زها حديد..عراقية أذهلت عقول الهندسة في العالم

38serv

+ -

تتسم تصاميم المهندسة المعمارية العراقية زها حديد بالانسيابية والغرابة والإغراق في الخيال الحر أحياناً، وهو ما يمكن لمسه في الكثير من المشاريع التي تحمل اسمها في حواضر العالم. لكن قصة نجاحها مرت بالعديد من المحطات. شقّت زها طريقها إلى العالمية متغلبة على كل المصاعب والتحديات التي واجهتها في بيئة صعبة، لكنها تفوقت بإبداعها وفنها في هذا الوسط الذي يربط بين الجمالية والهندسة والأرقام والمعادلات الحسابية، فنالت شهرة عالمية فيها. إنها المعمارية زها حديد القادمة من الشرق، وأذهلت العالم بتصاميمها الخارجة عن المألوف والقريبة إلى الخيال، حيث تركت بصمتها على معمار حواضر أوروبا والعالم. زها حديد معمارية عراقية، وُلدت في بغداد يوم 31 أكتوبر 1950، هي ابنة وزير المالية الأسبق محمد حديد الذي سير اقتصاد العراق خلال الفترة من عام 1958 حتى 1963. وظلت زها تدرس في مدارس بغداد حتى انتهائها من دراستها الثانوية، وهي حاصلة على شهادة ليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية في بيروت سنة 1971، ولها شهرة واسعة في الأوساط المعمارية الغربية، وحاصلة على وسام التقدير من الملكة البريطانية، ولقد تخرجت عام1977  في الجمعية المعمارية “أرشيتيكتورال أسوسيايشن” بلندن، وعملت كمعيدة في كلية العمارة سنة 1987، وانتظمت كأستاذة زائرة أو أستاذة كرسي في عدة جامعات في دول أوروبية وأمريكية، منها هارفارد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل.درست الرياضيات في الجامعة الأمريكية ببيروت (1968-1971)، كما درست العمارة في الجمعية المعمارية في لندن (1972-1977) حيث مُنحت الشهادة عام 1977. تميزت زها حديد بنشاط أكاديمي واضح منذ بداية حياتها العملية، فقد بدأت التدريس في الجمعية المعمارية. وكانت بداية نشاطها المعماري في مكتب ريم كولاس وإليا زنجليس أصحاب مكتب “أوما”، ثم أنشأت مكتبها الخاص عام 1978. وفي عام 1994، عينت أستاذة في منصب كينزو تاجيه في قسم التصميم (الدراسات العليا) بجامعة هارفارد، ومنصب سوليفان في جامعة شيكاغو بمدرسة العمارة، وكأستاذ زائر في بعض الجامعات مثل جامعة ييل. كما قامت بإلقاء سلسلة من المحاضرات في أماكن كثيرة من العالم، وهي أيضًا عضو شرف في الأكاديمية الأمريكية للفنون والأدب والمعهد الأمريكي للعمارة. أقامت زها حديد العديد من المعارض الدولية لأعمالها الفنية، وتشمل التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية. وقد بدأتها بمعرض كبير في الجمعية المعمارية بلندن عام 1983، كما أقامت مجموعة من المعارض الأخرى الكبيرة في متحف جوجنهايم بنيويورك عام1978 ومعرض جي آ غالري بطوكيو عام1985 ، ومتحف الفن الحديث في نيويورك عام 1988، وقسم الدراسات العليا للتصميم في جامعة هارفارد عام 1994، وصالة الانتظار في المحطة المركزية الكبرى بنيويورك عام 1995، كما تشكل أعمال زها جزءا من المعارض الدائمة في متحف الفن الحديث بنيويورك ومتحف العمارة الألمانية في فرانكفورت.تصاميم تجمع بين الواقع والخيالتميزت أعمال زها حديد باتجاه معماري واضح في جميع أعمالها، وهو الاتجاه المعروف باسم التفكيكية أو التهديمية، وهو اتجاه ينطوي على تعقيد عال وهندسة غير منتظمة، ويعتمد على التفكيك والتعقيد الهندسي، ويكتسب جاذبية خاصة كونه ينقل الإنسان من عالم الواقع إلى عالم المباني الطائرة أو الفضاء. كما أنها كانت تستخدم الحديد في تصاميمها بحيث يتحمل درجات كبيرة من أحمال الشد والضغط تمكنها من تنفيذ تشكيلات حرة وجريئة. وقد ظهر هذا الاتجاه في عام 1971، ويُعد من أهم الحركات المعمارية التي ظهرت في القرن العشرين. ويدعو هذا الاتجاه بصفة عامة إلى هدم كل أسس الهندسة الإقليدية المنسوبة إلى عالم الرياضيات اليوناني إقليدس، من خلال تفكيك المنشآت إلى أجزاء. ورغم الاختلاف والتناقض القائم بين رواد هذا الاتجاه، فإنهم يتفقون في أمر جوهري هو الاختلاف عن كل ما هو مألوف وتقليدي..عن إبداعاتها وتصاميمها، قال أندرياس روبي ناقد للفنون المعمارية “مشاريع زهاء حديد تشبه سفن الفضاء التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عال ولا سفلي، ولا وجه ولا ظهر، فهي مبانٍ في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زهاء إلى مرحلة التنفيذ، تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة”.لمساتها الغريبة والخيال المغرق في الحرية والحداثة وخروجها عن الكلاسيكية والمألوف تتجلى بوضوح في مبانيها الشهيرة المنتشرة حول العالم، فتصاميمها انسيابية لا تعرف زوايا أو حدودا.وغالباً ما تكون تصاميم زها حديد باهظة التكاليف وتتطلب وقتاً أطول من المخطط له مسبقاً، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء الياباني لإلغاء مشروع الملعب الوطني الجديد في اليابان، بعد أن كان هذا التصميم من الأسباب الرئيسية لمنح بلاده شرف تنظيم الأولمبياد عام 2020.لكن هامبورغ الألمانية نالت أحد تصاميم المعمارية العراقية، وأعلنت بفخر انتهاء مرحلة البناء الأولى لمتنزه تابع لمرفئها قبل شهرين من الوقت المخطط له. غير أن هذا التصميم جاء أقل تعقيداً مقارنة بتصميم الملعب في اليابان، ما انعكس على تكاليف إنشائه. ولعل التفرد الذي تتمتع به تصاميمها يكمن في أحد أقوالها المشهورة “هناك 360 درجة لماذا نتقيد بواحدة فقط”.تصاميم عالميةتتألق تصاميم حديد كجواهر أسطورية نادرة أينما وجدت، حيث وصفها معماريون ومصممون بالمعمارية العظيمة و “سوبر ستار”. تعد محطة إطفائية فيترا في مدينة فايل أم راين الواقعة بولاية بادن فرتمبيرغ الألمانية أولى الأعمال التي أنجزتها زها حديد وساهمت في شهرتها العالمية، وقالت زها حديد عن هذه المحطة “مبنانا يعمل مثل الطربوش يغطي الموقع ويعطيه تعريفا. ولكن عندما تتحرك خلال المبنى، فإنه يبدو كما لو كان جهاز عرض. لقد تم تصميمه لكي تدرك التغيرات الفراغية والحسية بالكامل بينما تتحرك عبر المناطق المختلفة للحيز”.وفي مدينة سينسيناتي الواقعة بولاية أوهايو الأميركية، قامت بتصميم مركز روزنتال للفن المعاصر، وهو أول بناء للمهندسة العراقية في أمريكا.الجدير بالذكر أن زها حديد عملت كأستاذة زائرة في جامعات شيكاغو ونيويورك وييل الأمريكية. وحصلت على مقعد العضو الفخري في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وزميل في المعهد الأمريكي للهندسة المعمارية، فضلاً عن مشاريع مستقبلية أخرى، بالإضافة لتصميم مجموعة من اليخوت الفاخرة.كما ذكرت حديد في إحدى مقابلاتها مع أحد المواقع الإعلامية أن تصاميمها لا تقتصر على المباني الثقافية فقط، بل قامت مع شريكها باتريك شوماخر بالعديد من المشاريع السكنية التجارية المشتركة الذي وصفها بأنها “صرخة فيما قدمته منذ عقدين من الزمن من أعمال في الرسم أو في العمارة”.طريق صعب إلى النجاحلم يكن طريق زها إلى النجاح سهلاً، فقد أصيبت في مسارها العملي بعدد من الانتكاسات، من أهمها وقوف النزاع السياسي الداخلي حائلاً دون استكمال تصميمها الحديث لدار “كارديف باي” للأوبرا في ويلز بالمملكة المتحدة عام 1995، إلا أن ذلك لم يفقدها العزيمة والإصرار لتحقيق طموحاتها.ومن جانب آخر، أُثيرت انتقادات لتصاميم زها حديد بعد سنوات من حملة وصفتها “مهندسة قرطاس” لصعوبة تنفيذ تصاميمها، واليوم يرى المنتقدون بأن أبنيتها خارج إطار الإحساس بالمكان، وأن تصاميمها لافتة للنظر على “الماكيت” (المخطط) فقط، وتعاني من عدم الانسجام مع روح المدن التي ينبغي أن تنتمي إليها. ويؤكد بعضهم الآخر أن هذه التصميمات تطغى عليها حالة من الصرامة، لكن مما لاشك فيه أن نجاح تصاميمها والجوائز والنجاحات المتلاحقة التي حققتها تؤكد أن مقولة “هندسة القرطاس” ليست سوى ادعاء خاطئ من معماريين يعيشون مع الماضي، لأن كل ما وضعته على شاشة حاسوبها من تصاميم استطاع الآخرون تنفيذه.من أشهر تصميماتهاومن أبرز تصاميم زها حديد، مجمع السباحة في لندن، والمجمع الفني في أبوظبي، والمركز الرئيسي لــ “بي أم دبليو” بألمانيا، ومنزل “كابتل هيل” بروسيا، ومجمّع كرة القدم في طوكيو، ومركز الفنون الحديثة بروما، ومحطة مترو الرياض.الجوائز والتكريمحصدت زها حديد العديد من الجوائز، وتسنى لها أن تحصل على شهادات تقديرية من أساطين العمارة مثل الياباني كانزو تانك، وقفز اسمها إلى مصاف فحول العمارة العالميةفازت المهندسة العراقية بأرفع جائزة نمساوية عام 2002، حيث حصلت على جائزة الدولة النمساوية للسياحة.وفي العام 2004 فازت زها حديد بجائزة بريتزكر التي تمنحها “مؤسسة هيات”، المالكة لسلسة فنادق ريجينسي، لأحد المعماريين الأحياء، وتبلغ قيمتها المادية 100 ألف دولار مقرونة بميدالية برونزية، وتعادل في قيمتها جائزة نوبل في العلوم والآداب، ويرجع تاريخها لنحو 25 عاماً.. وهي أصغر من فاز بها سناً حينها، حيث أشادت لجنة التحكيم بالمنجزات العمرانية التي حققتها زها حديد ووصفتها بأنها “إسهامات مهمة وباقية للبشرية”، وأُسندت إليها الجائزة بعد فوزها في مسابقة تشييد مركز روزنثال للفن الحديث في سينسيناتي في أوهايو عام 2004.ومنحت لها جائزة “توماس جيفرسون للهندسة المعمارية” عام 2007 تقديراً لمساهمتها الجدية والمتفردة في الهندسة المعمارية، وهي جائزة تمنح للمعماريين منذ العام 1996 بشكل سنوي. كما حصلت على وسام التقدير من الملكة البريطانية، واختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010، حسب تصنيف مجلة التايمز لأقوى 100 شخصية في العالم.وفي 2012 حصلت على وسام التقدير من الملكة البريطانية، واختيرت كأفضل الشخصيات في بريطانيا. ونالت جائزة “متحف لندن للتصميم” لعام 2014، وذلك لتصميمها مركز حيدر عليف في باكو عاصمة أذربيجان، ما جعلها أول امرأة تفوز بالجائز الكبرى في المسابقة التي دشنت منذ 7 سنوات. وقالت حديد عن سر تميز هذا المبنى، وهو أحد إنجازاتها الذي يختزل خبرة 30 سنة من الأبحاث، “هذا المشروع لم تبخل عليه باكو عاصمة أذربيجان بشيء؛ فالميزانية كانت مفتوحة، وهذا مهم، لأنها عندما لا تكون كذلك يكون هناك تنازل أو حل وسط لا يكون في صالح العمل”.وفي 2016 فازت بجائزة ريبا (الميدالية الذهبية الملكية للعمارة) لعام 2016. وأصبحت المعمارية العراقية زها أول امرأة تحصل على هذه الجائزة التي هي أعلى تكريم يقدمه المعهد الملكي البريطاني اعترافا بالإنجاز التاريخي في مجال الهندسة المعمارية.وفاتهاتوفيت المهندسة المعمارية العراقية-البريطانية زها حديد يوم الخميس 31 مارس 2016 عن 65 عاما، إثر إصابتها بأزمة قلبية في مستشفى في ميامي بالولايات المتحدة.وقال مكتبها في لندن في بيان إن زها توفيت بشكل مفاجئ في ميامي، بعد معاناتها من التهاب رئوي أصيبت به قبل أيام من وفاتها، وتعرضت لأزمة قلبية مفاجئة أثناء علاجها في المستشفى.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات