38serv
شهدت إيران في انتخابات مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى (البرلمان) تجاذبا بين قطبي السياسة الإيرانية: المحافظين والإصلاحيين، انتهت جولتها الأولى والرئيسية بتحقيق تقدم كبير لأنصار الرئيس حسن روحاني، بقائمة الأمل التي أفرزت خريطة سياسية ستضمن للإصلاحيين تموقعا كبيرا في أحد أكثر الهيئات حساسية:مجلس خبراء القيادة المؤهل لاختيار مرشد الجمهورية الإسلامية القادم خلفا لعلي خامنئي. بقدر ما شكلت نتائج الانتخابات العامة في إيران في الدور الأول مفاجأة لبعض المتابعين، بقدر ما عكست التحولات التي تعيشها إيران مع أجيال ما بعد الثورة الإسلامية التي تتوق لمزيد من الانفتاح والتوازن، وهو ما ساهم في رسم خريطة سياسية جديدة لاسيما في المدن الكبرى، بداية باكتساح انتخابي للإصلاحيين والمحافظين المعتدلين من تيار الوسط المقربين من هاشمي رفسنجاني، حيث ظفر هذا الأخير بمقعده في مجلس خبراء القيادة مع حسن روحاني عن العاصمة طهران، محققا لنفسه “ثأرا سياسيا رمزيا” بعد خسارته أمام خصومه السياسيين المحافظين في 2015، حينما اختير محمد يزدي المحسوب على التيار المحافظ على حساب رفسنجاني.وإذا كانت الأغلبية النسبية التي يرتقب أن يفتكها الإصلاحيون في مجلس الشورى تكتسي بعدا سياسيا رمزيا، فإن الأغلبية في مجلس خبراء القيادة تعد هزيمة سياسية للمحافظين الأصوليين الذين سيطروا على الهيئة منذ زمن بعيد، ويتألف “مجلس الخبراء” من 88 رجل دين من فقهاء الشريعة الإسلامية يتمّ انتخابهم لمدة 8 سنوات، وتُعدّ طهران أكبر الدوائر الانتخابية لمجلس الخبراء، حيث ترتكز الدائرة الانتخابية على المحافظة وعدد السكّان باحتلالها 16 مقعداً، وقد فاز منها الإصلاحيون على الأغلبية المطلقة بـ15 من مجموع 16 مقعدا، في حين تشكّل محافظتا خراسان رضوي وخوزستان الدائرتَين الانتخابيتَين التاليتَين الأكبر حجماً، بعد أن ظفر كلّ منهما 6 مقاعد، وهنا أيضا سجل الإصلاحيون تقدما رغم احتفاظ المحافظين الأصوليين على مواقع هامة بها، والتركيز على إزاحة أهم الفاعلين في العاصمة، بداية برئيس المجلس يزدي، مؤشر على عدد من الاعتبارات منها:-التحولات السياسية التي طرأت على المشهد السياسي الإيراني، مع تسجيل المحافظين تراجعا في العديد من المواقع.-استثمار الإصلاحيين للنجاح المسجل من قبل حكومة حسن روحاني في الملف النووي، وإبرام اتفاق يسمح لإيران بتخفيف وطأة الحصار المفروض عليها منذ سنوات.-رغبة شريحة كبيرة من الجيل الجديد من الشباب والنساء ورجال الأعمال الممثلين لقوى البازار في إحداث نوع من التغيير الإيجابي لضمان مكاسب اجتماعية، لاسيما أن سياسات الرئيس أحمدي نجاد المصنف في جبهة المحافظين أثرت في أداء الاقتصاد الإيراني في جوانب منه، كما أثرت أيضا على المستوى الداخلي، وإن نالت شعبية في بعض جوانبها.-قدرة التيار الإصلاحي على التأقلم والتكيف مع معطيات الميدان، وبناء شبكة من التحالفات بين رموزه والتيار المحافظ المعتدل والوسط الذي يمثله رفسنجاني، ساهم في تجاوز عقبة مجلس صيانة الدستور الذي أقصى الكثير من مرشحيه، حيث عمد الإصلاحيون إلى ترشيح ممثلين أحرار ومستقلين، نجح العديد منهم في دوائرهم الانتخابية، كما اعتمدوا على دعم حلفائهم لتشكيل قوائم مشتركة تحت تسمية “الأمل”.عقبات وتحديات في انتظار المعتدلين والرئيس روحانيويتفق المتابعون للشأن الإيراني بأن الانتخابات الإيرانية عكست ارادة صانعي القرار الإيرانيين لتوجيه رسالة إلى الخارج، حول صورة توافق سياسي داخلي رغم حدة الصراع والخطاب أيضا بين الخصوم السياسيين، فضلا عن الرغبة في تسويق صورة إيران السياسية التي تضمن قدرا من الحريات والانفتاح السياسي والتعددية، وفق تقليد سياسي أضحى راسخا. بالمقابل، فإن نتائج الانتخابات تشكل رهانا وتحديا كبيرين للرئيس روحاني الذي تنتظره مهام كبيرة للوفاء بالوعود والالتزامات التي قطعها على نفسه فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والرفاه الاجتماعي في عهد ما بعد الاتفاق النووي وما بعد الحصار والحظر، فالرئيس الإيراني والهيئة التشريعية الجديدة ستواجه تحديات منها:-التحضير لخلافة علي خامنئي مرشد الجمهورية، وما ينتج عنه من تجاذبات سياسية كبيرة وصراع سيحتدم مع الأصوليين لأهمية المنصب وصلاحية المرشد في بنية النظام السياسي، في وقت يسعى الإصلاحيون إلى تحديد صلاحية المرشد القادم، وجعلها أقل تأثيرا على صناعة واتخاذ القرار، لإعادة ما طالب به الأب الروحي والفكري للإصلاحيين آية الله منتظري، وجعل منصب المرشد انتخابيا ومبدأ ولي الفقيه غير مطلق، إذ لا يوجد حاليا شخصية مؤثرة تحظى بالإجماع بحجم الخميني.-تبعات وتراكمات الحظر المفروض على إيران وتأثيره على الاقتصاد يتطلب وقتا طويلا لإعادة ضمان توازن اقتصاد أنهكته سنوات الحصار، وجاء في وقت تعرف أسعار البترول انهيارا، إذ تبقى إيران رهينة إيرادات المحروقات أيضا.-التداخل المسجل بين الوضع الداخلي الإيراني والخارجي، مع الأزمات في سوريا واليمن والصراع المحتدم بين إيران والمملكة السعودية، وإرادة الرياض تحييد بل حصار إيران، من خلال تشكيل الائتلاف الإسلامي المناهض للإرهاب، ووضع حزب الله في قائمة التنظيمات الإرهابية.-بقاء وزن وثقل المؤسسات الأمنية والجيش، لاسيما الحرس الثوري وروافده فيلق القدس والباسيج، يضعف من موقع الهيئة التنفيذية، ويقيد هوامش حركتها في مجال رسم السياسة الخارجية بالخصوص.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات