38serv
يفضل الكثير من الجزائريين الاشتراك في اقتناء عجول وأبقار للتضحية بها عوض الأغنام، حيث انتشر هذا التقليد ليشمل شريحة كبيرة من المواطنين، وذلك لعدة أسباب في مقدمتها ارتفاع أسعار الأغنام خلال السنوات الأخيرة وطبيعة لحم الأبقار الخالي من الدسم مقارنة بلحم الخرفان وكذا التصدق على الفقراء، ناهيك عن الجو العائليالناتج عن اشتراك 7 عائلات على الأكثر في العجل الواحد.
“الخبر” زارت إحدى نقاط بيع الأبقار في ضواحي الجزائر العاصمة، واقتربت من أحد المربين الذي ورث الحرفة عن أسلافه.بين أسعار الأغنام والأبقار علاقة طرديةبتقدمك في اتجاه إسطبل السيد بلقاسم بورابية بحي 50 مسكن ببلدية الرحمانية، يخال لك أنك خارج العاصمة أو في إحدى الولايات السهبية. للوهلة الأولى تشعر بنسمة خفيفة تملأها رائحة الروث، ويقابلك إسطبل كبير مصنوع بالألواح الخشبية والأسلاك الحديدية، سطحه مغطى بصفائح قصديرية، وتزداد الرائحة كلما اقتربت أكثر ويتناهى إلى سمعك خوار الأبقار وعجولها المربوطة بداخله.كان في استقبالنا طفل يافع أشقر الشعر يحاول جاهدا ترويض حصان مضطرب أصفر اللون، وما إن وقفنا أمامه حتى ترك الحصان لشأنه والتفت يفتح باب الإسطبل ليعرض علينا العجول وأسعارها ريثما يلتحق بنا والده.وجدنا داخل الإسطبل عشرات الأبقار والعجول من مختلف الألوان والأحجام قادمة من مناطق عدة في الوطن: البويرة، تيارت، قصر البخاري بالمدية، الخروب، العلمة، وادي سوف.. بعضها من سلالة “عربية” وأخرى ذات نسل أوروبي على غرار “لامبراك” و«موبيليار” التي تعود سلالتها لدول أوروبية كالنمسا وهولندا، على حد قول المربي بلقاسم، قبل أن يلتفت إلى أحد زبائنه قائلا: “أغلب هذه العجول بيعت لأصحابها”، وأخذ يعرض عليه العجول المخصصة للبيع وأسعارها وميزاتها ويتحرك داخل الإسطبل وخارجه، ويستقبل بين الحين والآخر اتصالات هاتفية.كانت أسعار الأبقار متباينة، وتتراوح بين 15 و21 مليون سنتيم للعجل الذي يتراوح وزنه بين 160 و240 كيلوغرام، وكلما زاد وزنه وانخفض سنه يرتفع سعره أكثر وقد يصل حتى 30 مليون سنتيم إذا فاق وزنه 300 كيلوغرام. أما البقرة التي يطلق عليها اسم “مسوكية” (لم يسبق لها الحمل من قبل)، فيتراوح سعرها بين 12 و18 مليون سنتيم. وتعد هذه الأسعار مرتفعة نسبيا مقارنة بأسعار الموسم الماضي، إذ زادت بحوالي 2 إلى 3 ملايين سنتيم، حسب المربي نفسه الذي أرجع السبب إلى ارتفاع الطلب عليها.كمية لحم العجول تثير الشهيةونحن نتبادل أطراف الحديث مع الموال، دخل الإسطبل 3 رجال ملتحين يرتدون أقمصة بيضاء، بدا من تقاسيم وجوههم أنهم ينتمون إلى عائلة واحدة، وبدا جليا من خلال كلامهم أنهم على دراية بشؤون تربية الأبقار وزبائن دائمون لدى السيد بلقاسم.وبعد أخذ ورد مع المربي، اتفقوا على اقتناء “مسوكية” بسعر 15.5 مليون سنتيم، ليكشف لنا أحدهم أن اشترك رفقة 5 من أشقائه فيها، وبعملية حسابية بسيطة يكون قد دفع كل واحد منهم 25 ألف دينار، ليحصل كل واحد منهم على 30 كيلوغراما من اللحم.يعلق أحدهم على الموضوع قائلا: “أتحداك إن وجدت خروفا يزن 30 كيلوغراما بسعر 25 ألف دينار”، وشاطره الرأي بائع الأبقار الذي يبيع الأغنام في الوقت نفسه قائلا: “الخروف الذي يزن 40 كيلوغراما يفوق سعره 60 ألف دينارا”.غادر الأشقاء الإسطبل، وأخذ المربي يربط البقرة التي بيعت قبل لحظات بحبل في رجلها ليميزها عن باقي الأبقار التي لم تبع بعد، واسترسل في الوقت نفسه يشرح لنا أسباب لجوء العائلات إلى التضحية بالعجول على حساب الخرفان في السنوات الأخيرة، قائلا: “في الماضي القصير، قبل 3 سنوات، كانت التضحية بالعجول والأبقار مقتصرة على سكان منطقة القبائل وجيجل، أما اليوم فقد أصبحت تقليدا يسهر الكثيرون على تكريسه كل ما حل عيد الأضحى، وذلك لعدة أسباب في مقدمتها ارتفاع أسعار الأغنام خلال السنوات الأخيرة والتي فاقت 70 ألف دينار جزائري لكبش لا يتعدى وزنه 35 كيلوغراما”.ويواصل محدثنا شارحا: “رغم أن أسعار المواشي انخفض نسبيا مقارنة بالمواسم الماضية، بسبب وفرة العرض من جهة وكبح السلطة لنشاط الوسطاء الانتهازيين الذين يتضاربون بالأسعار من جهة أخرى، إلا أن الطلب على الأبقار لايزال يأخذ منحاه التصاعدي”، ما يدل، حسب نفس المتحدث، على أن الكثير من العائلات أصبحت تفضل ذبح الأبقار عوض الأغنام حتى وإن انخفضت أسعار هذه الأخيرة.“كول ووكل”مرت الدقائق كالبرق داخل ذلك الإسطبل نستمع لحديث المربي وخوار الأبقار، حتى اعتدنا على رائحة الروث والفضلات، وفي كل مرة يتوقف محدثنا ويرد على استفسارات زبائنه الذين لم تتوقف حركتهم، رغم عزلة المكان المتواجد فيه، حتى دخل 3 شباب بينهم مغترب مقيم في فرنسا، ولم يستطع هذا الأخير إخفاء سروره وهو يتنقل بصعوبة بين فضلات الأبقار الممزوجة بالكلأ، فاقتربنا منهم ليكشف لنا الشاب محمد، 35 سنة، أنه اعتاد الاشتراك رفقة أشقائه الأربعة في شراء عجل كل ما حل عيد الأضحى. وعكس ما ذهب إليه باقي من تحدثنا إليهم، الذين يفضلون اقتناء عجل لربح كمية إضافية من اللحم واقتصاد بعض المصاريف، فإن محمد يفضل لحم العجل لقلة مادة الدسم فيه التي تضر بصحة والديه اللذين يعانيان من ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، قبل أن يضيف “لا تنسى أن الاشتراك في شراء عجل يتيح الفرصة لعائلاتنا للالتقاء وإمضاء العيد في بيت واحد، ويصنع لنا جوا عائليا رائعا”. ونحن نهم بمغادرة الإسطبل دخل رجلان في عقدهما السادس، أحدهما أرشد الآخر على المكان، وبعد الخوض في دردشة قصيرة مع البائع، اكتشفنا أن السيد يريد ذبح عجل متوسط لكي يتسنى له التصدق على العائلات الفقيرة التي استعصى عليها اقتناء أضحية العيد، وأضاف بلهجة تهكمية مبتسما: “كول ووكل”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات