38serv
تعد ولاية تبسة من العواصم المنجمية على المستوى العالمي، فبلديات ونزة وبوخضرة وبئر العاتر والكويف، تنام على ثروات هي العمود الفقري لمركب الحديد والصلب بالحجار ولاية عنابة، غير أن هذه الثروات الطبيعية التي دفع من أجلها عمال المناجم ثمنا غاليا، فهؤلاء يدخلون دهاليز مظلمة في مغارات البحث والتنقيب عن المعادن، ويعرّضون أنفسهم لكل الأخطار، وحتى الموت.السليكوز.. رفيق المنجميينيروي عمي عباس، الذي أمضى 37 سنة من حياته في منجم الونزة منذ سنة 1957، عدة مآسي وحوادث قاتلة لعمال المناجم، لاسيما أولئك الذين يتعاملون مباشرة مع الصخور الجبلية والتفجيرات، فزميل له يدعى فرطاس محمد انهارت عليه أكوام الصخور تحت عربة نقل المواد الأولية، وظلت فرق البحث تبحث عنه، لتنتشل فيما بعد جثته من تحت الأتربة والصخور، وآخر فقد عضوا من جسده وعشرات الضحايا.ولم يسلم محدثنا من خطر العمل في المنجم؛ إذ أنهى مساره المهني بالإصابة بمرض السليكوز.ويروي عمال منجم ونزة، شمال عاصمة الولاية تبسة، معاناة عمال المنجم، سواء أعوان أمن، أو أولئك الذين يدخلون دهاليز المغارات، بل إن حتى الذين خرجوا للتقاعد يلاحقهم الموت ثمنا لسنوات طوال بين الصخور المنجمية من خلال الإصابة بمرض قاتل اسمه السليكوز.هذا المرض يقول عنه الأطباء إنه ينتشر في الجهاز التنفسي للعمال المنجميين، من خلال استنشاق ثاني أكسيد السيليس، حيث تترسب هذه الذرات في الحوصلات الرئوية ويتطور الالتهاب مع التقدم في السن.الوقاية.. آخر اهتمامات المسؤولينعمي عباس وكل العمال يجمعون على أن كل سكان ونزة مصابون بهذا الداء، حتى الأطفال الصغار. ويذكر هؤلاء أنه في العهد الاستعماري كان الطبيب يرافق العمال كل صباح، ويوزع عليهم الحليب للوقاية من الأتربة والحساسية وتوفير شروط أخرى، لكن اليوم تم التخلي عن كل شيء.كما يروي بعض العمال قصتهم مع آلة الرحي التي تسببت في قتل كل من يمر بمرحلة العمل عليها، سوءا في حوادث مهنية أو بموت بطيء بمرض السليكوز.وتفاقمت الظروف المزرية للعمال، بحيث أشار عامل آخر إلى أن وسيلة نقل العمال المنجميين مرض متنقل يحشر أكثر من 100 عامل في ظروف قاسية، فهي عبارة شاحنة من الوزن الثقيل مغطاة بـ “الباش” عليها الأتربة وسحابات الغبار.صندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء في خانة الاتهاميتهم المنجميون صندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء بسوء التكفل بهم، وإرهاقهم في البيروقراطية، حيث يتم إرسالهم إلى ولاية قسنطينة وغيرها لإجراء الخبرة الطبية، والنهاية دائما إما خفض أو إلغاء نسبة تضاف في الأجر الشهري على خلفية الإصابة بمرض السليكوز.تراجع نسبة اليد العاملة عمي الطيب سلاطنية، قال لـ“الخبر” إن المنجم يُشغل من 5 إلى 6 آلاف عامل، واليوم لا يتجاوز عددهم 500 شخص “لقد نهبوا كل شيء وصبوا عرقنا في الأرض وضيعوا ثروات الجزائر التي بيعت للهندي والفرنسي، الذين لم يستثمروا شيئا لا في العتاد ولا في تطوير الموارد البشرية.. لقد استغلوا مخزونا منذ 1954 انفجرت من أجلها الأجهزة التنفسية للمنجميين تحت الأتربة”.ونزة اليوم، على غرار بلديات بوخضرة وبئر العاتر والكويف، تبكي تاريخ صفحات ذهبية لاقتصاد مواد أولية صدر لكل دول العالم يموت العمال النشطون موتا بطيئا، ودخل المتقاعدون منهم مرحلة النسيان حتى في قرعة العمرة في لجنة الخدمات الاجتماعية، وكل المناجم للحديد والفوسفات أصبحت مقبرة للعمال والعتاد.. ماذا تبقّى؟ حتى المنازل تصدعت جدرانها من التفجيرات في الجبال هذه حياة ضنكا.الصندوق الوطني للعمال الأجراء صائم عن الكلامتنقلت “الخبر” إلى الصندوق الوطني للعمال الأجراء وكالة تبسة من أجل الوقوف على ظروف التكفل بالمنجميين المصابين بمرض السليكوز، المصنف من الأمراض المهنية المزمنة، بعد كثرة شكاوى المصابين.ترددنا على الصندوق ثلاث مرات، وفي كل مرة كان المدير غائبا، وفي اليوم الرابع أسعفنا الحظ في مقابلة المدير بالنيابة الذي اتصل بمدير الوكالة الغائب في ظرف خاص، وكان رده رفضا قطعا للكلام في الموضوع، بحجة أن الصندوق ممنوع من التعامل مع الصحافة وتزويدها بأي معلومة في هذا الشأن.وتشير المعلومات المتوفرة لدينا، إلى أن الصندوق الوطني للعمال الأجراء وكالة تبسة، يتكفل حاليا بأقل من 400 ملف للمصابين بمرض السليكوز عبر البلديات الأربع. من جانبهم، طلب سكان البلديات الأربع بضرورة تنقل فرق طبية متخصصة إلى الميدان من أكبر المؤسسات الاستشفائية الجامعية، على غرار قافلة مرضى الكلى التي حلت بتبسة مؤخرا لكشف عدد المصابين الحقيقيين بمرض السليكوز أو أمراض الحساسية والربو.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات