38serv
“كنت أقف في الطابور الطويل أنتظر دوري لتسجيل الأمتعة أمام شباك الجوية الجزائرية في مطار جنيف الدولي بسويسرا، عائدة إلى الجزائر، عندما اقتربت مني سيدة جزائرية وبادرتني بالحديث مُترجية أختي من فضلك هل أنت مسافرة إلى الجزائر؟ هل يمكن أن أرسل معك أدوية إلى والدتي؟ كلمات جعلتني أقف للحظات ساكنة أحدق فيها مترددة”. هو موقف يتكرر يوميا في مطارات العالم، أشخاص يتنقلون إلى المطار طالبين “خدمة لوجه الله” من المسافرين لنقل وثائق، أمتعة بسيطة، أو أدوية، إلى بلدهم الأم، لكن هذه الخدمة الإنسانية لوجه الله لا تكون عواقبها دائمة لصالح المسافر.وقفت مترددة وأنا أحدث السيدة، ربما بسبب الخلفية التي أملكها عن خطورة المجازفة في بالانسياق وراء مشاعري وقبول القيام بهذه الخدمة، ثم الوقوع فيما لا يحمد عقباه، مثلما سبق وأن وقع للبعض.. سألت المرأة عن الدواء وطلبت رؤية الوصفة الطبية وقراءة ورقة الإرشادات في علبة الدواء.. وهو ما كان، فتأكدت من أنه خاص بعلاج العيون وقبلت بتأدية المهمة، ولو أن شيئا من الخوف بقي يلازمني، خاصة وأن بعض المسافرين نبّهوني إلى ضرورة توخي الحذر، وبأن أن الكثير من هذه الطلبات التي تأتي بمقدمة رجاء، نواياها ليست بالضرورة بريئة.وبالطبع، لم يزل خوفي إلا وأنا أتجاوز شباك شرطة الحدود في مطار هواري بومدين الدولي.. هذه الحادثة دفعتني إلى أن أسلط الضوء على الظاهرة، فاستوقفت عددا من المسافرين القادمين من مختلف الوجهات إلى مطار الجزائر، ولو أن أغلبهن نفوا تعرّضهم لمشاكل في مطارات الجزائر بسبب هذه “الخدمة”، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة في مطارات أخرى من المعمورة.لا أرفض ما أطلبه من غيريأول من تحدثت إليهم، كان ستينيا قدم من باريس، لم يتردد في الإجابة، رغم أنه كان قد وصل لتوه من سفره، وأكد أنه لا يجد مانعا في نقل الأدوية، شرط معاينة الوصفة وقراءة ورقة الإرشادات المرافقة للدواء بالتفصيل، مواصلا “لا يمكنني أن أرفض القيام بهذه الخدمة الإنسانية، فأنا شخصيا تنقلت في المطار في فرنسا أكثر من مرة وطلبت من المسافرين إلى الجزائر نقل دواء إلى أحد أفراد عائلتي”.وهو نفس ما ذهب إليه إلياس، شاب مغترب بفرنسا منذ خمس سنوات، ابتسم أول ما بادرته بسؤالي “نقل الأدوية أصبح مهمة روتينية بالنسبة لي كلما أسافر إلى الجزائر، واستغرب عندما لا يطلب مني ذلك أحيانا (يضحك).. بالنسبة لي، هي مهمة إنسانية بالدرجة الأولى ولا أجد مانعا في ذلك.. رغم أن البعض يحذّرني من مغبة المخاطرة بأن تكون الأدوية مخدرة أو شيئا من هذا القبيل”.حجز في البقاع المقدسة!!وهو ليس رأي محمد القادم من ألمانيا، الذي أكد أنه يعتذر بلباقة ممن يطلب منه هذه الخدمة، مبررا “شقيقي الأكبر كاد يتعرّض للسجن في المطار بالبقاع المقدسة عندما كان متوجها لأداء مناسك العمرة، بعد أن شك أفراد شرطة الحدودية في أدوية كان ينقلها معه على أنها أدوية مخدرة، رغم أنه كان يحمل الوصفة، وقضى يومين في الحجز قبل أن يتم التأكد من أن الأدوية ليست مخدرة، وبأنها خاصة بحالته المرضية.وأضاف محمد أنه لا يجد حرجا في الاعتذار من الأشخاص المجهولين الذين يطلبون منه هذا الأمر في المطار، إلا في حال كانت تجمعه بهم معرفة مسبقة، مواصلا “وفي الغالب، يتقبل هؤلاء رفضي، لأنه في الأساس يعلمون أن رفضي مبرر”.عطلة ضائعة في أم الدنياالحال نفسه عاشه مسافر تحفّظ عن ذكر اسمه، عندما قرر قضاء العطلة في مصر، قادما من فرنسا، إلا أن عطلته على ضفاف الأهرامات التي كان يحلم بها، تحوّلت إلى كابوس، بعد أن قضى أياما في الحجز بالمطار، لأنه كان يحمل أدوية.يقول محدثي “لا يمكن أن أنسى الجحيم الذي عشته في الحجز هناك، ذهبت في زيارة مع أصدقائي لأقضي أسبوعا في الساحل الشمالي. لكن بدل ذلك، قضيتها في الحجز، ولم أغادر المطار إلا بعد أيام عائدا إلى فرنسا بسبب أدوية ضغط الدم الخاصة بي، والمشكلة أنني لم أكن أحمل الوصفة ولا ورقة الإرشادات؛ لأني حملت الأدوية دون العلبة ولم أفكر أن الأمر سيوقعني في مأزق، فلم يسبق وأن وقعت لي مشكلة في مطار الجزائر لهذا السبب، رغم أني متعود على حملها معي وحتى حمل أدوية أشخاص لا تجمعني بهم معرفة مسبقة”، وأكد محدثي أنه لن يعيد الكرّة بالتأكيد “والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات