38serv
لو تدبّر النّاس الحكمة الّتي من أجلها كلّفنا الله سبحانه بالصّوم أو الصّلاة أو القُربات المختلفة، لوجدوا أنّ الله تعالى قد جعل منها جميعًا خَدَمًا لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، ولو أنّ الله تعالى علم أنّ هنالك سبيلاً لربط النّاس بعضهم ببعض بوشيجة الأخوّة غير الإسلام لكلّفهم بذلك، ولكنّ الله تعالى علم أنّ هذا الدّين هو الّذي يُشكّل لحمة الأخوة الإنسانية، فليجعل المقبلون على رمضان من التّراحم الّذي ينبغي مضاعفته فيما بينهم في هذا الشّهر سبيلاً يُقرّبُهم إلى الله.
المسلم الّذي يدرك هذا الشّهر ويودّعه كما أدركه، ثمّ يبقى قلبه قاسيًا اتّجاه إخوانه، بعيدًا عن مدّ جسور التّراحم بينه وبينهم، فليعلم أنّه فرّط في رحمة الله تعالى. ولقد حدّثنا نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام عن أهمّية التّراحم فقال: “مَن لا يَرحم لا يُرحم” أي أنّ الانسان الّذي لا يشعر قلبه بالرّحمة تجاه إخوانه، فإنّ الله تعالى لن يرحمه. ولأجل هذا شرع الله تعالى تلكم الشّعيرة الشّاملة لكلّ المسلمين والبسيطة في تكاليفها، زكاة الفطر، ولو تأمّلتم فيها لعلمتم مدى أهمّية التّراحم الّذي ينبغي أن يشيع بين المسلمين، وأن يحلّ محلّ الجشع والاستغلال والطّمع وغيرها من الآفات الّتي تنكّد علينا عيشنا وتظهر بوادرها قبيل كلّ رمضان.وإنّ ظاهرة زكاة الفطر، وهي جزء أصيل من رمضان، تدلّ على أنّ كلّ الطاّعات الّتي يتقرّب بها الصّائمون خلال هذا الشّهر الكريم من صوم وقيام وتلاوة لكتاب الله، كلّ ذلك ينبغي أن تسري فيه روحه، وإنّما روحه التّراحم.ويتمثّل هذا التّراحم ويتجسّد في نهاية هذا الشّهر في هذا الّذي شرعه الله تعالى، لغة بسيطة، تنبئ عن حبّ، يُتَرْجِمُ هذه اللّغة البسيطة المنبئة عن حبّ هذا القدر البسيط من المال، إذ يخرجه الإنسان عن نفسه وعمّن كلّفه الله تعالى بالإنفاق عليه، وتنظر في شبكة الآخذين والمعطين، فتجد أنّها شبكة ممتدّة بين المسلمين جميعًا، فكم وكم تترك هذه الشّعيرة من آثار؟فينبغي أن نعلم أنّ الصّلاة الّتي كلّفنا بها الله تعالى، والجُمُعات والجماعات والصّيام والقيام والحجّ ونسكه، والعمرة الّتي يُكرّرها كثير من المسلمين في كلّ عام.. كلّ ذلك شرعه الله تعالى ليصبّ في غاية واحدة، هي صلة ما بين الإنسان وأخيه الإنسان: كيف ينبغي أن تُصفّى من الشّوائب والكدورات؟ كيف ينبغي أن تُصفّى من الأحقاد والضّغائن؟ فلو أنّ إنسانًا صلّى كثيرًا، وصام كثيرًا، وجعل طريقه ما بين بيته والحجّ إلى بيت الله الحرام جسرًا ممتدًّا دائمًا، ثمّ لم يكن قلبه مليئًا بالرّحمة والود، ولم يكن صافيًا من شوائب الأحقاد والضّغائن، فإنّ الله لَن يقبَل شيئًا من طاعته.*أستاذ الشريعة وأصول الفقه بجامعة سطيف
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات