38serv
وضعت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم مشروع احتراف كرة القدم الجزائرية، قبل أكثر من ستة مواسم خارج السكة الصحيحة، وأوهمت العائلة الكروية الجزائرية، طوال هذه المدّة، بأن الخلل يكمن في النوادي وبأن أهم مشكلة تحول دون النجاح في إعطاء دفع لهذا المشروع، تكمن في غياب الهياكل الرياضية وإهمال جانب التكوين وعدم ارتقاء المسؤولين والرياضيين في تفكيرهم وتسييرهم إلى الاحتراف الحقيقي. حتى وإن كان رئيس الاتحادية محمّد روراوة، وهو يتحدّث متهكّما عمّن يلحّ كل مرة في السؤال عن أسباب بقاء المشروع في نقطة البداية، يحرص على القول إن فرنسا قضت عشرات السنين وهي تراوح مكانها قبل أن تصل اليوم إلى ما هي عليه الآن من درجة عالية من الاحترافية. إلاّ هذا الطرح، وإن كان يحمل جانبا من الحقيقة، فإنه يُصنّف، قياسا بما هو حاصل اليوم في الجزائر، في إطار “كلمة حق يُراد بها باطل”، كون النموذج الفرنسي الذي يحتكم إليه روراوة للتنصّل من كامل المسؤولية في فشل “مُبرمج” لمشروع الاحتراف، لم ينطلق بالعيوب التي اقترحتها الاتحادية، من خلال رئيسها، على النوادي الجزائرية، ولم يشهد المشروع في فرنسا، إطلاقا، أحادية القرار خلال عدة سنوات من الممارسة المحترفة للّعبة، أو على الأقل، أن واقع فرنسا كرويا اليوم يقدّم للاتحادية الجزائرية، التي “تستنسخ” قوانينها من الفرنسيين وتأخذ بتجاربهم الكروية، كل الحلول لربح الوقت وعدم التشبّث “وهما” بعامل الزمن وجعله الكفيل لتحقيق نجاح أي مشروع، لتبرير مسبق أي إخفاق حتى يبقى الجزائريون، من منظور روراوة، في سباتهم العميق.الحل في ميثاق كرة القدم المحترفةوبالعودة إلى ما هو حاصل على مستوى الاتحادية الفرنسية لكرة القدم، على سبيل المثال، فإن الضوابط الأساسية التي يرتكز عليه القائمون على شؤون الكرة في هذا البلد الذي جعله روراوة، في كل مرة، مثالا يُلمّح من خلاله إلى “جهل” الجزائريين بمقوّمات نجاح المشاريع الرياضية والكروية، موجودة في “ميثاق كرة القدم المحترفة” وهو الميثاق الذي يتضّمن الاتفاقية الجماعية الوطنية لمهنة كرة القدم، وهي وثيقة بعدة بنود وفصول شارك في صياغتها (الاتفاقية)، إلى جانب الاتحادية الفرنسية ورابطتها المحترفة، اتحاد النوادي المحترفة والاتحاد الوطني للاّعبين المحترفين والاتحاد الوطني للمدرّبين والإطارات الفنية المحترفة.والحديث عن الاتفاقية يعني إقرار الاتفاق على دستور يضبط العمل والتعاملات في لعبة كرة القدم، ويحدد بالتفصيل الحقوق والواجبات، ويضع القوانين التي تحكم تسيير المشروع المستمدة من القانون الأساسي للاتحادية الدولية لكرة القدم وقانون العمل، ما يضمن قطعا عدم ضياع حقوق اللاّعبين والمدرّبين والنوادي على حدّ سواء. ويضمن، بالمقابل، عدم تعسّف الاتحادية في اتخاذ القرارات التي قد تهضم حقوق الأطراف الفاعلة في مهنة ولعبة كرة القدم.عدم استنساخ التجربة الجزائرية يضمن النجاحوتتطرّق الاتفاقية الجماعية الوطنية بفرنسا، المغيّبة في الجزائر من طرف “الفاف”، بإسهاب إلى أدق التفاصيل المتعلّقة باللّعبة، وتميّز بين لاعبي النخبة والناشئين والمتربّصين والمكوّنين، بشأن حقوقهم وواجباتهم، وتحدد درجات مراكز التكوين وطريقة تحديد ذلك، وتشرح وتضبط عقود اللاّعبين والمدرّبين ومجال نشاط النقابات في مهنة كرة القدم، وتتحدث أيضا عن كيفية برمجة المباريات، وتحرص أيضا على تواجد المديرية الوطنية لمراقبة الحسابات التي تضع حسابات النوادي في الميزان بعيدا عن أي اعتبارات لا علاقة لها بالجانبين الرياضي والاقتصادي، بما يُرسي، منطقيا، قواعد مضبوطة وتوازنا مدروسا، وآليات تكون فيها لعبة كرة القدم المحترفة قادرة فعلا على التطوّر والارتقاء إلى أعلى الدرجات، وتجد معها الأطراف الفاعلة نفسها وسط مناخ ملائم يهيئه لهم ذلك النموذج الناجح لمشروع الاحتراف الحقيقي للعبة كرة القدم.تغييب رئيس “الفاف” محمّد روراوة في كل مداخلاته وتصرّفاته وبرنامجه أيضا للاتفاقية الجماعية الوطنية، وحرصه على تهيئة فضاء الضبابية في التسيير للسطو على صلاحيات مختلف اللّجان، حتى القانونية منها، وهضم حقوق النوادي والرياضيين والمدرّبين، والقول بعدها إن الاحتراف لم ينجح بسبب جزئيات تتعلّق بمراكز تكوين أو هياكل رياضية، أو عدم هيكلة النوادي وغياب احترافيتها، هو النموذج السيئ بعينه لأي مشروع احترافي، بل هو النموذج الذي يُفترض أن تتناقله اليوم كل الاتحادات الرياضية عبر العالم وتستند عليه كمثال وحجة، ودليل للقول لنواديها ومدرّبيها ولاعبيها وإطاراتها إن مجرّد عدم استنساخ مشروع الاتحادية الجزائرية لكرة القدم في مشروع الاحتراف، هو أولى الخطوات نحو تحقيق النجاح.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات