38serv
قالت المحامية فاطمة بن براهم، الباحثة في تاريخ الجرائم الفرنسية في الجزائر، إن الأرشيف الذي تحصلت عليه الجزائر من قبل فرنسا خلال السنوات الأخيرة، والمتعلق بمجازر 8 ماي 1945، يجب أن يوضع تحت تصرف الباحثين والقانونيين الجزائريين. موضحة أن القانون الجزائري يسمح بذلك ولا يمنع الاطلاع عليه. وأوضحت الأستاذة بن براهم، أن الطرف الجزائري ما يزال يسعى للبحث عن العدد الحقيقي لضحايا مجزرة 8 ماي، وإدراجها ضمن خانة “مجازر ضد الإنسانية” استنادا إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 17 جويلية 1998.ذكرت المحامية فاطمة بن براهم، التي قضت سنوات طويلة، في البحث عن الجرائم التي اقترفتها فرنسا في الجزائر منذ سنة 1830، أن عددا من الباحثين الجزائريين يتواصلون مع نظرائهم الفرنسيين للتعمق أكثر في المسألة وبلوغ مرحلة “تجريم فرنسا الاستعمارية”، موضحة أن التقرير الأساسي في أحداث 8 ماي 1945، والمسمى بـ “تقرير أشياري”، نائب الحاكم العام لمدينة ڤالمة، الذي طلبته فرنسا لمعرفة حقيقة الأحداث، لا يوجد من تحصّل عليه إلى يومنا هذا. وقالت: “باستثناء التقرير الأولي الذي دوّنه “أندري أشياري” لما وقعت المجزرة والذي يتكون من 157 صفحة، لا نعرف أي شيء عن التقرير النهائي”.وكشفت الأستاذة بن براهم، أن الحديث ما يزال يدور إلى اليوم حول مسألة عدد ضحايا المجزرة التي ارتكبت في حق الجزائريين، معتبرة أن المعركة القانونية مع الطرف الفرنسي تدور حول العدد والأمكنة التي وقعت فيها المجزرة، وحول معرفة الظروف التي أدت إلى اختفاء الجزائريين، قالت: “إن فرنسا الاستعمارية ارتكبت محرقة حقيقية في الجزائر وقامت بحرق الضحايا بضواحي ڤالمة، وألقت بعدد كبير من الضحايا أحياء وموتى، في المكان المسمى “كاف البومة”، (وليس كاف البومبة كما يردد البعض)، وبقي كثير منهم يحتضر ولم يلفظ أنفاسه الأخيرة إلا بعد أيام طويلة”.وتعتقد بن براهم أن القوات الاستعمارية قامت بنقل الضحايا بواسطة شاحنات عسكرية إلى “الكاف” المذكور، حيث ألقت بهم موتى وأحياء، بعد أن تعذّر عليها حرقهم في فرن ڤالمة نظرا لارتفاع عدد الموقوفين.وحسب الأستاذة بن براهم، التي خطت أشواطا طويلة بخصوص مسألة البحث عن الحقيقة التاريخية المتعلقة بهذه المجزرة، فإنه من الصعب تقديم عدد الضحايا الحقيقي، وقالت: “لما نتحدث مع الطرف الفرنسي بخصوص هذه المسألة يقولون لنا: “أعطونا العدد الحقيقي”، مضيفة “وهذه هي المعضلة التي ما تزال تواجهنا”، مرجعة ذلك إلى تفطن فرنسا منذ نهاية السبعينيات لمسألة استيقاظ الذاكرة الجزائرية، وسعي “حراس الذاكرة” من الجزائريين لمعرفة العدد الحقيقي لضحايا المجزرة، وقالت: “لهذا قامت سنة 1979 بسنّ “قانون المائة سنة” الذي لا يسمح بالإطلاع على أرشيف الحالة المدنية المتعلق بالمرحلة الاستعمارية إلا بعد مائة عام ويغطي كل الفترات التي ارتكبت فيها فرنسا جرائم في حق الجزائريين بعد 1945”، وأضافت: “هم يعرفون جيدا أن حجم المجزرة كبير جدا، لذا راحوا يسعون للتستر عليها عبر سنّ القوانين”، وأضافت: “طبعا، فرنسا تعول بواسطة سنّ هذا القانون على النسيان، لطي صفحة مجزرة 8 ماي 1945”. وعن سؤال حول ما العمل في حالة ما إذا كان هذا القانون يمنع الطرف الجزائري من معرفة العدد الحقيقي لعدد الضحايا، أوضحت بن براهم أنها لجأت للإطلاع على أرشيف الحالة المدنية في بلديات الشمال القسنطيني (سابقا)، فوجدت أن كثير من الجزائريين لم يسقطوا من الحالة المدنية في ماي 1945، رغم أن أفراد من عائلاتهم يؤكدون أنهم توفوا، أو اختفوا خلال ذلك التاريخ. وقالت: “وجدنا أن أشخاصا بلغ عمرهم 147 عام، ولم يسقطوا من سجل الحالة المدنية”.وكشفت المحامية، أن معركة الجزائر في فيفري 1957، عرفت بدورها اختفاء ثمانين ألف جزائري، وليس أربعة آلاف مثلما اعترف به “بول تيتجن”، محافظ شرطة الجزائر العاصمة خلال تلك المرحلة. وقالت إن “هؤلاء لم يسقطوا بدورهم من سجل الحالة المدنية، حتى لا يظهر العدد الحقيقي للمفقودين خلال معركة الجزائر، من الذين كان يطلق عليهم آنذاك تسمية “جُمبري بيجار”. وأوضحت بن براهم أنها تسعى حاليا رفقة عدد من القانونيين لوضع مجازر 8 ماي 1945، ضمن خانة جرائم ضد الإنسانية، وقالت: “لأن الأمر يتعلق فعلا بجرائم إبادة”. وذكرت أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وصف “جرائم الأتراك ضد الأرمن سنة 1915 بأنها جرائم ضد الإنسانية”، وهو ما أكده الرئيس الحالي فرانسوا هولاند أمام رؤساء الدول الأوروبية، موضحة أن فرنسا ترفض القيام بنفس الخطوة بخصوص مجازر 8 ماي 1945 بالجزائر، مؤكدة أنها تستند على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في 17 جويلية 1998 لمتابعة فرنسا عن جرائمها في الجزائر خلال هذه الحقبة التاريخية باعتبارها جرائم دولة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات