أمهات تركن فلذات أكبادهن وحوامل تحدين حالتهن الصحية

38serv

+ -

تركن أبناءهن وراءهن مئات الكيلومترات، وضحين بشؤون بيوتهن لا لشيء إلا من أجل تحقيق حلم الحصول على منصب عمل دائم في قطاع التربية يحفظ كرامتهن. “الخبر” زارت، أمس، مكان تجمع الأساتذة المعتصمين بمدينة بودواو في بومرداس، واقتربت من الأستاذة فاكية التي اكتفت بإجراء اتصالات هاتفية لتطمئن على أبنائها، وفهيمة رافقها زوجها طيلة المسيرة، بينما وجدت الأستاذة منصوري نفسها مرغمة على قطع مئات الكيلومترات كل 3 أيام لتفقد شؤون منزلها بولاية غليزان، وأخرى سارت تحمل جنينها في بطنها حتى تدهورت حالتها الصحية وأرغمت على الانسحاب. ما إن اقتربنا من مكان تجمع الأساتذة المتعاقدين بحي 950 مسكن بمدينة بودواو في ولاية بومرداس، حتى اصطدمنا بالعدد الهائل من أفراد الشرطة الذين كانوا يطوقون المكان، بينما كان المعتصمون يتجمعون وراء الحواجز الأمنية ويطلقون العنان لحناجرهم مرددين عبارات يطالبون فيها السلطات برد الاعتبار لهم.ترعى شؤون بيتها عبر الهاتفتقف حاملة هاتفها النقال تتلقف أخبار عائلتها بعنابة، تسأل عن أحوال زوجها وأبنائها الذين لم ترهم منذ أكثر من 10 أيام ..”عليكم بالصبر، سوف ننتصر بإذن الله.. وكيف حال الأولاد؟ والدراسة، ماذا أكلتم...” هكذا هو حال السيدة بن محمد فاكية، أستاذة في الإعلام الآلي، التي قدمت من مدينة عنابة التي تبعد عن العاصمة بـ600 كيلومتر، لإسماع صوتها للمسؤولين الذين أهملوا حالتها لمدة 16 سنة وتركوها من دون إدماج.تقول السيدة بن محمد صاحبة 43 سنة: “أشحن بطريات هاتفي النقال يوميا لكي لا أفقد الاتصال بزوجي وأبنائي الثلاثة”. وبنبرة حزن أردفت: “لا أستطيع التراجع إلى الوراء، وفي حال ما لم تتحقق مطالبنا لن أعود إلى الديار، لأنني مقتنعة بأن حقوقي هضمت”.وتحكي محدثتنا عن زميلة هي الأخرى شاركت في المسيرة مشيا على الأقدام منذ انطلاقها من مدينة بجاية، وهي تحمل جنينا في بطنها وتركت ابنها الآخر في مسقط رأسها بولاية وهران، قائلة: “حاولنا منعها من المشاركة في المسيرة، إلا أنها رفضت الأمر ورافقتنا حتى ولاية البويرة، حيث تدهورت حالتها الصحية ووجدت نفسها أمام خطر فقدان جنينها، وهو الأمر الذي دفعها إلى التراجع عن قرارها رغما عنها، وفي الأخير انسحبت وعادت إلى منزلها”، وتواصل محدثتنا حديثها تقول: “لكنها لاتزال في اتصال دائم معنا وفي كل مرة تخبرنا بأنها ستعود وقتما تتعافى حالتها الصحية”.دعم الزوجواصلنا البحث عن أمهات أخريات وجدن أنفسهن مشردات في الشارع في ظروف قاسية وصفها البعض بـ”الإسطبل”، وتوغلنا بصعوبة وسط المعتصمين الذين كان بعضهم مغلفا بأكياس بلاستيكية للاحتماء من برد الطبيعة، وآخرون يفترشون الأرض غارقين في نومهم العميق، ومن خلفهم كانت النسوة جالسات في الأرض يرتدين مآزرهن البيضاء. ملامح التعب بادية على وجوههم وبساطة ثيابهم ترجمت الحالة الحرجة التي يعيشها الأستاذ في الجزائر. التقينا بين ذلك الجموع بالأستاذة لحمر عبو منصوري، صاحبة 35 سنة، القادمة من مدينة غليزان بغرب البلاد، والتي تركت هي الأخرى بناتها الثلاث لزوجها الذي وافق على تحمل المسؤولية لوحده بعد أخذ ورد بينهما، على حد قولها، قبل أن تضيف: “ذهبت أول أمس إلى المنزل لتفقد أفراد عائلتي، وكم كانت فرحتهم كبيرة لدى دخولي المنزل، لكن واجبا آخر كان ينتظرني هنا في بودواو، فعدت في اليوم الموالي لتشجيع باقي المعتصمين على الصمود أكثر”.عائلة مجندةوأنت تتجول بين تلك الجموع المحتشدة تحت الخيم التي نصبها المعتصمون باستعمال أغلفة بلاستيكية، ستلمح بصرك حتما تلك الأكياس من السكر التي كانت ملقاة في الأرض، والتي أصبحت الغذاء الوحيد للمضربين عن الطعام، وطبعا ستهب إلى أنفك رائحة دخان النيران التي التصقت بالمآزر البيضاء للمعتصمين والتي يشعلونها ليلا للاحتماء من برد الطبيعة.وهناك التقينا بالأستاذة مخموخ فهيمة التي كانت محظوظة مقارنة بزميلاتها، بعد أن رافقها زوجها منذ الخطوة الأولى التي انطلقت فيها من ولاية بجاية. تقول فهيمة وهي تجلس على الأرض منهكة تماما: “زوجي الموظف الإداري أخذ عطلة ورافقنا طيلة رحلتنا وهو ينام برفقتنا في العراء، وهو الأمر الذي شجعني على الصمود أكثر لاسترجاع كرامتنا”.وتقول سيدة أخرى: “أنا لم أستطع زيارة عائلتي، لكن أفراد عائلتي هم الذين يزورونني في كل مرة، فبالأمس زارني ابني رفقة والده وطلبا مني العودة رفقتهما إلى المنزل، لكنني رفضت الأمر وكشفت لهما بأنني مصرة على الصمود أكثر”.وعن قضاء حاجاتهم البيولوجية خصوصا مع برد الطقس، تقول محدثتنا “سكان الحي فتحوا لنا أبوابهم ولم يبخلوا علينا بأي شيء، بل هناك من عرض علينا قضاء الليلة داخل منازلهم، إلا أننا رفضنا الأمر وأبينا إلا أن نلم شملنا لإسماع صوتنا للمسؤولين”، وتشاركنا زميلتها الحديث قائلة: “لقد تم نقل 9 معتصمات إلى المستشفى بعد أن تدهورت حالتهن الصحية جراء الإضراب عن الطعام”، ولم تكمل السيدة حديثها حتى دخلت سيارة إسعاف مسرعة بين الجموع وتدخل أفرادها لنقل معتصم آخر أغمي عليه بسبب إضرابه عن الطعام.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات