38serv
ما خلفية ما يحدث منذ مدة في كردستان إيران؟ لا يمكن فصل مسارات السياسة والأمن في آسيا الغربية (الشرق الأوسط) عن بعضها، لأن المحاور كلها متداخلة وأطراف الصراع في المنطقة متفاعلة، والجهات المتشابكة فيها على علم بالأدوار العالمية في التأثير على مسار المعركة أو المعارك ذات الهندسة العالمية المعروفة. من هذه الحقائق، وجود إرادة أمريكية وغربية وإسرائيلية في تفتيت المنطقة وتقسيمها إلى دويلات متصارعة، تحكمها النزاعات الطائفية والمذهبية تتقاتل، فيما بينها إلى ما لا نهاية.الدعم الغربي الواضح والفاضح للحركات القومية، والنزاعات العنصرية، والمشاريع الطائفية، والمخططات المذهبية هنا في المشرق، أمر غريب، لأنهم من الأساس في غربهم ونظامهم السياسي والثقافي والتنموي الحضاري لا يسمحون بأي اتجاه قومي ونزعة عنصرية، غير أن واجهة تواجدهم في المنطقة هي حماية الأقوام والعناصر والأقليات والطوائف والمذاهب، إلا أننا نعلم جيداً أن الأدب القومي والطائفي والنزعة المذهبية، هي فرصتهم الذهبية في إشعال الفتن وتخريب السلم الأهلي وتدمير البلدان وسيادتها واستقرارها.لا أحد في العالم يعلم الانتماء المذهبي والديني والطائفي للسلطات الغربية، ولكننا نسمع ليل نهار من على شاشات الإعلام العالمي من القادة الأمريكيين، حرصهم على الشيعة هنا والسنّة هناك، أو دعمهم للأكراد هنا وللعرب السنّة هناك، وهكذا أدبيات بغيضة يروجون لها. ينبغي أن نقرأ الأحداث في أرضيتها وخلفية صناعها، غير أننا مع الأسف الشديد نستهلك أخباراً هم ينتجونها ونتبنى تحليلات تأتي من وكالاتهم للأنباء. تنشيط العقل السياسي الاستراتيجي في المحللين والمعلقين عندنا في العالم الإسلامي، أمر ضروري منعاً لفرض تصوراتهم في تحليل الوقائع في العالم الإسلامي علينا.وعليه، فإن تسخين الأوضاع في كردستان إيران هو جزء من مخطط عالمي يرسمه الأمريكيون والإسرائيليون والسعوديون منذ عقود، رغم أن الحزب الديمقراطي وكذلك فرع حزب العمال الكردستاني مدرجون في قائمة الحركات الإرهابية في أمريكا، ولكن اللعبة مكشوفة والجميع على علم تفصيلي بأن الأمن والخارجية والسياسة الأمريكية تدعم الحركات الإرهابية المسلحة على الحدود الإيرانية العراقية ومن منطلق الإقليم الكردستاني بالتحديد.هل يمكن أن يكون لما يحدث في سوريا واليمن تداعيات على الداخل الإيراني؟ ينبغي أن لا نغفل عن تداخل الملفات الساخنة في المنطقة وتفاعلها مع بعضها وتشابكها الشديد.. لا يُعقل في المنطق الأمريكي أن تعيش المنطقة على كف عفريت وتحترق جبهات الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين، بينما تظل الجبهة الداخلية الإيرانية متماسكة. أعداء الجمهورية الإسلامية يسعون بكل ما يملكون من قوة وأجهزة استخبارية وعناصر اختراق ونفوذ وتجسس وعمالة أن يجدوا فرصة ملائمة، في ظل التوتر العالمي والإقليمي في سوريا والعراق وتركيا واليمن ليخترقوا الأوضاع الآمنة في البلد. ولعل الفوضى العارمة في الحدود التركية العراقية السورية الإيرانية، هي فرصة ذهبية لهم للقيام بهذه المهمة، وأن الحركات الإرهابية المسلحة أيضاً مستعدة للاصطياد من المياه العكرة، لكن عوائق أساسية تحول دون تحقيق مآربهم.أي عوائق؟1- إقليم كردستان العراق وعاصمته أربيل لا يمكن أن يجازف بعلاقاته الجيدة مع إيران، فيذهب بعيداً في إرخاء الحدود وتعزيز الإرهاب المسلح، لأن عواقب الأمر ستنقلب عليه مباشرة، وأربيل ليست في وضعية داخلية جيدة، وكذلك وضعها مع تركيا وسوريا، حتى تعبّد الطريق أمام التواجد الكثيف والنشاط الواسع في الداخل الإيراني. وإجراءات صارمة ستكون من قبل الحكومة الإيرانية في حال حصل تساهل وإرخاء مع الإرهاب من قبل السلطة الكردستانية العراقية. إن العلاقات الاستراتيجية بين إيران وأربيل متينة إلى الآن، ولا يبدو لي أن أحدا من الطرفين يرغب في تعريضها للخطر أو تسخين التواصل بين البلدين في الأفق القريب في أقل تقدير، لأن مصالح حيوية استراتيجية وجيوسياسية مذهلة مرتبطة بهذه العلاقة الحساسة والحيوية. والحركات الإرهابية المسلحة الكردية في إيران لا تملك علاقات استراتيجية هامة مع أربيل، بل هناك نزاع معروف مستمر بينهما، ولن يكون الرهان على التحالف الأربيلي والعمالي في إيران إلا خاسراً وليس من يدعو إليه أصلا.2- إن العلاقات الأمريكية الكردية الممتازة والإستراتيجية دقيقة جداً، وفي حال ارتفاع سقف مطالبات الأمريكيين من الطرف الكردي في السماح بتصعيد المناوشات الكردية الإيرانية، بدعم من أربيل، من شأنه أن يربك العلاقات برمتها، لأن أربيل تقوم بإدارة دقيقة بين علاقتها الاستراتيجية مع أمريكا من جهة، وعلاقتها الاستراتيجية مع إيران من جهة ثانية، ولكننا نعلم أن المطلب الأمريكي في توظيف الحركات المسلحة وتجنيد الإرهاب في جميع تجلياته وكافة أطياف تنظيماته في الجنوب والشرق والغرب، حتى في الشمال مع بعض دول آسيا الوسطى، هو مطلب ملح ومستمر واستراتيجي بالنسبة لها. ولكن إجراءات إيران الأمنية في مواجهة التحديات الأمريكية الأمنية على حدودها، وبخاصة ما هو منسق مع الحركات المسلحة والإرهابية المدعومة من السعودية أيضا، هي إجراءات صارمة أثبتت للعالم أن الأوضاع الأمنية الإيرانية تحت السيطرة، وأن تفوقاً أمنياً استخبارياً إيرانياً ملحوظاً في مواجهتها للإرهاب ومخططات أمريكا وبعض الجهات الإقليمية قائم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات