38serv
ما الذي يعنيه فوز الرئيس الإيراني حسن روحاني والإصلاحيين في الانتخابات الإيرانية؟ واكتساح تحالف الإصلاحيين والمعتدلين انتخابات مجلس الخبراء في طهران وعودة رفسنجاني؟ وهل هذا يعني تراخي قبضة المرشد الأعلى؟ لأول مرة في تاريخ الانتخابات في إيران يفوز جميع أعضاء قائمة انتخابية واحدة في طهران، وتحصد بذلك جميع المقاعد في مجلس الشورى في العاصمة، المركز السياسي للجمهورية الإسلامية، وأيضا من دون الحاجة لإجراء دورة ثانية، حيث تعود سكان العاصمة منذ 12 عاما على أن تعاد الانتخابات لدورة ثانية قبل أن يكتمل النصاب للنواب الثلاثين من مدينتهم في مجلس الشورى، أي البرلمان الإيراني.لكن التكتيك الناجح الذي اتبعه معارضو التشدد في الانضمام إلى لائحة واحدة هي “الأمل”، وخوضهم الانتخابات بشعار كان الرئيس حسن روحاني رفعه وانتصر فيه في انتخابات الرئاسة الأخيرة، أربك حسابات التيار المنافس الذي خاض هو الآخر الانتخابات في طهران بلائحة واحدة ضمت معظم المتشددين المعارضين، ليس للإصلاح وحسب، وإنما للرئيس حسن روحاني وكل سياساته الداخلية والخارجية، فخسروا المعركة بهزيمة جلية.هذه النتيجة اعتبرها البعض “لا” كبيرة للمرشد آية الله علي خامنئي ولفريق الإقصاء، ومن شأنها أن تمهد لمزيد من الإصلاحات المقبلة، بشرط أن لا تمس أصل النظام القائم على ولاية الفقيه، وحينها فقط يمكن للمرشد أن يتدخل ويوقف أي قرار يصادق عليه البرلمان أو حتى قبل أن يصادق عليه، وفق صلاحياته كولي فَقِيه.في مجلس الخبراء أيضاً رغم أن الأغلبية لا تزال بيد المتشددين، لكن غياب متشددين غلاة مثل مصباح يزدي ومحمد يزدي يتيح لرفسنجاني وروحاني تشكيل تكتل قوي يكبح أداء الولي الفقيه، خصوصاً إذا نجحوا في الإمساك بلجنة تقييم أدائه، وهي لجنة مسؤولة عن رفع تقرير كل نصف سنة عن المرشد، وما إذا كان لا يزال يستحق البقاء في منصبه أو لا. عموما نتيجة الانتخابات ليست على مرام المرشد لكنه رضي بها.هل يعكس فوز الإصلاحيين رغبة لدى شريحة كبيرة من الشعب الإيراني في التغيير والميل إلى التوافق بعد سنوات من التصادم مع العالم الغربي وتأثير الحصار؟ وهل يعتبر ذلك رسالة إلى المحافظين؟ النتيجة أرعبت المحافظين المتشددين، لكنها صبت أيضا لصالح تيار معتدل من المحافظين هم الأصوليون المعتدلون الذين تحالفوا مع الإصلاحيين. وأعادت أيضا الإصلاحيين إلى الواجهة مرة أخرى، رغم أن نحو نصف الناخبين في طهران لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، ما يدل على أنهم سيتشجعون في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017 لإعادة انتخاب روحاني بنسبة كبيرة أو من يدعمه الإصلاحيون.الشارع الإيراني الآن يريد الوفاء بالشعارات الانتخابية، خصوصا في الاقتصاد والحريات الاجتماعية ووسائل التواصل الاجتماعي المحظورة، والأهم رفع الإقامة الجبرية عن الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، ومهدي كروبي.لكننا شاهدنا رسالة غير ودية من المتشددين الذين تعمدوا لمحاكمة 3 إصلاحيين صحفيين بارزين بتهم واهية أمنية، في إشارة إلى أن حلقة غلاة المتشددين المهيمنة على القضاء لم تتفهم بعد درس الانتخابات، خصوصا أن هذه الحلقة روجت بأن هزيمة المحافظين كانت بسبب أن البريطانيين صمموا، بشكل ذكي ومعقد، ساحة سياسية تتمتع بالنظرة الثاقبة والعميقة للمعطيات المحلية، وقدرتها على جس نبض الشارع المحلي. وأيا كان فقد تمكنوا، عن طريق نشر استطلاعات رأي ومواد صحافية مختلفة، من التوصل لأرقام وإحصائيات وطبيعة الشارع في طهران ومعطياته الجديدة. هؤلاء لم يتمكنوا في البداية من خلق الأجواء الملائمة لتحقيق أهدافهم في الشارع الإيراني، لذا لابد من توقع أن المزاج العام للشارع بعيد كل البعد عن أحمد جنتي ومحمد يزدي ومصباح يزدي، وهم رجال المرشد في مجلس الخبراء المنتهية ولايته، وفي المؤسسة الدينية في قم، خصوصا أن اثنين من هؤلاء الثلاثة، وهما محمد يزدي الرئيس الحالي لمجلس خبراء الدستور وأحمد جنتي سكرتير المجلس (الذي كان الوحيد الذي فاز عن مقاعد طهران، وقيل تم “تفويزه” حفاظا على ماء وجه المرشد)، كان لهما الدور البارز في إقصاء الإصلاحيين ومنعهم من الترشح للانتخابات، بينما كان الثالث مصباح يزدي متهما بأنه أفتى بقتل المعارضين الإصلاحيين، وبشرعية تزوير الانتخابات، كونه لا يؤمن أصلا بولاية الشعب وبالانتخابات جملة وتفصيلا.ألا تعتبر نتائج الانتخابات تحديا كبيرا لروحاني الذي ستقع على عاتقه تبعات إعادة بعث اقتصاد منهك من حصار دام سنوات؟ ألا يمكن أن يعاد سيناريو عهد خاتمي؟ بالعكس فإن النتائج ستمنح روحاني قدرة كبيرة على التحرك داخليا لتحسين أداء الاقتصاد، من خلال جذب الاستثمارات الخارجية ومشاريع النفط والغاز، ولحسن حظه فإن النواب الذين كانوا يعارضون هذه السياسات أزيحوا بالكامل من البرلمان. ومن المؤمل أن ينسجم البرلمان الجديد كثيرا مع الحكومة، وسيتمكن روحاني من إجراء تعديل وزاري يتخلص به من عبء بعض الوزراء المفروضين عليه، وستكون يده مفتوحة أكثر. لكن لكي يتفادى ما واجهه الرئيس الأسبق محمد خاتمي، فعليه مواصلة سياساته الحالية في تجنب الصدام مع الحرس الثوري، وهو القوة الضاربة التي لن تسكت إذا شعرت أن إيران تتجه نحو “تغيير ناعم” لنظام ولاية الفقيه.استطاع روحاني تحقيق نجاحات باهرة في السياسة الخارجية، طبعاً ما عدا العناد العربي والخليجي منه بشكل خاص والسعودي منه بشكل أخص، ونجح في المفاوضات النووية لأنه لم يتصادم مع الحرس الثوري، وعليه الاستمرار في ذلك، وسينجح في تهميش المتطرفين الذين يعرقلون نجاحاته أيضا مع المحيط الإقليمي.شهدت الاعتقالات السياسية والقيود الإعلامية وتيرة تصاعدية بعد الاتفاق النووي، هل كان ذلك نتيجة تخوف خامنئي من تغلغل الأفكار الغربية في الأوساط الإيرانية؟ وما الخطوة المقبلة المتوقعة من هذا الأخير بعد وصول الإصلاحيين إلى هدفهم؟ الاعتقالات ينفذها جهاز مخابرات الحرس الثوري بدعم من السلطة القضائية، وهؤلاء محسوبون على المرشد، لكن المرشد لا يقف خلف الاعتقالات، وقد حذر روحاني من أن المنفذين للاعتقالات أساءوا تفسير تصريحات خامنئي حول تغلل عملاء الغرب وليس الأفكار فقط إلى إيران.. لكن في العموم فإن الحلقة الضيقة المتشددة التي لا ترتاح لروحاني وسياساته ويخيفها عودة الإصلاحيين وتعاظم نفوذ رفسنجاني، لن تقف مكتوفة الأيدي، وستواصل سياسة الإيذاء في الداخل لعرقلة برامج الإصلاح والاعتدال، وإحراج الرئيس روحاني في الخارج، ولعلك تشاهدين بعض ما يمكن وصفه بالاستفزازات من الحرس الثوري، وتجارب الصواريخ البالستية رغم أنها لا تتعارض مع الاتفاق النووي، إلا أنها تتعارض من وجهة نظر الغرب مع سياسة إزالة التوتر في علاقات إيران الإقليمية والدولية.سنشهد المزيد من إعدام تجار المخدرات في العلن، لتثور ثائرة حقوق الإنسان، وغير ذلك من محاولات غلاة المتشددين المحافظين إفشال حكومة الاعتدال.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات