38serv
إذا قرّرنا أنّ المجتمع وظيفته حفظ كيان الفرد، وتحقيق أهداف جماعته، فإنّ هذه الأهداف في مستوى الحشرات حفظ النوع، ولكنّها في مستوى الإنسان تفوق ذلك. فالقضية عند المجتمع الإنساني ليست قضية حفظ النوع، لأنّ التناسل قد وفّرته الحياة الطبيعية، فالإنسان يعيش لأهداف أخرى، والمجتمع الإنساني يقرّر فكرته في مستوى آخر ليس مستوى البقاء، ولكن مستوى تطور النوع ورقيّه، هذه هي حقيقة المجتمع الّتي ينبني عليها كيانه.فما هي الأهداف الّتي من أجلها يتكون المجتمع بالمعنى والاصطلاح الّذي نعنيه؟ إنّنا إذا عبّرنا عنها بالنسبة للفرد المسلم، وجدنا القرآن الكريم يعبّر عنها بقوله: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَة وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَك مْنَ الدُّنْيَا} القصص:77، فالحياة الاجتماعية بالنسبة للمسلم لا تنفصل فيها الحياة الدنيوية عن الحياة الأخروية، فالرّسول يقول: “الدّنيا مَطيّة الآخرة”، فنحن بالطبع لا نفصل الدّنيا عن الآخرة، إذ هي المَطيّة الّتي نمتطيها للوصول إلى أهداف هي أبعد من الموت. فإذا كانت هناك بعض المجتمعات الحديثة اليوم تبني المجتمع لغايات اجتماعية بحتة ولحياة أرضية بحتة، وأنا لا أقلِّل من شأن هذه الغايات وإنّما أعلم أنّها تقف في منتصف الطّريق، فإنّ مجتمعنا يبني لما بعد الحياة، كما يبني لأهداف يحقّقها لحياة كلّ فرد. وهذا بالطبع يتطلّب من المسلم ومن العربي جهدًا أقدر من جهد الآخرين وجهادًا أكبر من جهادهم.غير أنّي أحبّ أن أعبّر عن المشكلة لا بلسان الدّين، ولكن باللّسان البسيط، لسان الأدب. فما هي المشكلة وكيف نعبّر عنها؟ ولماذا يحيا الفرد؟ ولماذا يتّصل بالمجتمع؟ ولماذا لا يستطيع أن ينفصل عنه؟وهنا سأجيب بكلّ بساطة فأقول: إنّ الغاية من ذلك كلّه تحقيق سعادته. فالفرد إذ يتّصل بالمجتمع فإنّما ليحقّق سعادته، وما أتت الأديان والفلسفات إلاّ لتحقّق السّعادة، وما خطّطت السياسات إلاّ لهذا الغرض. ولكن ما هي هذه السّعادة الّتي نتطلّع إليها؟ وما هو الشّيء الّذي يحقّقها؟ لو أردنا أن نستخدم لغة العصر، وهي لغة الاقتصاد الّذي يسيطر اليوم على عقولنا وعلى سير التاريخ، لو أردنا أن نقتبس من هذا المنطق لندخل في موضوعنا فإنّنا نقول: إنّه متوسط الدخل السنوي للفرد، فلو أنّني أخذتُ قائمة متوسط الدخل السنوي للفرد عالميًا، فإنّني سوف أجد فيها مئات الأرقام طبعًا، ولكنّي سأكتفي منها بأرقام ثلاثة، فمتوسط الدخل السنوي في العالم يتراوح بين 1850 دولار في أمريكا إلى 38 دولارًا في جمهورية ليبيريا. هذا هو سلّم الدخل السنوي في العالم، من أوّل درجة فيه إلى أسفل درجة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات