38serv
عرفت إيران خلال العقود الثلاثة الماضية حراكا سياسيا هو الأهم في منطقة الشرق الأوسط بلا ريب، لاسيما أن هذا الحراك تفاعلت فيه مفاهيم الدين والحداثة، وأثار نقاشا وجدلا بخصوص رسم معالم الدولة، شاركت فيه المرجعيات الدينية والفقهية والقوى السياسية، ما أضفى على المشهد السياسي الإيراني طابعا خاصا، ورغم تحفظ الإيرانيين على تصنيفات سياسية يعتبرونها “غربية المنشأ”، فإن المشهد السياسي الإيراني بدأ ينحو إلى نوع من الاستقطاب السياسي بين تيار محافظ أصولي وتيار إصلاحي، وبين قوى وسط صنفت في خانة المحافظين المعتدلين.ورغم أن كافة التيارات الإيرانية السياسية والفكرية لا تختلف من حيث المبدأ عن أصل الجمهورية الإسلامية وثورتها ودور قيادتها الممثلة في مرشد الثورة آية الله الخميني، فإنها أضحت بالخصوص بعد رحيل آية الله الخميني في 1989 مختلفة حول آليات تطبيق مبدأ ولاية الفقيه وصلاحيات المرشد، حيث يرى المحافظون ضرورة التطبيق الحرفي الكامل لها، بينما يميل الإصلاحيون إلى نسبيتها.ومن حيث المبدأ، تقوم الأحزاب السياسية في إيران على أساس ديني، وتستند إلى مبدأ ولاية الفقيه الذي كرسه آية الله الخميني بعد الثورة في 1979.التيار المحافظغالبا ما يعرف بالتيار الأصولي، ولد من رحم الثورة الإيرانية سنة 1979، وساد في إيران كأبرز قوة سياسية مرتبطة بالمرشد، بداية بآية الله الخميني، وسيطر على المشهد السياسي بهيمنته على أبرز المؤسسات، تشكل من تحالف قوى سياسية ورجال دين، وهو ما جعل الغرب يعرفه بنظام “الملالي”، حيث يحظى بالدعم والمساندة في المدن الدينية مثل قم ومشهد وشيراز، ويلتزم بولاية الفقيه المطلقة، ويطالب بتدخل أكبر لرجال الدين في السياسة، ويقاومون التيارات الإصلاحية والتقدمية. التيار الأصولي في إيران مقرب من مؤسسة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، ويضم هذا التيار 7 أحزاب سياسية على غرار حزب الجمهورية الإسلامي وحزب المؤتلفة الإسلامي. يتحفظ المحافظون من التقارب مع من يعتبرونه “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة، ويستفيدون من دعم الأجهزة الأمنية والعسكرية، لاسيما الحرس الثوري الإيراني، وجسد الرئيس السابق أحمدي نجاد أحد الوجوه السياسية للتيار الذي يمثله عدة وجود بارزة في الساحة، من بينهم رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي.التيار الإصلاحيفي الواقع وجد التيار أيضا في خضم الثورة الإسلامية الإيرانية، وعرف تطورا مستمرا، يعود أصل التنظيم إلى آية الله العظمى الشيخ حسين علي منتظري الذي كان مرشحا لخلافة آية الله الخميني، وكان نائبا له لمدة طويلة، وعُرف بمواقفه الجريئة إلى حد تعريفه بأنه مرشد الظل المعارض، فالرجل الذي ساهم في الثورة ضد الشاه من الداخل وتولى رئاسة مجلس قيادة الثورة ومجلس خبراء القيادة، والإمامة المؤقتة لصلاة الجمعة بعد رحيل طالقاني، وتُوِّجت تلك المسئوليات أخيرًا حينما عينه الخميني نائبًا له في الزعامة، باعتباره الرجل الثاني في الثورة الإيرانية، وأطلق عليه لقب “نائب القيادة العليا”، خاصة أنه دعم مرجعية الخميني، إلا أن مواقفه ونظرته حول ولاية الفقيه تسببت في إحداث قطيعة بينه وبين الخميني إلى حد وضعه في الإقامة الجبرية حتى توفي، وعزله من منصب نائب المرشد لحساب خامنئي، وأضحت أفكار منتظري هي أبرز توجهات التيار الإصلاحي التي تمثلت في عدم جعل ولاية الفقيه مطلقة، إذ كان منتظري ينظر إليها كولاية فقيه انتخابية، وبالتالي تحديد الصلاحيات التي تمنح للولي الفقيه أو المرشد، كما أن انتخاب الحاكم (الزعيم) يتم من قِبَل الشعب، وتحديد صلاحيات الحاكم بالدستور، بالإضافة إلى ضرورة تحديد فترة زمنية لرئاسة الزعيم (10 سنوات على سبيل المثال)، ولمجلس الخبراء الحق في استجوابه وعزله إذا ما خالف الشروط السابق ذكرها، أو أخل بالتزاماته وفقًا لما ورد بالدستور، كما اعتبر الولاية المطلقة للفرد غير المعصوم تقود إلى استبداد في الحكم، كما أن الولاية المطلقة لم ترد في الدستور.أما من الناحية السياسية، فقد اعتبر محمد خاتمي أبا التيار السياسي الإصلاحي ومهندسه منذ 1997، وتشكل الخطاب الإصلاحي سنة 1997 من مفهوم الجمهورية ومفهوم الشعب، وتفرع عنهما مفاهيم كالحرية والقانون والمجتمع المدني والإصلاحات السياسية والاقتصادية والانفتاح على الخارج. وقد ارتكز الخطاب الإصلاحي علی مبدأ المشاركة السياسية، وترسيخ الشرعية عبر المشاركة الشعبية، بينما كان الخطاب المحافظ يرتكز علی الشرعية خارج المشاركة السياسية، وضرورة تطبيق الشريعة واكتساب الدولة الشرعية عبر تنفيذ أوامر الولي الفقيه.وبينما كان الخطاب الإصلاحي يری بأن الشعب هو مصدر الشرعية، وأن من حق الشعب أن يختار الحاكم، كان الخطاب المحافظ يبرز بأن الشرعية من الحاكم (الولي الفقيه) إلى الشعب، وكان يری بأن دور الشعب في طاعة الولي الفقيه الذي أعطاه الله حق السلطة المطلقة. إذاً كان الدالُّ المركزي في الخطاب الإصلاحي هو الشعب، وبينما كان التيار الإصلاحي يركز على جمهورية النظام الإيراني، كان التيار المحافظ يركز علی إسلامية الجمهورية، وانتقد المحافظون مظاهر الغزو الثقافي الأجنبي والقيم الخطيرة على المجتمع، كما انتقدوا تقارب الإصلاحيين مع الغرب، وقد بدا واضحا أن التباين برز بالخصوص مع وفاة الخميني في 1989، فبينما كانت النواة السياسية قائمة على ما يعرف “رجال الدين المجاهدين روحانيت”، خرج مجاهدو “خلق” للمعارضة، فيما برزت أولى الانشقاقات بعد الحرب مع العراق في 1988 ومرض الخميني، حيث برزت قوى متعددة مثل جمعية المؤتلفة الإسلامية ونقابات المهن البازار، ثم بروز علماء الدين المناضلين “الروحانيين”، فالحركة الإصلاحية التي جمعت بين الأحزاب والقوى اليسارية والتكنوقراطية والتجديدية.التيار الوسط أو المحافظون المعتدلونيمثل هذا التيار بالخصوص علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وقد شكل تقاطعا وتحالفا مع التيار الإصلاحي المعتدل، ويمثل هذا التيار حزب “كوادر البناء” الذي أسسه مقربون من رفسنجاني عام 1994، كما تبرز قوى معارضة على غرار مير حسين موسوي زعيم الحركة الخضراء، إلى جانب مهدي كروبي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات