكد لي أن المعبر الحدودي مغلق ولا يسمح إلا بخروج الليبيين إلى بلادهم ولكنهم لا يدخلون الجزائر من هذه البوابة، وإنما عبر بوابة الطالب العربي الحدودية بولاية الوادي. وعرفت أيضا أنه تم في اليوم نفسه منع طاقم فضائية عربية من العبور إلى ليبيا عبر هذه البوابة، فعادوا أدراجهم من حيث أتوا. الداخلية تبرق للولاة بوجوب الاستعداد لاستقبال اللاجئينخلال تواجدنا في منطقة الدبداب الحدودية، أكد مصدر مطلع لـ”الخبر” أن وزارة الداخلية الجزائرية وجهت برقية مستعجلة لولاة الولايات الحدودية بالجنوب الشرقي، تأمرهم فيها بوجوب التكفل بالنازحين الليبيين المحتملين في حال لجوئهم للتراب الوطني، من خلال توفير المسكن لهم في شكل خيام وباقي الدعائم اللوجستية الأخرى وتطويقهم والإبقاء عليهم على مستوى الحدود والتأكيد على منع احتكاكهم بالمدنيين خوفا من تسلل عناصر إرهابية في صفوفهم.وأوضحت المصادر ذاتها أن معبري ذهيبة ورأس الجدير التونسيين يشهدان في الفترة الأخيرة موجة تدفق للنازحين الليبيين قصد تأجير مساكن والمكوث بالداخل التونسي، هروبا من جحيم الحرب المرتقبة.وبالفعل، ففي بلدية الدبداب المتوقع أن تشهد تدفقا كبيرا لنازحين ليبيين فارين من الحرب، في حال ما إذا ساءت الأوضاع في ليبيا، أشارت المصادر ذاتها إلى أنه تم إنشاء خلية أزمة منذ مدة بالتنسيق مع الهلال الأحمر الجزائري، يشرف عليها والي إليزي، حيث يمكن تفعيلها في أي لحظة تحسبا لأي مستجدات تشير إلى سوء أوضاع المدنيين في ليبيا وتدفقهم المحتمل نحو بوابة الدبداب-غدامس باتجاه الجزائر، حيث تم وضع بعض المرافق العمومية على أهبة الاستعداد لاستقبال الليبيين الفارين من جحيم الحرب، كما حدث سنة 2011 إثر سقوط نظام القذافي، حيث تم إيواء النازحين الليبيين في مقر الثانوية وبيت الشباب وبعض منشآت سوناطراك، غير أنه في هذه المرة يمكن، حسب المصادر ذاتها، حصر تدفق الليبيين في مواقع محددة على مستوى الشريط الحدودي وتوفير المأوى والمأكل والعلاج دون احتكاكهم بالمدنيين الجزائريين.ورغـبة في الاقتراب مـن الخط الفاصـــل بين حــدود البلــدين بعد منعـــي من دخول البوابة الحدودية، فقد اتخذت وجهة أخرى بعيدة بنحو 30 كلم على متن سيارة “فرود” وما أكثرها هناك، ووصلت إلى المسلك الفاصل عبر طريق وعرة ولم تبق إلا مسافة 7 كلم عن الخط الليبي. وتراءت لي من الجانب الجزائري وحدات من الجيش مرابطة وعيونها متجهة صوب أي حركة مشبوهة يتم رصدها من الحدود الليبية. وصراحة، فكرت في تخطي الحدود ولو لساعات قليلة لأرقب ما يوجد داخل الشريط الحدودي الليبي ثم أعود إلى الجزائر وهذا بعد أن أخذت معي ما يكفيني من الماء وبعض البسكويت، وطلبت من سائق السيارة تركي لحالي لأني سأتدبر أمر عودتي بنفسي، ولكنه حذرني وأقسم علي بالعودة لأن حياتي ستكون في خطر محتم وسيتم التعامل معي من أي جهة كانت على أني مشبوه مادام لا أحد يعرف هويتي، فعدت طريقي إلى مدينة الدبداب التي يؤكد الكثير من سكانها الذين تحدثت إليهم بأنهم يشعرون بالارتياح والأمان بعد أن شاهدوا قوات كبيرة للجيش متجهة نحو الشريط الحدودي وتتخذ لها هناك مواقع إستراتيجية للدفاع عن الحدود والوطن. الكلاش بـ20 ألف دينار في ليبيا والجيش الجزائري في حالة استنفاروعلى طول الشريط الحدودي الجزائري الليبي الممتد جنوبا إلى حدود النيجر مرورا بمعبر جانت وغات الليبية ثم معبر الدبداب بولاية إليزي والبرمة شرقا بولاية ورڤلة وإلى غاية الطالب العربي بولاية الوادي، تتواجد العديد من الفيالق العسكرية المدججة بالمدرعات الثقيلة ومضادات الطائرات، وقد تضاعفت أعدادها منذ الأسبوعين الفارطين مع تكثيف الطلعات الجوية وإنجاز الستائر الرملية بما فيها إنجاز ثكنات جديدة.كما تواجدت بعض الفيالق العسكرية وقوات الأمن بشكل مكثف بمنطقة تيڤنتورين بعين أمناس لحراسة الشركات النفطية والغازية وكذلك الشيء نفسه بالنسبة لمنطقة شرق البرمة بولاية ورڤلة، حسب مصادر مطلعة.ولا تخلو مراقبة الحدود، حسب ما أبلغتنا به جهات على صلة بالموضوع، من القبض على عصابات التهريب بكل أشكاله، سواء أكان الأمر يتعلق بتهريب السلاح الليبي المنتشر بكثافة في ليبيا ورخيص الثمن هناك، حيث يصل ثمن الكلاشينكوف في ليبيا إلى ما يعادل 20 ألف دينار جزائري حسب بعض المصادر، أو بتهريب الوقود والسلع والمخدرات وشبكات الهجرة.وحسب مصادر مطلعة، فإن عمليات تطهير الشريط الحدودي من نشاطات المهربين تتم يوميا على قدم وساق من طرف قوات الأمن المشتركة وحرس الحدود التابع للدرك الوطني على مستوى الحدود الجزائرية الليبية بدءا بأقصى جنوب ولاية إليزي مرورا بورڤلة وانتهاء بولاية الوادي بجنوب بلدية دور الماء وإلى غاية بوابة الطالب العربي الحدودية.وقد لوحظ أن وحدات القوات المشتركة دخلت في حالة استنفار منذ أكثر من أسبوعين، بدليل أن الجنود الذين كانوا سابقا في غدو ورواح يومي لمدينة الدبداب لقضاء حاجياتهم قد رابطوا في مواقعهم خلال هذه الفترة، كما يقول تاجر في الدبداب “قبل الضربة الأمريكية لصبراته كان العديد من الجنود يأتوننا لشراء بعض الحاجيات ولكنهم الآن لم يعودوا يفعلون، هؤلاء هم حماتنا ونحن معهم في السراء والضراء”.كما تضاعف الشعور لدى سكان المناطق الحدودية بأن هناك أمرا جللا ووشيكا سيحدث في ليبيا، ويعتقدون بأن الضربة الأمريكية الأخيرة هي مقدمة لتدخل عسكري أجنبي هناك، قد تنجر عنه مخاطر وانعكاسات وخيمة على حدودنا واحتمال تسلل جماعات إرهابية مع تدفق نازحين ليبيين. الجيش يبعد البدو الرحل عن تخوم الحدودوذكر الحاج عامر وهو أحد الموالين الذي تتحرك مواشيه بحثا عن الكلأ من شمال بلدية البرمة إلى غاية بلدية دوار الماء على الخط الفاصل بين حدود ولايتي الوادي وورڤلة، أن بعض المناطق صارت منذ نحو شهرين أو أكثر مسارات دائمة للتنقل اليومي والتفتيش والتمشيط من طرف الدوريات العسكرية وحرس الحدود بقيادة ضباط كبار انطلاقا من القطاع العملياتي بولاية إليزي، حيث تتحرك هذه الدوريات، كما قال، عبر تضاريس صحراوية شاسعة بمناطق غرد الباقل ولحرش وبير الذر وبير أحمد واميه نصر والبرمة من أجل اعتراض جماعات التهريب أو الإرهاب، التي جعلت من الحدود الجزائرية التونسية الجنوبية القريبة من الأراضي الليبية معابر ومسالك للتسلل الدائم إلى داخل التراب الجزائري.وحسب بعض سكان البدو الرحل، فإن حرس الحدود سبق أن قاموا سنة 2013 بخلق شريط حدودي آمن عرضه نحو 4 كلم، وقد بدأت أول العمليات بمنطقة عين الكركوبي جنوب بلدية دوار الماء بولاية الوادي، حيث أجبر حرس الحدود البدو الرحل المتواجدين هناك على الابتعاد بزرائبهم وخيمهم ومواشيهم من أجل إنشاء هذا الشريط الآمن وجعله تحت سيطرة القوات العسكرية بهدف تأمين الشريط الحدودي وفق مسارات طولية تسهل لها الحركة وحماية الحدود من أي تسلل أو توغل للجماعات الإرهابية من الحدود التونسية والليبية أو الحيلولة دون توغل مهربي الوقود والمخدرات والبضائع، الذين حولوا تخوم الشريط الحدود إلى مخابئ لمواد التهريب ومكامن للاختباء والراحة.كما صار هؤلاء المهربون خصوصا مصدر رعب دائم للبدو الرحل الذين عادة ما يزعجونهم ويحاولون الاختباء في خيمهم خلال هروبهم من مطاردات حرس الحدود.وأوضحت مصادر موثوقة أن إخلاء مساحة طولية بعرض بضعة كيلومترات قد عرف مؤخرا تواجدا لافتا لقوات الجيش وحرس الحدود التابع للدرك الوطني، حيث تم إنجاز الستائر الترابية والخنادق على طول الخط الحدودي بداية من حدود ولاية الطارف في الشمال الشرقي للبلاد باتجاه الحدود الشرقية الجنوبية وأقصى الجنوب.وأكد المصدر ذاته أن عمليات حفر هذه الخنادق قد أوشكت على الوصول إلى منطقة الدبداب، وهي متواصلة إلى غاية استكمال تغطية حتى الحدود الجنوبية مع النيجر ومالي والتي تعرف الأوضاع على مستواها توترا أمنيا أيضا وهجرات غير شرعية مكثفة للأفارقة، مع تزايد المخاوف من تسلل جماعات إرهابية في أوساطهم، خاصة أن جماعات داعش الإرهابية في ليبيا قامت في الأشهر الأخيرة بتجنيد العديد من الأفارقة في صفوفها وهم من جنسيات مختلفة. حياة الناس عادية في حواضر وبوادي الشريط الحدوديأما حياة الناس في الحواضر والبوادي وكذلك نشاط الموظفين والمبعوثين من الجهات المركزية والولائية، فهي تسير بشكل عادي.وقد تزامن وجودنا في المناطق الحدودية مع وجود وفد تقني تابع لوزارة الداخلية، يقوم برصد وإحصاء الآبار الرعوية باستعمال أجهزة “جي بي ار اس” على مستوى المناطق الرعوية بالشريط الحدودي لولاية إليزي مثل عين الطرفاية وبرج مسعودة وغيرها، وهو الشيء نفسه للنشاط ذاته على مستوى الشريط الحدودي لولايتي ورڤلة والوادي، ما يؤكد أن الأوضاع عادية جدا داخل حدودنا ومتحكم فيها. كما أن بعض رعاة المواشي والإبل الذين التقينا بهم عبر الشريط الحدودي غير قلقين بتاتا، فهم يعيشون حياتهم الطبيعية في التنقل بحرية عبر المراعي ونقاط المياه دون الاقتراب من الخط الحدودي الفاصل بين البلدين بسبب وجود قوات الجيش والستائر الترابية العازلة والدوريات المكثفة التي يقودها ضباط وصفوف ضباط ليلا ونهارا على متن مركبات عسكرية، مع كثافة تحليق طائرات الهليكوبتر والطيران الحربي لمراقبة الحدود وترصد أي حالات اشتباه أو تسلل لجماعات إرهابية على مستوى الحدود لتوقيفها والتعامل معها بصرامة. “مثلث برمودا” الذي يدوّخ دول الجوار لعل أخطر موقع حدودي يشكل هاجسا دائما لدول الجوار وقد ظل “يدوّخ” على مدى سنوات طويلة، هو المحور الحدودي الجزائري التونسي الليبي، وهو ما يطلق عليه البعض “مثلث برمودا” الحدودي نظرا لسرعة تحرك المهربين والإرهابيين في أراضيه الشاسعة والمتقاطعة واختفائهم فيه، فلا يظهر لهم أثر ويتنقلون بسهولة عبره من بلد نحو آخر في زمن قياسي رغم التواجد المكثف لقوات هذه البلدان على مستواه.وحسب مصادر مطلعة، فإن هذا المثلث الخطير وإن كان يعرف في جانبه الجزائري تحكما تاما لقوات الأمن المشتركة وتضاعفت السيطرة عليه أكثر منذ الغارة الأمريكية الأخيرة على مدينة صبراتة الليبية، فإنه بالنسبة للجانبين الليبي والتونسي يشهد ثغرات أمنية عديدة تجعل من هذا المثلث مرتعا خصبا للإرهابيين والمهربين بسبب سهولة التسلل إلى أراضيه ووجود الانتماءات القبلية والعشائرية التي تسمح بمرور هذه الجماعات الخطيرة التي باتت متحالفة مع بعضها جراء مطاردتها مع بعض من طرف قوات هذه البلدان، خاصة مع تزايد الحديث عن فرضية انتشار الدواعش وتسللهم لدول الجوار الليبي واختيارهم المسالك الوعرة بعمق العرق الشرقي الكبير التي يصعب رصدها على مستوى هذا المثلث الخطير.وكشفت مصادر مطلعة من مناطق البرمة بورڤلة ودوار الماء في الوادي القريبتين من التراب الليبي، عن تحركات أمنية مكثفة للوحدات العسكرية العاملة على ثغور الحدود مع وازن الليبية ومعتمدية رمادة التونسية وصحراء تطاوين وبرج الخضراء بالمثلث الحدودي المذكور، من خلال إعداد المراكز القارة والمتنقلة وتعقب آثار السير والتعرف على طبيعة الأرض للجنود الوافدين للجهة استعدادا لكل طارئ قد يحدث، خصوصا مع تنامي الحديث عن التدخل الخارجي والغزو العسكري الأجنبي لليبيا.وقد عمدت قوات الأمن المشتركة إلى تكثيف المراقبة ونصب المزيد من الحواجز الأمنية في الطرقات الرئيسة المؤدية إلى هذا المثلث الحدودي وكذا نحو المعابر الحدودية الأخرى، بما فيها المسالك الصغيرة، وإخضاع المغادرين والعائدين للتراب الوطني لعمليات تفتيش دقيقة على مستوى المعبر الحدودي الطالب العربي بولاية الوادي، ناهيك عن الزيادة في عدد الطلعات الجوية للطيران الحربي ونقل المزيد من أرتال الجنود إلى الحدود.القبائل الليبية تحشد صفوفها للتصدي للتواجد الأجنبيوخلال تواجدنا على الحدود الجزائرية الليبية، أكدت لـ”الخبر” مصادر مطلعة نقلا عن أعيان بعض القبائل الليبية، خصوصا عرش الربايع في كل من صبراتة ورقدلين وباقي مدن الجبل الغربي القريبة من الحدود، استعدادهم للتصدي لأي غزو أجنبي قد يتعرض له بلدهم ودعوا إلى رصّ الصفوف الداخلية ووجوب طرد الجماعات الإرهابية التي حولت الأراضي الليبية إلى مسرح لمشاريعها وتطبيق الأجندات الغربية، كما أبدوا امتعاضهم من حالة الانقسام التي تشهدها البلاد واستفحال قوات داعش وفجر ليبيا. ونقلت المصادر ذاتها عن أعيان هذه القبائل اعتزازهم بالموقف الجزائري الذي يرونه مشرفا للغاية، وقالوا إنهم لن يدخروا أي مجهود للقضاء على التواجد الأجنبي فوق التراب الليبي مهما كان لونه وشكله ومسمياته.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات