الجزائر في مواجهة التقشف أو العزلة الثقافية

38serv

+ -

تباينت آراء المواطنين في قسنطينة حول الميزانيات المخصصة للمهرجانات الثقافية من جهة، وما يتقاضاه الفنانون العرب من جهة أخرى في زمن التقشف وتراجع إيرادات الدولة،بين مؤيد ورافض وداع إلى ترشيد النفقات، حيث يرى البعض أنها تبذير لأموال الشعب فيما لا ينفع، فيما اعتبر آخرون أن التوقف عن التنشيط الثقافي والفني المحلي والدولي سيعزل الجزائر خاصة أمام ما يعرفه العالم من عنف وتمادي خطر الإرهاب، ما قد يسيء لصورة الدولة التي كانت ولاتزال ميزانية قطاع الثقافة فيها محدودة منذ الاستقلال.

 عرفت قسنطينة، مؤخرا، تنظيم سهرات فنية طيلة الشهر الماضي، بالتزامن مع المهرجانات الوطنية المبرمجة سنويا والقارة لكل من مهرجان تيمڤاد الدولي بباتنة وجميلة بسطيف، خاصة بقاعة العروض الكبرى “أحمد باي” التي ساعدت على استقبال نخبة من الفنانين العرب والجزائريين بمعايير عالمية، وحظيت السهرات بتواجد جماهيري كبير مع مرور عدد من الأسماء الفنية العربية المعروفة، على غرار كاظم الساهر ونجوى كرم وصابر الرباعي ووائل جسار، حيث قاطع الجمهور القسنطيني من قبل تقريبا كل الحفلات، ولم يتمكن المشاركون في فعالية “قسنطينة عاصمة للثقافة العربية” من ملء ألف مقعد في قاعة العروض الكبرى التي تستوعب 3 آلاف مقعد.حملات مواقع التواصل الاجتماعي تفتح النقاشعرفت مواقع التواصل الاجتماعي أيام المهرجانات الفنية والثقافية حملات واسعة وأخذت شكل صفحات تدعو إلى المقاطعة وإلى التقشف وحتى إلغاء السهرات الفنية، قادها شباب مثقف وآخر ولا علاقة له بالفعل الثقافي، وكان مبررهم المبالغ التي تصرف على المهرجانات، والتي قدمت خاصة للفنانين العرب والتي وصفوها بالكبيرة، رغم تكذيب وزارة الثقافة والديوان الوطني للثقافة والإعلام الذي وصف المبالغ التي “سربتها” بعض المواقع بالمُبالغ فيها وغير الصحيحة. كما صاحبت أيام العروض الفنية بقسنطينة، حملة “فايسبوكية” شرسة ضد المبالغ المالية المخصصة لهذه المهرجانات بما فيها مهرجان وهران للفيلم العربي، الأمر الذي لا يتلاءم مع الوضع الاقتصادي وحاجيات المواطن، حيث دعوا إلى مقاطعتها وطالبوا بتحويل أموالها إلى مشاريع تنقذ آلاف الشباب، حيث وصل الأمر إلى المطالبة بإلغاء الفعاليات الثقافية والابتعاد عن توجيه الدعوة إلى الأجانب وتوفير الأموال، ما دفعنا إلى طرح السؤال على عدد من المواطنين هل هم مع التقشف في المجال الثقافي أم لا؟المدن نائمة ولا تستيقظ إلا في مهرجانات الصيفاستوقفنا في سهرة فنية صاحبت حضور ثلة من الفنانين الجزائريين، عبدو شاب في العشرين من العمر، سألناه عن سبب حضوره إلى حفل “احمد باي” وهل هو مع التقشف الثقافي، فقال “أصلا الفعل الثقافي في قسنطينة وعقب انتهاء التظاهرة العربية التي مرت دون وجودهم غاب الفعل الثقافي وأصبح مشهده قاتما، ولا يمكن خلق سهرات للشباب إلا في فصل الصيف، حيث لا تتكرر يوميا”، مذّكرا أن المدينة أصلا نائمة على مدار السنة، ولا يمكن إقصاء سهرات كهذه، حتى وإن دفع لها الكثير، لأن الشباب متعطّش ولا يمكن هضم حقه فيها مادامت الدولة وفّرت الميزانية لوزارة الثقافة. تقربنا في خضم الحفل المقام بالقاعة ذاتها إلى السيدة “ك.سامية”، إدارية بإحدى المستشفيات، التي كانت سعيدة بتواجدها داخل القاعة، فأجابت أنه يجب الموازنة بين ما تحتاجه الدولة من الجانب الاقتصادي والاجتماعي من جهة، والثقافي من جهة أخرى، وقالت إنه لا يجب أن يقتصر على السهرات الفنية فقط، ولكن ببرنامج نظيف موجّه لكل فئات المجتمع بما فيها الأطفال الذين أصبح سلوك العنف طاغيا عليهم، دون نسيان فئة الشباب التي يجب استقطابها والإحاطة بها، مؤكدة أن الشباب كذلك يحتاج إلى مناصب عمل وإلى مصانع وورشات ليوفّر حاجياته ولقمة عيشه، مستطردة “لذلك يجب أن نكون عقلانيين في كيفية التسيير ومنح المبالغ لبعض الفنانين التي تكفي لتزويج 10 آلاف شاب”. بالمقابل، قال عمي “الزناتي”، شيخ من سكان المدينة القديمة، كان يجلس في الحديقة المنجزة في مفترق الطرق غير بعيد عن قاعة العروض الكبرى، “كانت قسنطينة تعيش على وقع المسرح والحفلات الفنية، وقد استقبلت الجزائر ألمع المغنين من العرب ومن الغرب وكاني العروض تقام في مختلف الأحياء، إلا أنه لم تكن تصرف عليها مبالغ مالية كالتي نسمع بها، حيث كانت تمنح الأولوية للمشاريع الاقتصادية ولتدعيم دخل المواطن”، مضيفا بحكمة الشيوخ “إلا أنه لا يمكن عزل الوطن عن العالم الخارجي، يجب أن تكون هناك تبادلات ثقافية وحضور من كل البلدان لكي نتطور، نفهم ما يحدث في العالم الآخر، نتواصل معهم، ونواكب الركب، ولا نبقى في عزلة كالتي حدثت سنوات الإرهاب. كنا وحدنا ولفقّت روايات وحكايات خطيرة عنا وأصبحنا من الشعوب التي يخاف منها الجميع، وقد تمكنا بعدها وبعد إحياء الفعل الثقافي من مهرجانات وسهرات من إعطاء النظرة الإيجابية وتكذيب ما كان يروى عنا”.عليهم وضع الأموال في موقعها الحقيقيأجمع، بالمقابل، العديد من المواطنين من بينهم خريجو الجامعات وحتى إطارات وتجار، على أن الاحتياجات الاقتصادية الحالية أمام ما نعانيه من ارتفاع في الأسعار ورفع التسعيرات في كل القطاعات، تفرض على الدولة أن تعي أن المرحلة القادمة صعبة جدا، وتتطلب وضع الأموال في موقعها الحقيقي بتوفير متطلبات المواطن الأساسية وعدم ترك الأولويات والتوجه نحو الكماليات، لأنه من غير المعقول تفريع جيب المواطن وتجويعه من أجل الفعل الثقافي.هذا ما ذهب إليه مراد، شاب جامعي متخرج منذ أزيد من 10 سنوات ويعمل سائقا في إحدى المؤسسات الخاصة، كان بحديقة زواغي القريبة من قاعة “أحمد باي”، حيث قال إنه متعوّد على حضور هذه الحفلات للابتعاد عن ضغط المدينة والهروب إلى أعالي زواغي التي يجد فيها الهواء العليل ويتذّكر أحلامه بالهجرة والسفر حول العالم، وهو الأمر الذي لم يتمكّن من تحقيقه لأنه لم يجد عملا يناسب تكوينه رغم المسابقات “ما حققته لي الثقافة، والحفلات والفنانون؟ حين أصفق لهم أصفق على حسرتي”. ويواصل “نحن شباب نبحث عن العمل والمسكن والزواج والحياة الكريمة، وهذا الأمر لم تحققه لنا الدولة التي تقول إنها تستضيف الفنانين والحفلات لأجل الشباب. نحن لا نريد.. إننا غاضبون على حالنا”. وأضاف “أريد عملا فقط.. الغوا وزارة الثقافة لا تتقشفوا فقط”.وداخل محطة التراموي من محطة زواغي نحو ملعب بن عبد المالك، كانت هناك سعيدة الجامعية التي تدرس سنة 4 طب، متوجهة نحو الإقامة الجامعية نحاس نبيل، حيث ذكرت أن الدولة غير قادرة على توفير مناصب شغل للأطباء وهناك من يعملون بعقود ما قبل التشغيل، وقالت يجب أن يطال التقشف قطاع الثقافة والاحتفاظ بالمال المهدور لخلق حافلات للطلبة وتوفير كتب بمبالغ تكون في متناولهم لأن العلم قبل أي شيء، على حد قولها، وتوفير ظروف تعليمية جيدة وصحية داخل المستشفيات، حيث نجد آلاف المرضى لا يجدون مبالغ مالية لشراء الدواء أو العلاج. وكان لعبيدة، صاحب محل لبيع الإكسسوارات بالقرب من محطة تراموي النهائية، الرأي نفسه، فرغم كونه تاجرا إلا أنه يتقشّف بفعل ما يحدث من اضطرابات اقتصادية وانهيار العملة والتي ستدخل الجزائر في أزمة، قائلا: “يجب أن نتقشف في جميع القطاعات، اذهبوا للسوق فقد أصبح نار جهنم، الأفضل أن نساعد على خفض الأسعار عوض صرف الأموال على سهرات فنية”. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات