38serv
دفعت سياسية التقشف إلى خفض ميزانية الدورة الحادي عشرة لمهرجان المسرح المحترف بنسبة 80 بالمائة. فبعد أن كانت ميزانية السنة الماضية 7 ملايير سنتيم، وصلت هذه السنة إلى 500 مليون سنتيم، في مقابل ضعف الإنتاج المسرحي الوطني من ناحية الإنتاج والنوعية.تبدو خشبة المسرح الوطني “محي الدين بشطاري”، هذه الأيام، حزينة ومنهكة بالأخبار غير السارة، فقد شاخ أبو الفنون في الجزائر! بالكاد تتنفس الخشبة عروضا مسرحية خاصة بالأطفال، وأخرى أنتجت في إطار تظاهرات ثقافية كبرى. وبالإجماع، تكون مسرحيات “أرهقتها” الرداءة، لا يمكنها أن تستهوي الجمهور الغائب عن كل النشطات الثقافية دون استثناء. فالمشهد أمام مسرح محي الدين بشطارزي، كالصورة أمام قاعة الموڤار، زادها “التقشف” أرقا.يدعو كل غيور عن الفن الرابع، ومن قرأ أرشيف المسرح الجزائري، إلى الترحم مرتين على روح رويشد وعلولة وبشطارزي، ويطرح السؤال “لماذا تم تقليص ميزانية مهرجان المسرح المحترف إلى 500 مليون سنتيمم (كانت 7 ملايير السنة الماضية)؟في ظل كل تلك الملامح، أصبح الغلاف المالي المسخّر للحدث لا يكفي لتنظيم حفل واحد أو زفاف أبناء أحد المسؤولين الكبار. تهيأ الساحة للإعلان عن دورة مسرحية جديدة، يبدو أنها “ستولد ميتة” على جميع المقاييس. هكذا يتجه مستوى العروض المسرحية وسياسة “التقشف” إلى دق آخر مسمار في نعش الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح المحترف. تأجلت دورته هذه السنة مرة، واثنين، وثلاثة، ولم يعد هناك شك بأن هذا الموعد يشغل بال العشرات من الفرق المسرحية الجزائرية، التي تجد من المهرجان متنفسا لها. والمسرح فيما يبدو لم يعد أولية القطاع، من وهران وعنابة وباتنة، الصورة واحدة، بعد أن غابت ملامح البذخ منذ الدورتين الماضيتين، وكان أول ضحاياها الفرق العربية والأجنبية التي كانت تشارك في منح مهرجان المسرح المحترف نكهة خاصة.وغابت عن ساحة المسرح اللقاءات التي تجمع الأحبة، ولم يعد لطعم الشاي مذاقا حلوا في مقهى “طنطون فيل”. الكراسي لا تزال خالية، وهي تنتظر إلى الدورة الحادية عشرة، وإلى الزبائن المختلفين الذي كانوا يحملون طموحات وقصص الحب مع أبي الفنون، في جلسات لا تخلو حتى من النميمة، التي يتذوق طعمها الفنانون بين رشفة قهوة وأخرى.في كثير من الأحيان، تتحول جلسة الشاي، على هامش عروض مهرجان المسرح المحترف، إلى مشروع فني، تصنع مشهدا فريدا من نوعه، يجمع الممثل المغمور بالمشهور، المخرج الواعد بالمخرج الدخيل، و«كل إناء بما فيه ينضح”.اليوم في هذا الوطن المنهك بـ«التقشف”، أصبح عمال المسرح يسيرون في أروقته، في الظلام، فاتورة الكهرباء أتعبت الميزانية مرتين خلال سنة واحدة وبنسبة 63 بالمائة، لم تعد لتكفي حتى لتغطية أجور العمال.. لهذا يطلب من المخرج ألا يؤمن بالسينوغرافية كجزء هام من العرض، وألا يؤمن بالديكور والأكسيسوار، ويكتفي بالنص، بعد أن أصبحت الميزانية هي من تكتب النص. وقد وصلت الميزانية السنوية للمسرح إلى 9 ملايير سنتيم بعد أن كانت 16 مليارا (أرقام رسمية). في مقابل، عجز العروض المسرحية التي يقدمها المسرح الوطني عن الانتقال إلى مشروع اقتصادي ربحي. فمداخيل التذاكر في أحسن العروض وأقواها لا تتجاوز الثلاثة ملايين سنتيم.
هنا يحمل مدير المسرح الوطني محمد يحياوي حقيبتين، هو أيضا، محافظ مهرجان المسرح المحترف.. ومن المفروض أن وزارة الثقافة أصدرت تعليمات بأن الجمع بينهما بات أمرا غير ممكن قانونيا. وهو ما يزيد من حالة الضبابية حول مستقبل المسرح الوطني ومهرجانه على حد السواء.أزمة المسرح الوطني هي أكبر من أزمة المهرجان، فالمسرح يوظف 120 عامل، معظمهم غير مؤهلين ولا يتمتعون بشهادات تؤلههم لشغل المنصب، مقابل احتفاظه بمتقاعدين يتقاضون رواتب من منازلهم. وما زاد من التعب، أشغال الترميم، بسبب تعرض المسرح الوطني، لسنوات، لتدفق المياه، قبل أن تتفطن إليه أشغال الميترو، التي دقت ناقوس الخطر حول مبنى المسرح الوطني.هذا المشهد خلّف الكثير من الديون، ودفع نحو مزيد من السواد، وقطع حبل الوصال بين الجمهور وقاعة المسرح، وكان الفن هو من يدفع الثمن في كل مرة.. ولم يبق من واجهة المسرح الوطني وساحته إلا صور الأطفال الذين يلعبون كرة القدم حتى ساعات متأخرة من الليل، قبل أن يسلموا الساحة إلى المتسكعين والمتشردين، الذين تحلوا لهم “السكرة” على درج المسرح.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات