"تسارع الأحداث يوحي بأن جماعات السلطة تحتاط لطارئ ليست مهيأة له"

38serv

+ -

نشهد حاليا إعداد قوانين وصدور إجراءات وقرارات وصفت بالردعية والمكممة للحريات. أنت كيف تقرأ الوضع؟ أعتقد حسب قراءاتي للأحداث المتراكمة في مدة قصيرة، أن هاجسا كبيرا أصاب السلطة بجماعاتها السابقة والحالية، وأصاب الطبقة السياسية، وهو هاجس ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. الجميع يريد أن يخطط إما للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها، هذا الأمر مشروع ولكن لماذا كل هذه التصرفات البعيدة عن القانون وفي وقت قصير جدا؟ اعتقادي أن الجميع يخاف من الجميع، بسبب أحداث سابقة.التصرفات غير القانونية التي لمحت إليها في سؤالك، ليست أمرا جديدا، ولكن عندما تأتي في وقت واحد، لابد أن تكون لها قراءة. ما تعانيه بعض الصحف والقنوات التلفزيونية، وإعاقة حرية الاجتماعات وعقد الملتقيات ومؤتمرات الأحزاب، كل هذا يدخل ضمن التضييق على الحريات، وتكميم الأفواه الحرة، وذلك لترتيب المرحلة المقبلة وهي مرحلة ما بعد عبد العزيز بوتفليقة.ألا تعتقد أن هذه المرحلة لازالت بعيدة؟ هل تظن أن الحسم في الخلافة سيتم قبل 2019؟ مبدئيا وحسب الخطاب الرسمي، ستكون الانتخابات في موعدها، ولكن لسنا مغفلين إلى حد الأخذ بهذا الخطاب، فالسلطة تحتاط لحالة الرئيس المريض وإن كانت الأعمار بيد الله. بمعنى أنه يمكن أن تطرح مسألة الشغور في أي وقت، ومن ثم فجماعات السلطة تخشى أن تفاجأ بطارئ وهي غير مهيأة له. كل جماعة منها تريد أن تعطي أكثر الحظوظ للشخص الذي تراه خليفة لبوتفليقة. وفي سياق السعي لهذا الهدف، تضرب السلطة في كل الاتجاهات وترمي كل من لا يسير في فلكها بتهم خطيرة كالعمالة للخارج، التهم تصدر عن بعض أبواق السلطة، وبعض الوزراء يسيرون في هذا الاتجاه.بالمقابل أحزاب المعارضة مهيأة ليست لتقديم البديل، فهي حبيسة خطاب سياسي تقليدي عرفناه منذ أحداث أكتوبر 88 ومنذ تأسيس أول الأحزاب السياسية، وهو خطاب مبني على السب والشتم والأكاذيب وتزييف الأرقام. عندما يدعي رئيس حزب في بلاطو تلفزيوني بأنه يملك 400 ألف مناضل، فهو بالتأكيد لا يقول الحقيقة. لأن الحقيقة هي أن كل الأحزاب مجتمعة ليس لها هذا العدد من المناضلين، بالمفهوم الذي يعني حيازة بطاقة الانخراط ودفع الاشتراك سنويا، والصحافة للأسف تتقبل هذا الخطاب التقليدي.أن تبقى المعارضة تردد بأن السلطة في حالة شغور وبأن الرئيس مريض، والمطالبة بتفعيل المادة 102 من الدستور (إعلان حالة عجز الرئيس) وبلجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، فهذا لن ينفع في شيء. إنني لا أرى ما يسمى معارضة، إلا معارضة العاصمة، في حين ينبغي أن تكون في الأحياء والقرى والجبال والصحراء. معارضة العاصمة لا تملك رؤية واضحة لتقديم البديل، والسلطة ليس لها رؤية واضحة للخروج من الأزمة. ومن ثم تتراكم المشاكل الحقيقية والمفتعلة في ظرف قصير، ما يجعل الدخول الاجتماعي المقبل ساخنا جدا.ما ينبغي قوله كشخص مسؤول عن كلامه، أن كل ما يجري اليوم هو من تخطيط الجماعات الحاكمة كي تبقى في السلطة، وليس من أجل الحريات والديمقراطية.وزير الدفاع سابقا خالد نزار لمح في مقابلة صحفية إلى أن رئيس أركان الجيش يطمح إلى رئاسة الجمهورية. هل هذا وارد برأيك؟ هناك شيء ما بين قيادة الأركان وبعض الضباط السابقين. أعتقد أن المشكل داخلي، هناك تصفية حسابات داخل جماعات السلطة السياسية، مثلما هي جارية بين قيادة الجيش وقيادة المخابرات السابقة والحالية، يتم هذا في بيت مظلم لا أحد يدري تفاصيله، ولا أريد الغوص في هذا الملف.كمحام، هل تعتقد أن إيداع مدير عام كا بي سي ومدير الإنتاج بالقناة، ومسؤولة بوزارة الثقافة، الحبس المؤقت بسبب قضية تراخيص، ينسجم مع القانون؟ كثر الحديث في المدة الأخيرة عن تجنب التعليق على الأحكام القضائية. ينبغي توضيح هذا الأمر جيدا، فما يمنع القيام به هو عرقلة العمل القضائي الذي لا يمكن أن يكون إلا من طرف المسؤولين. وما لا ينبغي أن نقوم به هو إفشاء أسرار التحقيق. أما غير ذلك، فبأي حق تمنعني من أن يكون لي رأي وموقف من حكم قضائي يصدر باسم الشعب؟! إذا منعتني ستحرمني غدا من التعليق على قانون يصدر عن البرلمان الذي يشرع باسم الشعب. إذن ينبغي فتح هذا الملف لمناقشته فنتفق على ما هو مقبول وما هو غير مقبول.عندما تتابع النيابة أشخاصا من أجل وقائع فهذه وظيفتها، أما قضية الحبس حتى في جرائم القانون العام، القاعدة هي الاستدعاء المباشر أو أن قاضي التحقيق يترك المتهم في الإفراج أو إخضاعه لمراقبة قضائية. وفي قضية كا بي سي بالذات، وحتى لا أستعمل كلمات سياسية، فاللجوء إلى الحبس لا يتلاءم مع قانون الإجراءات الجزائية الذي ينص على أن الحبس المؤقت إجراء استثنائي.وزير العدل يردد منذ عامين بأن الإفراط في إيداع المتهمين الحبس المؤقت سينتهي بدخول قانون الإجراءات الجزائية الجديد حيز التنفيذ. ألا تعد قضية كا بي سي إخلالا بهذا التعهد؟ ما أقوله في هذه القضية، أن إجراء الحبس المؤقت المتخذ في حقهم يعتبر تعميما للحبس، لأن هؤلاء لابد أنهم يقدمون ضمانات تسمح بتفادي هذا الإجراء، وأقل شيء يمكن أن نطالب به هو الإفراج عنهم وتأخذ العدالة مجراها. الكثير من المسؤولين يزعمون أن العدالة مستقلة في الجزائر، قد يحدث هذا فعلا، ولكن في القضايا التي لا تكون فيها السلطة طرفا. أما كل ما يتعلق بالسلطة وحاشيتها وأقاربها، فالقاضي غير مستقل في عمله وأنا أعي جيدا ما أقول.برأيك، ما الذي يدفع وزارة الدفاع إلى سن قانون يمنع العساكر المتقاعدين من التفاعل مع الأحداث في الصحافة مدى الحياة؟أحاول تسهيل ما يبدو معقدا. ينبغي التفريق بين واجب التحفظ والأسرار المهنية، وأسرار الدفاع الوطني بصفة خاصة. واجب التحفظ يتعلق بكل المهن بما فيها الحرة وليس فقط من انتسب للجيش. واجب التحفظ تفرضه المهنة، كما يفرضه الشخص على نفسه. أنا مثلا لدي ملفات في مكتبي، سأحتفظ بأسرارها حتى بعد التقاعد وغلق مكتبي.بالنسبة للجيش، يعني التحفظ أن الضابط عندما يكون أثناء الخدمة لا ينبغي أن يفصح عن آرائه ومواقفه السياسية، كأن يدعم أو يعارض مثلا إجراء انتخابات رئاسية مسبقة. لكن لا ينبغي الخلط بين السر المهني وحرية الرأي والتعبير والانتماء للأحزاب والتصريحات بالنسبة للضباط المتقاعدين مهما كانت رتبهم، فهذه تتعلق بالمواطنة. العسكري المتقاعد ملزم بالحفاظ على سر الدفاع الوطني، أما غير ذلك فهو مواطن ومن حقه أن يمارس مواطنته، بأن يعيش حياة سياسية وثقافية من دون أن يتدخل القانون في هذا. وبرأيي مشروع قانون المستخدمين العسكريين يدخل ضمن الهاجس الذي أشرت إليه آنفا، وهو تكميم أفواه الجميع، وهو عديم الأهمية ولن يؤثر على أي أحد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: