38serv
نجح سكان قرية توريرت في بلدية بوزڤن بولاية تيزي وزو في إيجاد حل لمعضلة جمع النفايات التي عجزت القرى والبلديات الأخرى وحتى مديرية البيئة والولاة الذين تعاقبوا على تسيير مصالح الولاية عن حلها، عبر إنجاز مركز لفرز النفايات المنزلية، سمح لهم بالحفاظ على نظافة قريتهم ومحيطهم الطبيعي وتحويل قشور مختلف الخضر والفواكه إلى أسمدة، وكذا بيع جزء من النفايات للمؤسسات المختصة في تحويلها. هذه التجربة الفريدة من نوعها في الجزائر قادرة على أن تكون نموذجا يعمم على باقي المدن والقرى لاستعادة الوجه الجميل لقرانا ولمدننا. بلغ مسامعنا منذ أسابيع وجود مركز لفرز النفايات في قرية نائية تدعى توريرت ببلدية بوزقن في ولاية تيزي وزو، ما جعلنا نتساءل: كيف نجح سكان قرية في حل معضلة جمع وفرز النفايات المنزلية في ولاية تحتل دون شك ذيل الترتيب في مجال نظافة المحيط؟ فقررنا بعد عدة تأجيلات زيارة القرية للوقوف على هذه التجربة الفريدة من نوعها.كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا من يوم الجمعة عندما دخلنا قرية توريرت رفقة الزميل إسلام بساسي الصحافي بإذاعة تيزي وزو، حيث كان في استقبالنا سيد علي حنفي رئيس جمعية “الربوة الخضراء”، وحموم الغازي الناطق الرسمي باسم الجمعية، اللذان قدما لنا شروحا مستفيضة حول هذا المشروع النموذجي في مجال المحافظة على نظافة المحيط.غلق مفرغة أزاغار كان البدايةبالنسبة لمحدثينا فإن فكرة إنجاز المشروع جاءت عقب غلق أعضاء المجلس الشعبي لبلدية بوزقن المفرغة العمومية في أزاغار التي تستقبل مختلف أنواع النفايات لقرى البلدية والبلديات المجاورة لها، بسبب الخطر الذي أضحت تشكله على حياة المواطنين وكذا على البيئة والمحيط.هذه الوضعية دفعت سكان توريرت للتفكير في مصير نفاياتهم المنزلية بعد غلق مفرعة أزاغار، فاقترح الأستاذ الجامعي السيد حموم على أعضاء جمعية “الربوة الخضراء” مشروع بناء مركز لجمع النفايات، وتم تبنيه بسرعة دونما أي تردد، وعُرض على أعضاء لجنة القرية اللذين لم يترددوا من جهتهم في قبوله والمصادقة عليه، فوقع الاختيار على أن يكون ذلك في 11 أوت 2014.ولم يكن اختيار التاريخ عشوائيا، ذلك أن هذا اليوم يحييه سكان قرية توريرت كل سنة، يتذكرون فيه همجية الاستعمار الفرنسي الذي قام في نفس هذا اليوم من عام 1871 بحرق القرية وتدميرها، عقابا لأهلها على وقوفهم بجانب الثائرين ضد الوجود الفرنسي ببلادنا وإيوائهم الثوار بقيادة الزعيم بوبغلة، فدفعوا ثمن موقفهم الثوري غاليا.تحسيس السكان وتدريبهم على الفرزبالنسبة لمرافقينا فإن البداية كانت بتحسيس المواطنين بأهمية المشروع، ثم انتقلوا إلى مرحلة كيفية القيام بعملية الفرز بين مختلف النفايات في بيوتهم، قبل نقلها إلى مركز جمع النفايات المنزلية، حين يتم وضع الفضلات المنزلية حسب نوعيتها وطبيعتها، فمنها التي توضع في كيس أصفر، وأخرى توضع داخل أكياس سوداء اللون.التعود على عملية الفرز بداخل المنازل استغرق وقتا كافيا، وتم خلاله تنظيم حملات ولقاءات تحسيسية لفائدة نساء القرية لشرح كيفية التعامل مع الموضوع، وفي بعض المرات تطلب الأمر تنقل أعضاء جمعية “الربوة الخضراء” إلى بيوت سكان القرية لشرح العملية التي كانت تليها تطبيقات في كيفية القيام بعملية الفرز، لأن نجاح مشروع المركز يتوقف عليها.تمويل المشروع من قبل أبناء القريةفبعد الموافقة على المشروع، بحث أعضاء جمعية “الربوة الخضراء” رفقة أعضاء لجنة قرية توريرت عن قطعة أرضية لاستقبال المركز والموارد المالية اللازمة لتجسيده. في هذا الصدد، وخلافا لما قد يعتقده البعض، فإن تكلفة هذا المشروع لم تكن عالية مقارنة بما تنفقه الدولة لإنجاز مركز دفن النفايات، على حد تعبير حموم الغازي، حيث رصدت خزينة لجنة القرية مبلغ 27 مليون سنتيم من جيوب سكان القرية الذين لم ينتظروا دعم الدولة لهم لإنجازه، بل شمروا على سواعدهم وقاموا بتجسيده وتهيئته، لاسيما أن التجارب في هذا المجال على المستوى المحلي والوطني وحتى الجهوي غير موجودة، فقاموا بتجربة بعض الأمور وتحسين وتطوير المشروع مع مرور الوقت بناء على نجاح التجربة أو فشلها، لاسيما في كيفية المحافظة على قشور الخضروات والفواكه وتحويلها إلى أسمدة، مع تفادي خروج روائح كريهة منها تزعج القاطنين بالقرب من المكان.غرامة 5 آلاف دينار ضد كل مخالفيتربع مركز جمع النفايات بقرية توريرت على بضعة أمتار، وتوجد به صناديق توضع فيها النفايات، الجهة اليمنى منه مخصصة لقارورات الزجاج، أما الجهة اليسرى فخصصت لصناديق تستقبل البلاستيك والحديد والألمنيوم، وفي الجهة المقابلة لباب الدخول موقد يلقى فيه كل ما هو ورق وكارتون، وبجانبه صناديق بلاستيكية مخصصة للأدوات الإلكترونية والبطاريات بمختلف أنواعها، وبجوارها صناديق خشبية توضع بها بقايا قشور النباتات والخضر والفواكه التي يتم التكفل بها لتحويلها إلى أسمدة، في انتظار استغلالها كمصدر للطاقة الحرارية في حال تجسدت محادثات مع مؤسسة فرنسية مختصة في المجال، زارت مؤخرا المركز وتحدثت مع القائمين على تسييره حول الموضوع، دون أن ننسى أن القائمين على المركز خصصوا صندوقا للأدوية منتهية الصلاحية التي يحتفظ بها، في انتظار تقديمها لمصالح مختصة تتكفل بتخريبها وحرقها مقابل 400 دينار للكيلوغرام الواحد. وخلافا لما كنا نعتقده، فإن المركز لا يفتح أبوابه كل أيام الأسبوع بل يفتحها لسكان قرية توريريت 4 أيام في الأسبوع: الجمعة والسبت والاثنين والأربعاء، من الساعة الثامنة صباحا لغاية منتصف النهار، وأي مخالفة للأمر تكلف صاحبها غرامة مالية تقدر بـ5 آلاف دينار تذهب إلى خزينة لجنة القرية، الأمر الذي يدفع المرء لتفادي رمي الفضلات المنزلية هنا وهناك بشكل يشوه الأرصفة والطرقات.وسجلنا خلال تواجدنا بمركز جمع النفايات المنزلية قدوم رجل قام بجمع قارورات زجاجية وبلاسيتيكية في طريقه إلى المركز، وكذا نساء وأطفالا محملين بأكياس بها فضلات منزلية ونفايات أخرى قاموا بوضعها داخل صناديق خاصة بكل نوع، وتحت مراقبة حارس المركز المكلف بمتابعة العملية والسهر على السير الحسن لها، مع الإشارة إلى أنه موظف من قبل لجنة القرية التي تسدد له أجرة شهرية من خزينتها، وبعد ساعات العمل بالمركز فهو مكلف بمعاينة نظافة طرقات القرية.الاعتماد على النفسينوي أعضاء الجمعية البيئية “الربوة الخضراء” تدعيم المركز بالعتاد الضروري لتنويع وتطوير نشاطه، كإنشاء مرمدة وآلة لجمع قارورات البلاستيك في شكل حزمات، قبل تسويقها للمؤسسات التي تعيد استعمالها. غير أن الإمكانات المادية للجنة القرية وكذا جمعية “الربوة الخضراء” محدودة، ولا تسمح لها حاليا باقتناء الأدوات والآلات التي يحتاجونها، لكن هذا لم يثن من عزيمتهم، فهم يسعون حاليا لجمع الموارد اللازمة لاقتنائها، معتمدين على أنفسهم في تحقيق الهدف المسطر، وليس على الغير أو السلطات المحلية والولائية.في هذا الصدد، أشار رئيس الجمعية سيد علي حنفي إلى أن “الربوة الخضراء” قد تحصلت لأول مرة على دعم مالي مقدم من طرف المجلس الشعبي لولاية تيزي وزو كالذي يقدم للجمعيات الأخرى.ومن بين المشاريع التي ينوي أعضاء الجمعية البيئية “الربوة الخضراء” تجسيدها، تهيئة محيط المركز وإنجاز حديقة للأطفال ومشاريع بيئية أخرى، تهدف أساسا إلى تزيين المكان وخلق أماكن للراحة لفائدة سكان القرية.مثال يقتدى بهبطبيعة الحال كان نجاح تجربة فتح مركز لجمع وفرز النفايات بقرية توريرت الأثر الإيجابي في نفوس سكانها والمواطنين القاطنين بالقرى المجاورة لها، الذين يزورون في كل مرة المركز للتعرف على طريقة تسييره ومدى نجاعته، لاسيما أنه لا يسبب المضرة للمواطنين، إذ لا تنبعث أي رائحة كريهة لدى اقترابك من المكان، الأمر الذي دفع البعض إلى التفكير في الاقتداء بهم والسير على خطى أبناء قرية توريرت الذين يستحقون الثناء، كونهم وجدوا حلا لمعضلة عجزت السلطات بمختلف مستوياتها على إيجاد حل لها، وتحولت قرانا ومدننا إلى مزابل مفتوحة. الحل قدمه سكان هذه القرية، وينبغي أن يعمم على باقي المدن والقرى وولايات الوطن.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات