38serv
تخوض الجزائر متأخرة تجربة تركيب السيارات بمحاذير عديدة، في ظل مناخ أعمال واستثمار مغلق وغير محفز، وتسارع السلطات العمومية الزمن، في محاولة منها لإقامة قاعدة صناعية، كان بالإمكان القيام بها منذ أكثر من 10 سنوات، إلا أن قرار قبر مشروع “فاتيا” بتيارت رسميا في جويلية 2007، والتأخر الكبير في تجسيد مشروع “رونو”، عكس غياب استراتيجية واضحة المعالم في قطاع تنافسي عرف دخول عدة فاعلين من الدول النامية والصاعدة حلبة المنافسة.ومثل مشروع “فاتيا” المقام بالمنطقة الصناعية عين بوشقيف في تيارت بقيمة استثمارية فاقت 12 مليار دينار “أكثر من 100 مليون دولار”، خلال الثمانينات، حلما سرعان ما انفرط، لاسيما مع انسحاب الشريك الإيطالي رسميا في 1998، ثم مع إلغائه رسميا في 2007، لتضيع الجزائر فرصة إعادة بعث الصناعة التي كانت قد ورثتها من قبل من المستعمر والتي استمرت خلال الستينات، فضلا عن إمكانية الاستفادة من خبرات الآلاف من الجزائريين الذين عملوا في المصانع الفرنسية خلال السبعينات والثمانينات.إلا أن غياب الرؤية الإستراتيجية والبيئة غير المناسبة للاستثمار حوّل في فترات التسعينات وسنوات 2000 معظم المشاريع إلى دول حاضنة سواء نامية أو صاعدة، على شاكلة الصين وكوريا الجنوبية وإيران وتايوان والمغرب ونيجيريا وجنوب إفريقيا، فضلا عن دول أوروبا الشرقية، فيما اختارت دول مثل تونس التخصص لإقامة قاعدة تصنيع قطع الغيار. وفي هذه الأثناء، لجأت الجزائر إلى خيار الاستيراد دون تحديد أي بدائل محلية، مستفيدة من ارتفاع إيراداتها من زيادة أسعار البترول، حيث فاقت فاتورة الاستيراد 18 مليار دولار ما بين 2010 و2014، دون استفادة السوق بمزايا، لتسارع السلطات بعد انهيار أسعار النفط لمحاولة ضبط السوق وفرض رخص استيراد، ثم إعداد دفاتر شروط تلزم المتعاملين باعتماد مشاريع تركيب وتجميع جزئية أو كلية، نظير استمرارهم في النشاط.إلا أن المقاربة المعتمدة تأخرت كثيرا، فالجزائر التي تنعدم فيها قاعدة صناعية وشبكة مناولة تحتاج للكثير من الوقت والجهد، في محيط غير مناسب. فمن الناحية العملية، فإن مشاريع التركيب مكلفة، بل غالبا ما يكون سعر التكلفة أعلى بكثير في مشروع تركيب عن استيراد المادة النهائية، كما أن مشاريع التركيب قليلة التوظيف، وبين مشروع “سامبول” النقائص الكبيرة التي يعرفها السوق الجزائري. إذ على عكس المشاريع المغربية التي بدأت بنسب إدماج عالية تفوق 40 في المائة، وتصدير نسبة كبيرة من الإنتاج، فإن المشروع الجزائري موجه إلى سوق محلي أساسا، بنسبة إدماج بلغت 12 ثم 16 في المائة، في وقت استفاد المشروع من مزايا جبائية وضريبية معتبرة، والأمر نفسه سينطبق على مشروع “داسيا سانديرو” ولاحقا مشروع “بيجو” أو “فولكسفاغن”، فالجزائر لا توفر من الناحية الموضوعية مزايا كثيرة، حيث تبقى سعة السوق متواضعة “معدل 3 إلى 4 ملايين طلب”، يضاف إليها مناخ أعمال بيروقراطي وإدارة لا تتماشى مع متطلبات الليونة، فضلا عن المنافسة الكبيرة التي برزت على مستوى العديد من البلدان النامية والصاعدة والتي تمنح ما لا تمنحه الجزائر حاليا، والتي تتيح تكلفة أقل من تلك التي تسجلها في الجزائر، حيث يتطلب تقليص التكلفة مستوى إنتاج لا يقل عن 100 ألف وحدة سنويا، في وقت لا تزال مستويات الإنتاج المقترحة في غالبيتها تقل عن 50 ألف وحدة سنويا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات