38serv
لم تجد الكثير من الأمهات العاملات حلا لحضانة أطفالهن، إلا باصطحابهن إلى مقرات عملهن، حتى أصبح الأمر مألوفا في الكثير من المؤسسات على اختلافها، .. فالأستاذة سكينة تصطحب ابنها إلى المدرسة لبث إحساس حب العلم فيه، وأخرى لارتباطه القوي بها، وعائشة تصطحب فلذة كبدها لتفادي إزعاج والدتها في المنزل، لكن بالمقابل تصطدم الأمهات أحيانا برفض من مسؤوليهن وزملائهن في العمل، الذين يرون الأمر غير عادي. كانت السيدة “ن. ب” أولى الحالات التي قصدتها “الخبر” بخصوص اصطحاب الأطفال إلى مقرات العمل، وهي التي تشتغل كمقتصدة بأحد المؤسسات التربوية بالشرق الجزائري، ورغم تحكمها في عالم المال والأعمال بدليل طبيعة نشاطها، إلا أنها عجزت عن إيجاد حلول قصد التعامل مع طفلها الوحيد بإحضاره معها إلى مقر العمل، الأمر الذي يضايق كثيرا النساء اللواتي يعملن رفقتها نتيجة الفوضى التي يصدرها الابن، ولأن المثل الشعبي يقول “مول العرس يعرّس والميشوم يتهرس”، فإن حالة الحارس بهذه المؤسسة، شبيهة تماما بهذا المثل الشعبي كونه كبش الفداء لتذمّر المدير وإلقاء اللوم والعتاب عليه في كل مرة، محملا إياه المسؤولية، تاركا في الوقت نفسه هذه المقتصدة لحالها.تصطحب ابنها لبث روح حب العلم فيهحال عمال أحد المؤسسات التربوية بالشرق الجزائري، لم يكن أحسن من المؤسسة التربوية التي سبقتها، حيث لم تقتصر ظاهرة جلب الأطفال إلى مقرات العمل عند الإدارات فحسب، بل تجاوزتها إلى الأستاذات أيضا، مثلما تقول سكينة إحدى الأستاذات المشتغلة بإحدى مؤسسات الشرق الجزائري، حيث بات الجري والصراخ والبكاء بمثابة المواد التعليمية الجديدة بهذه المؤسسة، كنتيجة حتمية لظاهرة اصطحاب الأبناء إلى مقرات العمل مثل حالة “وهيبة، أسماء وكريمة” حيث تقول محدثتنا، بأن العاملات بالإدارة يفعلن ذلك في الفترة الصباحية أو الفترة المسائية، في حين يقتصر اصطحاب الأساتذة لأبنائهم أوقات تدريسهم فقط. وتضيف بأن بعض العمال يقومون باللعب مع هؤلاء الأطفال، مما يحوّل المؤسسة إلى فوضى ويتسبب في غضب كبير للأساتذة المدرّسين. وعن أسباب قيامهن بهذا السلوك، ترى إحداهن بأن ذلك يعود إلى رغبتها في بث روح حب العلم لدى طفلها، في الوقت الذي تذهب أخرى، بأن التعلق الشديد لابنها بها سبب في اصطحابه لمقر عملها.الظاهرة تطرق أبواب المكتبات العمومية والبلدياتولم تتوقف هذه الظاهرة عند حدود المؤسسات التربوية والتعليمية فحسب، بل تجاوزته إلى المؤسسات ذات الطابع الإداري، مثلما توضحه قصة السيدة مسعودة العاملة بإحدى بلديات ولاية باتنة، أين تنتظر قدوم أطفالها إلى البلدية بين 11:30 صباحا إلى غاية 12:00، كما تنتظرهم بالبلدية في الفترة المسائية بداية من الساعة الثالثة زوالا إلى غاية انتهاء فترة الدوام أين يغادرون سويا إلى المنزل، وإذا كان هناك شبه إجماع على مضايقة الأطفال للعمال في مقرات العمل، فإن عمال إحدى المكتبات العمومية لولاية باتنة لم يبدوا انزعاجهم من اصطحاب زميلتهم وردة لابنتها صاحبة الأربع سنوات، بل على العكس من ذلك، كونها تضيف جوا من المرح بمكتبة المطالعة العمومية، فضلا عن عدم إصدارها للضجيج، مكتفية باللعب بألعابها مثلما ذكرته لنا الآنسة “ر.ن”، حيث تصطحب ابنتها بسبب عدم وجود من يهتم بشؤون البنت بالمنزل، وهو نفس الانطباع المتكوّن لدى العمال بالنسبة للسيدة ليلى التي تقوم باصطحاب ابنتها هي الأخرى في أوقات معينة ترتبط أساسا بانشغال الجدة ببعض الارتباطات الأسرية والواجبات المنزلية المناسباتية كونها المتكفلة بشؤون البنت أثناء عمل الوالدة.تصطحب ابنها وتكلّف زوجها بجلب الآخرإذا كانت العاملات السابقات يقمن بجلب أبنائهن إلى مقرات العمل، فإن عائشة لم تتوقف عند جلب ابنها إلى مقر عملها بإحدى ولايات الغرب الجزائري، بل كلفت حتى زوجها بجلب ابنها الآخر، وذلك منذ سنتين، أي بعد وفاة الجدة التي كانت تعتني بالطفلين، “أحدهما يدرس بالتحضيري والآخر بالابتدائي”، وإذا كان الأطفال يزعجون باقي العمال في بعض القصص السابقة، فإن ابني عائشة يزعجان والديهما من ناحية العبث بالوثائق الإدارية بمكتبهما، مما يجعلهما في حيرة من أمرهما بين العمل الإداري والاهتمام بشؤون الطفل الذي يتطلب الكثيرا، والإلحاح على ضرورة الخروج من الإدارة نتيجة مطالبة الأبناء بذلك وهي التصرفات التي تنتهي عادة بملاحظات المسؤولين عند مشاهدتهم لمثل هذه الظواهر، وتعود أسباب اصطحاب عائشة لأطفالها إلى النظرة السلبية التي تكوّنت لديها حول عنف المربيّات بدور الحضانة في ظل غياب من يتكفل بهم داخل المنزل نتيجة ارتباطات المرأة بعملها خارج بيتها الزوجية.“المير” يضع حدا نهائيا للظاهرة الجديدةوفي رحلتنا للبحث عن الظاهرة، ربطنا حديثا مع “نبيل” أحد العمال بولايات جنوبية بالجزائر، أكد لنا عدم وجود هذه الظاهرة تماما ببلدية إقامته، مشيرا إلى أن السبب يتمثل في التعليمة التي أصدرها رئيس هذه البلدية، والتي وضعها عند المدخل الخاص بالعمال، نتيجة قيام إحدى الموظفات باصطحاب ابنها إلى مقر العمل، وما ينتج عن ذلك من تشويش وفوضى كبيرة، وهي التعليمة التي يذكر محدثنا بأنها أتت ثمارها بشكل جيّد، فبعد التعليمة مباشرة أصبحت ظاهرة اصطحاب الأطفال لمقرات العمل ضربا من الخيال وجزء من تاريخ وأرشيف هذه البلدية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات