الشبكة العنكبوتية مجتمع مواز يؤرق رجال الأمن

38serv

+ -

يتبادلون رسائل مشفرة يصعب تفكيكها، يستغلون شبكات تواصل اجتماعي في غاية السرية ومؤسسات توزيع الطرود في تسويق ونقل السموم والمخدرات، ويصطادون الشباب ويجندونهم للالتحاق بالجماعات الإرهابية.. هو جيل جديد من الشبكات الإجرامية جعل الأجهزة الأمنية مجبرة على مجابهته للظفر بحرب لا نهاية لها، علما أنه يتحكم ويُدير أكثر من 17 ألف صفحة “فايسبوك” خاصة، ويطلق يوميا نحو 1.5 مليون تغريدة مشفرة عبر “تويتر”.كشف مدير مخبر الأبحاث المعلوماتية في جامعة كيبك بكندا، الدكتور كمال عدي، في حديث لـ”الخبر”، أن العالم الافتراضي بات “مأهولا” برسائل مشفرة دون هوية رقمية بين المشاركين، يتبادلها غالبا المجرمون وحتى العناصر الناشطة في التنظيمات الإرهابية، ويستعصي على رجال الأمن فكها وتعقبها كونها مشفرة وغير مرئية ومغلقة بمفاتيح خاصة تسمح بإجراء اتصالات صعب تحديدها بخلاف تلك الموجودة على مستوى منصات التواصل الاجتماعي المألوفة التي يسبح في فلكها ملايين المشاركين معروفي الهوية الرقمية لدى أجهزة الأمن، رغم استعمالها في الغالب بأسماء مستعارة وصور مزيفة.وتكون شبكات التواصل الخفية في شكل “ريزو تور”، يضيف المتحدث، على هامش ندوة نظمها الدرك، مؤخرا، تتيح للمستخدمين تشفير المعطيات والرسائل النصية، من الصعب التوغل إليها والاطلاع على مضمونها دون تطوير برنامج خاص بإمكانه إيجاد المفتاح الذي غُلقت به الرسالة، ودون توفير إمكانات بشرية ومادية كبيرة تضمن النجاح في فك الرسالة.مواقع لتسويق المخدراتوشدد الدكتور كمال عدي على أنه لا يتحدث هنا عن شبكات التواصل الاجتماعي الظاهرة، وإنما عن الشبكات التي لا يمكن رؤيتها على شاشة الحواسيب ولا يمكن حتى لمحركات البحث اكتشافها، يتابع المتحدث، إذن فهي مختفية في باطن هذه الشبكة، من خلال عملية تشفير وحماية خاصة حتى لا تكون بادية للمشاركين والمبحرين في هذا الفضاء الافتراضي.ونبّه عدي إلى إمكانية استغلال مؤسسات توزيع الطرود لتسويق المواد المخدرة في الجزائر، في ظل تأسيس عشرات المواقع على مستوى شبكة الأنترنت بالخارج، تشتغل خصيصا لبيع المخدرات بمختلف أنواعها وأسعارها وتشهد إقبالا كبيرا.وبالنسبة لإمكانية انخراط الجماعات المتطرفة في هذه الشبكات وتوظيفها في التواصل السري، أكد الخبير أن خبراء من كندا تحدثوا إليه حول ضبط أشخاص ارتكبوا أفعالا إرهابية، استعملوا شبكات تواصل مشفرة محمية للتأثير على التوجهات الفكرية للشباب المبحر بالفضاء الافتراضي تمهيدا لتجنيدهم في نشاطهم الإرهابي، ويساعدهم في ذلك تقنيون يقاسمونهم نفس الأفكار والتوجهات الإيديولوجيات.حرب إلكترونية طاحنةوذكر الخبير الأمني، محمد ميزاب، في السياق ذاته، أن التنظيمات الإرهابية تنتقي بعناية فائقة مواصفات الشباب الذي تريد القذف به في ساحة المعارك بليبيا وسوريا والعراق، فتختار أولئك المهمشين بالأحياء الشعبية لتسهل عملية السيطرة على عقولهم، بتسويق خطاب الترغيب والإغواء المادي والجنسي ووضعه في قالب ديني لافتكاك قبولهم.وبرأي ميزاب أيضا، فإن الجيل الجديد من المتطرفين الذي يقود عملية التأثير على مستوى الفضاء الافتراضي، شباب وظف معارفه في حقل الإعلام الآلي لتسويق أفكاره والقدرة على الانشطار والتواجد في كل زمان ومكان، بتحرير رسائل دقيقة تحمل وعودا كاذبة، لكن سرعان ما يتم تصديقها وتداولها.وتكون الخصائص الاجتماعية كالفقر والبطالة والفراغ، وطبيعة الأحياء ومدى توفر الشبكة العنكبوتية، يواصل المتحدث، كمعطيات لبناء الخطابات على مستوى منصات التواصل، مشيرا إلى أن العناصر المتطرفة حاليا لا تشبه تلك التي كانت تنشط في الألفية الماضية، وإنما نقلت معظم نشاطها عبر الوسائط الإلكترونية وجعلتها ساحة مواجهة مفتوحة ومعقدة لا تقل أهمية من الأرض، مشيرا إلى أن المجتمع الجزائري له مناعة كبيرة في هذا الشأن وموصوف بأنه غير حاضن لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية مقارنة بالمجتمع التونسي والمغربي الذي أثبتت الأرقام أن المئات من أفراده انخرطوا في التنظيم.مجتمع موازأما الخبير الجزائري العالمي في البرمجيات الإلكترونية، بشير حليمي، فاستبعد قدرة الأجهزة الأمنية بالجزائر على التحكم في تفاعلات الشبكة العنكبوتية بالكامل، فكلما قامت بمحاصرتهم يطورون برامج وطرقا جديدة للإفلات من الرقابة، خاصة أن لديهم مصالح سياسية وتجارية، معتبرا أن الجزائر سائرة إلى الرقمنة لا محالة، كون حياة أفرادها دخلت في هذا الفضاء والعكس كذلك، حيث لا يمكن تصور حياة فرد من دون أنترنت.وقال الخبير إن أجهزة الأمن يمكنها تعقب آثار ورسائل المجرمين على مستوى حواسيبهم، كون كل تفاعلاتهم تترك بصمات في العقل الإلكتروني للجهاز ومنها يمكنها معرفة مشاريعه وجرائمه واستعمالها كأدلة دامغة لملاحقته قضائيا.من جهته، يرى العميد العسكري بمدرسة الدرك الفرنسية، مارك واتين أوغوارد، أن الفضاء الافتراضي بات وسيلة ومسرحا في يد الجماعات المتطرفة والمجرمين، سواء من خلال توظيفه كفضاء اتصالي يساعدهم على تنفيذ جرائم تقع في الواقع الحقيقي، أو تكون مشاريعهم داخله في شكل هجمات إلكترونية تستهدف المنظومات الإلكترونية لمؤسسات رسمية.وتستغل هذه الجماعات، حسب المتحدث، الأشخاص الجالسين أمام شاشات الحواسيب ويعانون من فشل في مشاريعهم الحياتية ولم يجدوا إجابات شافية وصحيحة لتساؤلاتهم في ظل غياب إجابات تقدمها الأسرة والمجتمع والمدرسة، وهو ما يجعله عرضة للتجنيد في صفوف هذه الجماعات ومن ثم الزج به في مستنقع نشاطه الدموي.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات