38serv
بعد حوالي عام على وقوع الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها الرعية الفرنسية أرليت طياب، زوجة رجل الأعمال البجاوي بوعلام طياب، جاء موعد محاكمة مرتكبي الجريمة خلال دورة الجنايات، وكل الحضور الذين غصت بهم قاعة المحكمة رغم شساعتها ينتظرون أن يدق جرس العدل ليفجر طبول آذان المجرمين. حقوقيون: الإعدام هو الحكم المناسب والجريمة لا تعترف بالأعمار كانت الساعة التاسعة صباحا لما فُتحت أبواب قاعة محكمة الجنايات ليتدافع الحاضرون على الولوج والظفر بمكان في الصفوف الأولى، حيث يمكن سماع المتدخلين.. لحظات وتنتهي الزحمة، وساد نوع من البرودة الشديدة أجساد الحاضرين، خاصة من معارف الضحية وأصدقائها.الحزن ملأ كل الأرجاء، صعب على الكثير تحمل الوضع مع الصمت الرهيب الذي خيم على القاعة، والذي فجّره فجأة رجال الأمن الذين فتحوا أبوابا ملأت فراغها بطلةُ الجريمة مرفقة باثنين من المتواطئين معها، كل الأنظار مشدودة اليها ولا أحد استطاع أن يقنع نفسه أن هذه الجميلة في العقد الثاني من عمرها هي بطلة أفظع جريمة عرفتها بجاية خلال السنوات الأخيرة. وفي وقت ارتفعت وتيرة نبضات قلوب الحضور، دق الجرس لتدخل هيئة المحكمة تدعو المحلفين إلى الالتحاق بالمنصة، وأمر الرئيس بعدها كاتب الضبط بتلاوة قرار الإحالة، فكانت أول صدمة تعرض لها الحضور لما تضمنه من معلومات لم تكن في متناول العامة وحتى العائلة قبل المحاكمة، وهو ما زاد في اشتياق الحضور أكثر لمعرفة ألغاز هذه الجريمة المروعة.وبدأت ساعة الحقيقة لما نادى الرئيس المتهمة وعشيقها ومتهما ثالث للوقوف أمام منصة الاتهام، ليطلب من المتهمة “سامية” أن تعود بهيئة المحكمة إلى بداية الجريمة التي لم تنكر مشاركتها في ارتكابها.قرار الإحالة أقرب إلى سيناريو فيلم رعبحسب محتوى قرار الإحالة الذي يتضمن عدة صفحات، فقد وقعت الجريمة بتاريخ 6 ماي 2015، ففي حدود الثامنة ونصف صباحا دخلت عاملة النظافة إلى بيت عائلة طياب بشارع “كليمونصو”، وبدأت في استفزاز الضحية بمطالبتها بأجرتها التي ادعت أنها لم تتسلمها منذ عدة شهور، تحولت إلى غرفة الحمام بدعوى تنظيفها، ليتبين أنها توجهت هناك لتحضير وسائل الجريمة، وساعة بعد ذلك شرعت المجرمة في تنفيذ خطتها الإجرامية، فدعت الضحية إلى الحمام، وبمجرد أن دخلت هذه الأخيرة فاجأتها بضربة قوية بمزهرية في الرأس، أسقطتها أرضا، لتنهال عليها بضربات أخرى، وكأنها لم تقتنع بالأولى، وفتحت الباب لعشيقها الذي انهال ضربا بدوره على جسم الضحية التي تبلغ من العمر 84 سنة، وفيما كان العشيق يمزق بوحشية غير موصوفة جسدَ العجوز، كانت العشيقة في مهمة جمع ما قل وزنه وغلا ثمنه، وقبل أن يخرج شريكها من البيت لينتظر شريكته في السيارة عند مدخل الباب، أخذ لوحة إلكترونية ملكا للضحية.خرجت المجرمة ويداها وثيابها ملطخة بالدماء، واضعة على رأسها خمارا أسود للتخفي، وانصرفت مع عشيقها إلى مدينة تيشي، حيث تتوفر عائلة طياب على بيت شاطئي. وهنا بدأ العشيقان في عد الغنائم، قبل التحول إلى الحمام للتخلص من الدماء، وتم وضع الثياب الملطخة في كيس رُميَ جانبا.الصدمة الكبرىكعادته عاد السيد طياب إلى البيت في حدود منتصف النهار، وكغير العادة رن جرس الباب عدة مرات، لكن الباب لم يُفتح، حاول الاتصال بزوجته بالهاتف دون جدوى. أثارت انتباهه بقع الدم في الباب الرئيسي الذي يغلق بطريقة كهربائية، اضطر للعودة إلى الشركة لإحضار المفاتيح الاحتياطية، وما إن فتح الباب حتى صُدم ببقع دم كثيرة مبعثرة في مناطق عدة.نادى زوجته عدة مرات، ولم ترد، تحوّل إلى الحمام ليقف بصره على صور بشعة لم تخطر أبدا بباله.. زوجته أرليت ممزقة الجسم. جمع قواه وخرج إلى الباب دون أن يقدر على الكلام وسقط مغشيا، ما أثار فضول جيرانه الواقفين بجواره الذين حاولوا إدخاله إلى البيت، ولما اكتشفوا ما وقع اتصلوا بمصالح الشرطة التي حضرت بسرعة وحاصرت العمارة، واتصلت بوكيل الجمهورية الذي حضر بدوره لمعاينة الجريمة.وجاء في تقرير الخبرة الطبية أن الضحية تلقت 32 ضربة، منها 18 طعنة بسكين، والبقية بآلة حديدية صلبة. وحسب التقرير فإن الضحية قاومت من أجل البقاء، وأضاف أن أغلب الطعنات، خاصة تلك الموجهة إلى البطن، تلقتها الضحية بعد أن فارقت الحياة...وبدأت ساعة الاعترافاتبدأت المتهمة سامية والدموع تذرف بغزارة من عينها في إفادة هيئة المحكمة بتفاصيل الجريمة، قائلة إنها ضحية العشق الأسود الذي يربطها بحبيبها وشريكها في الجريمة. وقالت إنها مستعدة لأن تفعل أي شيء يطلبه منها، وحاولت تحميل عشيقها ثقل الجريمة، وأنها حاولت أن تنتقم من السيدة التي أهانتها لما طالبتها بأجرتها، حيث ردت عليها “انصرفي، اغربي عن وجهي”. كلمات قالت إنها أثرت فيها وآلمتها كثيرا، لكنها لم تفكر في القتل، والمأساة بدأت لما اتصلت بعشيقها وروت له ما حدث لها مع السيدة، فأمرها بقتلها وأنه سيحضر إلى البيت ليتخلص من الجثة قبل عودة الزوج، وقالت إنها أخذت مزهرية في الحمام وضربتها بها على مستوى الرأس دون أن تلفظ أنفاسها، وأضافت أنه لما دخل شريكها إلى البيت واصل الضرب، وطعن الضحية عدة مرات لينصرفا بعدها.وتابعت المتهمة أن عشيقها استبدل عشية اليوم الإجرامي شريحة هاتفها النقال، وقدم لها شريحة لم يسبق استعمالها، وذلك قصد تمويه المحققين، كما نفت سامية عودتها إلى الحمام، وأكدت أنها خرجت مباشرة رفقة شريكها نحو السيارة التي تم استئجارها، وتوجهت إلى البيت إلى غاية توقيفها من قبل رجال الأمن.رئيس محكمة الجنايات واجه المتهمة بسلسلة من الأسئلة، “كيف تجرأت أنت الصغيرة وعمرك في العشرين أن ترتكبي مثل هذه الجريمة؟”، ردت عليه “سيدي الرئيس أنا كنت مزطولة، وشريكي قدم لي مخدرات ومهلوسات خلال تناولنا العشاء، لم أكن واعية. أكن له الطاعة العمياء، لقد خطط للجريمة منذ زمن، من خلال الاستفسارات الكثيرة والمفصلة التي يطلبها حول عائلة الضحية. وقالت إنها اكتفت بضربها مرة واحدة، بينما هو تولى عملية افتراسها بتلك الوحشية.رئيس المحكمة استدعى المتهم الثاني عشيق المتهمة، وطلب منه أن يفيد المحكمة بتفاصيل الجريمة، فحاول بدوره رمي مسؤولية الفعل الإجرامي على عشيقته، حين قال إنه لم يدخل إطلاقا بيت عائلة طياب ولا يعرف الضحية، وأن المتهمة هي من خططت لكل شيء، وطلبت منه الوقوف إلى جانبها حين طلبت منه عبر الهاتف يوم الجريمة في حدود العاشرة صباحا أن يحضر إلى مقر عملها على متن سيارة، لأنها في وضعية غير مريحة، وقال إنه حضر إلى موقع الجريمة ونقل عشيقته إلى البيت الشاطئي لعائلة طياب بمدينة تيشي، ولما سألها عن أسباب بقع الدم في ثيابها وحملها الخمار على غير العادة وإصابتها بخدوش على مستوى قدمها، أجابته أن السيدة أصيبت بجروح، وهي قامت بتضميدها، ليفاجئه رئيس المحكمة بمجموعة من الصور البشعة التي تؤكد عكس ما يدعي، ليتحول إلى صخرة صماء.المتهم الثالث هو صديق العاشق المجرم، عرف بالقضية لكنه تستر على الجريمة ولم يبلغ المصالح الأمية بأمرها، ما أطال في عمر التحري، كما اكتفى بإخفاء جزء من المسروقات، منها اللوحة الإلكترونية التي كشفت دخول المتهم الثاني بيت الضحية.دفاع العشيقين دخل في سيناريو تمثيلية عرف الجميع أنها مجرد مرافعة من أجل المرافعة، خاصة أن هيئة الدفاع اقتنعت بأن الرئيس بحوزته جميع الأدلة التي تدينهما، واستغرقت المرافعة حوالي 3 ساعات، زادت في إرهاق جميع من حضر أطوار المحاكمة. كانت الساعة التاسعة ليلا لما تدخل رئيس المحكمة ليخبر أحد المحامين أن المحاكمة بدأت على الساعة التاسعة صباحا، ليقرر بعدها رفع الجلسة، والتحول إلى قاعة المداولات.الحكم العادلبعد حوالي 40 دقيقة عادت هيئة المحكمة لتعلن عن قراراتها بإدانة العشيقين بحكم الإعدام، بعدما رفضت محكمة الجنايات إفادتهما بالظروف المخففة، وسنة واحدة لشريكهما بتهمة عدم التبليغ عن جريمة. هذه الأحكام صعقت أفراد عائلتيهما، حيث ارتفعت أصوات العويل من الذكور والإناث، وقال أحدهم “إنهما شابان صغيران لا يتعدى عمرهما 20 سنة، كيف يصدر في حقهما حكم الإعدام؟”.الأستاذ بورنين من مجلس قضاء بجاية “صور الجريمة مرعبة والإعدام هو الحكم المناسب” قال الأستاذ بورنين إن صور الجريمة التي يحتفظ بالبعض منها مرعبة جدا، ورفض عرضها على الصحفيين خوفا من تأثر البعض منهم، وقال إن بعض الصور تظهر الضحية بوجه مشوه وعينها اليسرى خرجت من مكانها الطبيعي، وجزء كبير من أمعائها في الأرض، وقال إن هيئة المحكمة كانت مقتنعة منذ البداية بأن حكم الإعدام هو المناسب، رغم استبعاد تنفيذه عاجلا أم آجلا، وقال إن العدالة هي العدالة.الأستاذ قاسم من قسم علم النفس الاجتماعي بجامعة بجاية “الجريمة أصبحت عادية بحكم الظروف المحيطة بها” اعتبر الأستاذ قاسم أن الجريمة عادية بحكم انتشار المجرمين، لكن ما يؤثر ويؤلم المجتمع هي فئة العمر للمجرمين التي لا تتعدى العشرين، وكلاهما مولود عام 1996، ولكن علاقتهما بروابط الانحراف حولتهما إلى مجرمين كبيرين، فهما يستهلكان المخدرات والمهلوسات والخمور وغيرها. وأضاف أن المجرمة لم تكن تعود إلى البيت مثل بقية الفتيات، بل تقضي كل وقتها في البيت الشاطئي رفقة عشيقها الذي لم تنل منه إلا ما حرم الله. وتساءل الأستاذ عن دور والديها وعدم البحث عنها خلال فترات غيابها الطويلة، ورفض مبرر الفقر لإهمال الأولاد.الضحية في سطور ولدت أرليت طياب في مرسيليا سنة 1930 من عائلة فرنسية، في سنة 1959 تزوجت من الشاب بوعلام طياب الذي ينتمي لعائلة ثرية ببجاية، أنجبت منه بنتين متزوجتين حاليا، تقيم في أغلب أوقاتها رفقة بناتها في فرنسا، ومنذ عدة سنوات عكفت على فعل الخير رفقة عدد من نساء بجاية، خاصة المنتميات للعائلات البورجوازية، في بداية الأمر كانت تتعاون مع الهلال الأحمر، قبل إنشاء جمعية تختص بالعناية بالأطفال المولودين في علاقات غير شرعية، وهو ما أكسبها عطفا كبيرا وسط المجتمع المحلي، وكانت تحضر الدواء من فرنسا لبعض المرضى، وقضت أكثر من 20 سنة من عمرها في خدمة المعوزين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات