38serv
قلق، ارتباك، مواعيد ومشاريع مؤجلة، زيارات عائلية مجمّدة، سهر واستيقاظ قبل الفجر، هدنة مع التلفزيون، هو ليس حال المترشحين لشهادة البكالوريا أو أحد الامتحانات المصيرية، بل هي يوميات الكثير من أولياء تلاميذ الطور الابتدائي في فترة الامتحانات.. ولم يسلم من هذا “الضغط الرهيب” حتى أولياء تلاميذ السنة الأولى.“لم يبق إلا أن أدخل معهما قاعة الامتحان”. بهذه العبارة اختزلت السيدة عائشة يومياتها عشية امتحانات ابنيها سامي وصهيب، اللذان يدرسان في السنة الأولى والثالثة ابتدائي، واللذان من أجلهما أجّلت الكثير من ارتباطاتها العائلية، فقط لتحضيرهما للامتحانات.تقول محدّثتي التي استوقفتها في محطة المترو بخليفة بوخالفة، وهي ترافق طفليها، وتتحدث في الهاتف معتذرة عن حضور وليمة عائلية “أشعر أنني أسابق الزمن من أجل تحضيرهما للامتحان، قلق لم أعشه حتى وأنا طالبة في جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا بباب الزوار، هذا التوتر أثّر عليّ حتى في مردوديتي في العمل، فأنا أصحو باكرا وأوقظهما مبكرا ليراجعا، وأسهر في تحميل مواضيع الامتحان”.وأضافت محدثتي التي يدرس ابنها في عين النعجة، أن توترها يبدأ منذ بداية السنة الدراسية ويتضاعف في فترة الامتحانات، خاصة بالنسبة لابنها الذي يدرس في السنة الأولى، ويواجه صعوبات في اللغة العربية، “تصوري أنني اعتذرت عن حضور عقيقة ابن شقيق زوجي، وأفكر كيف سأمضي زفاف شقيقي الذي يتزامن مع امتحان الرياضيات لابني البكر”.عشت تربصا مغلقا في الامتحاناتالحال نفسه عاشته السيدة أم محمد كما اختارت أن نكتب اسمها، والتي التقيناها في المركز التجاري بأرديس، ويدرس أطفالها في مدرسة ببراقي في العاصمة، أجروا امتحاناتهم الأسبوع الماضي، تقول محدثتي “أشعر أنني أخذت حريتي بعد نهاية الامتحانات، أمضيت أسبوعا تحت ضغط رهيب، حاولت أن لا أنقله إلى أطفالي، لكن الأمر لم يكن سهلا، منعتهم من مشاهدة التلفزيون ومن اللعب ومن زيارة العائلة أسبوعين قبل بداية الامتحان”.وتعترف أم محمد، وهي أم لطفلين يدرسان في السنة الثانية والرابعة ابتدائي، إلى أنها مارست ضغطا رهيبا على أطفالها “البرنامج كثيف، ورغم أن مستواهما جيد، إلا أنهما كانا سيجدان صعوبة كبيرة لولا مساعدتي لهما في مراجعة الدروس، وإنجاز التمارين التي أقوم بتحميلها من مواقع الانترنت.وفي أيام الامتحان، وصفت محدثتي حالتها “بتربص مغلق” ممنوع فيه كل شيء، “فلا تلفزيون ولا أشغال البيت ولا حتى أحاديث مطولة عبر الهاتف، فكل وقتي ملك لطفلاي، أعرف أنني أثقلت عليهما لكن ما باليد حيلة، لا أريد لهما مصير ابن شقيقتي الذي يدرس في السنة الثالثة، تركته والدته على حريته بحجة أن الضغط له نتائج عكسية، فكانت نتائجه مخيبة للآمال”.مشاكل عائلية.. والسبب توتر الامتحاناتولا يتوقف ضغط وتوتر الامتحانات في التأثير على التلاميذ الذين يتخوّفون من أن لا يكونوا في مستوى الآمال المعلقة عليهم من طرف أوليائهم، ولا حتى تغيير برنامج وخطط الأولياء فحسب، بل يتسبّب لهم حتى في مشاكل عائلية، وهو حال سيدة تحفظت عن ذكر اسمها، التقيناها بالقرب من مدرسة يوسف ابن تاشفين الابتدائية بحيدرة في العاصمة، أم لطفلين، أكبرهما يدرس في السنة الأولى، والأصغر لا يزال في الروضة.وأبرزت محدثتي، وهي جامعية ماكثة في البيت، أن الامتحانات قلبت يومياتها رأسا على عقب، وسبّبت لها مشاكل لا حصر لها مع زوجها، مواصلة “عائلة زوجي تقيم في ولاية تيزي وزو، وتعوّدنا أن نمضي عطلة نهاية الأسبوع في بيتهم، لكن مع اقتراب فترة الامتحانات رفضت التنقل إلى هناك حتى أتفرّغ لتحضير ابني وتدريسه، إلا أن زوجي اعتبر الأمر لا يستحق وبأن الامتحان ليس مصيريا، ويمكننا زيارة عائلته وتدريس ابني هناك، ولأنني تمسكت برأيي تنقّل بمفرده، ولم يكلّمني طيلة فترة إقامته هناك، ولم تهدأ عاصفة غضبه حتى عند عودته، وظل يردد إن كان هذا هو الحال وهو يدرس في السنة الأولى، فكيف سيكون الوضع في البكالوريا؟”.الوضع نفسه عاشته سيدة التقيناها بحي القبة في العاصمة، لكن ليس مع زوجها الذي قاسمها التوتر نفسه، بل مع عائلتها لأنها لم تشارك في تحضيرات حفل زفاف شقيقتها في بيت العائلة، واكتفت بحضور حفل الزفاف في قاعة الحفلات لنحو ساعتين، ولم تحضر أيضا في اليوم الموالي لتناول الغذاء في بيت العريس، رغم أن العروس شقيقتها الوحيدة.تقول محدّثتي “لم يكن باليد حيلة، ابني يدرس في السنة الثالثة ابتدائي والبرنامج كثيف، وأنا موظفة ولم أتمكّن من أخذ أيام عطلة، والأولوية لابني في تحضيره لاجتياز الامتحانات، فحتى المطبخ قاطعته طيلة أسبوع الامتحانات، أدخل مساء وأحضر عشاء خفيفا أو يقوم زوجي باقتناء أكل جاهز، وأتفرغ لابني لتدريسه، خاصة وأنه يجد صعوبة في بعض المواد مثل اللغة الفرنسية والرياضيات”. وأضافت السيدة أن في تقاليد عائلتها تجتمع جميع بنات العائلة أسبوعا قبل الزفاف للمشاركة في التحضيرات، إلا أن الأمر كان مستحيلا بالنسبة إليها، بسبب تزامن الامتحانات مع حفل زفاف شقيقتها “وللأسف لم تتفهّم شقيقتي ولا أمي غيابي وحضوري الحفل مثلي مثل الضيوف، واعتبروا أن الأمر حجة للتهرب من مسؤولياتي اتجاه شقيقتي.. حقا الأمر صعب لست أدري كيف سيكون حالي عندما يصل ابني لمرحلة اجتياز الامتحانات المصيرية؟!”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات