38serv
تحمله في بطنها لمدة 9 أشهر، ثم تضعه وتسهر على توفير الدفء والحنان اللازمين له، ترضعه، ترعاه، وتضمه إلى صدرها، تسمعه ينطق بأولى كلماته “ماما” ويستند عليها ليمشي أولى خطواته، وهكذا ترافقه لحظة بلحظة طيلة فترة نشأته، غير أنه ليس بمقدور جميع الأمهات مواصلة هذا الدرب، فمنهن من ألَم بهم المرض وأخريات فرضت عليهن الظروف الاجتماعية الخروج للعمل وبعضهن انفصلن على أزواجهن.. وإن تعددت الأسباب واختلفت تبقى النتيجة واحدة هي نشأة الطفل في حضن امرأة أخرى بديلة قد تكون جدته، خالته، عمته أو صديقة الوالدة البيولوجية وحتى الجارة. “الخبر سلطت الضوء على القضية ونقلت شهادات حية لأشخاص ترعرعوا لسنوات بعيدا عن دفء أمهاتهم، فهل يمكن للأم البديلة أن تحل محل الأم البيولوجية؟
لا يختلف اثنان في تقدير الدور الهام الذي تلعبه الأم البيولوجية في تربية ونشأة أطفالها، حيث تبدأ المهمة من مرحلة تكون الجنين في رحمها، ثم تحمّل آلام وضعه ثم تتحمل مسؤولية تربيته وتشعره بالعطف بضمه إليها وتشعره بالأمان على حساب راحتها وصحتها.غير أنه ومع تغيّر الظروف المعيشية في مجتمعنا وتراكم الانشغالات والمتاعب والمشاكل التي يفقد الطفل بسببها والدته، دفع بالاستعانة في هكذا ظروف بما يطلق عليه بـ«اﻷم البديلة”، التي يراها البعض قد تخلف “اﻷم البيولوجية” في تربية الأطفال وتحتويهم في غيابها وتوفّر لهم كل ما يطلبونه، فيتعلق الطفل بها وتحل مكان أمه، التي لا يستطيع مع مرور الوقت أن يفارقها أو يبتعد عنها، وتتحول بذلك مشاعره عن الأم الحقيقية التي حملته وولدته إلى أمه البديلة، التي قامت بتربيته ومنحته الحب والحنان وتعبت من أجل تربيته حتى يصل لما هو فيه في حياته العلمية والعملية، وعوّضته عن ما فقده من حنان ويكون حبه للأم التي ربته اﻷكبر وليس لوالدته.“مرضت والدتي فربّتني صديقة أمي”الشاب حفيظ صاحب 27 عاما، والمتحصل على أكثر من شهادة جامعية، أحد الذين ترعرعوا بعيدا عن والدتهم، قرر فتح قلبه لـ«الخبر” دون مقدمات وراح يقص لنا حكايته التي انطلقت، حسبه، يوم وفاة والده الذي راح ضحية العشرية السوداء.كان وقتها سن حفيظ لا يتجاوز 8 سنوات، عندما قررت والدته المريضة تخويل مهمة تربيته إلى صديقتها التي كانت وقتها تعمل كأستاذة فرنسية، “عشت معها إلى أن بلغت سن 16 سنة، ودرست خلالها في كنيسة كاثوليكية تقع بوسط مدينة باتنة، ومباشرة بعد اجتيازي لشهادة البكالوريا وبعد زواج أمي التي ربتني عدت مباشرة إلى بيت والدتي البيولوجية”. ولم يخف علينا محدثنا حبه لمربيته أكثر من أمه الحقيقية .. “فبعد عودتي لمنزل والدتي البيولوجية وجدت عالمهم غريب جدا كما اصطدمت معهم بصعوبة في التواصل.. سيما وأني كنت أعيش مع مربيتي لوحدي دون وجود أشقاء برفقتي .. كما أن المستوى المعيشي واﻷخلاقي والتعليمي أثّر على حياتي بشكل كبير.. ووجدت صعوبة أخرى في التكيف وعلمت أني عدت إلى الحياة البسيطة بدل التي كنت فيها، فالفوارق الاجتماعية زادت من متاعبي لاحقا.. قبل أن أقرر بعد التخرج، مغادرة المسكن العائلي واستئجار مسكن لوحدي وهو ما أراه مناسبا لي.لم يخفي محدثنا من خلال نبرة صوته المثقلة بالهموم وغياب الابتسامة طيلة الحوار، تأثره بما وصفه بتخلي والده عنه بالرغم من تعلقه بأمه البديلة والأضرار النفسية التي تعرض لها بعد زواجها وتخليها عنه بدورها، وهو صراع داخله وضغوطات نفسية ستلازمه طيلة السنوات التي سيحياها.“أمي تخلت عني”وإن كان حفيظ لا يزال يحتفظ بذكريات عن والده الذي فارق الحياة وهو في الثامنة من عمره، فنسرين كتب لها القدر أن تفتح عيناها ملفوفة داخل قطعة قماش بمحاذاة قمامة في الشارع، بعد أن تخلت عنها من أنجبتها بطريقة غير شرعية ورفضت تربيتها.تقول إحدى قريباتها بأن الرضيعة وقتها كادت أن تفارق الحياة بعد ساعات قليلة من ولادتها، واسترسلت تروي لنا تلك الوقائع الأليمة: “ذهبت ابنة خالتي في زيارة إلى منزل إحدى صديقاتها لتهنئها على ازدياد مولود لها، غير أنها وبمجرد وصولها إلى المنزل تفاجأت بعزم الوالدة على الاستغناء عن رضيعها الأنثى وتركه في الشارع”.حاولت السيدة إقناع الوالدة بالرجوع عن قرارها، إلا أن الوالدة التي كانت في حالة هستيرية أصرت على الاستغناء عنها، “فما كان منها إلا أن حملتها وأخذتها إلى منزلها من أجل التكفل بها وإنقاذ حياتها”.ولحسن حظ نسرين أنها وقعت بين أحضان عائلة طيبة، حيث قررت والدة المرأة التي جلبتها إلى المنزل التكفل برعايتها، ريثما تتراجع الأم البيولوجية عن قرارها، غير أن هذه اﻷخيرة تمسكت بالرفض ومرت اﻷيام والأشهر والسنوات واﻷم التي رفضتها أنجبت أطفالا آخرين، وتغلبت على المشكل النفسي الذي عانت منه، غير أن ابنتها، تقول محدثتنا، بلغت 24 عاما وهي مقبلة على الزواج خلال الأيام القليلة القادمة، وظلت بدورها لا تقبل العودة إلى أمها البيولوجية لما قامت به اتجاهها وكذا للحنان والأمان والحب الذي وجدته في والدة صديقة أمها الحقيقية.“أفضّل جدتي على والدتي”وفي قصة مماثلة عاشتها فتاة بلغت اليوم 24 سنة، تنحدر من إحدى البلديات الغربية بولاية باتنة، حيث أعلنت صراحة تعلقها بجدتها وارتباطها القوي عاطفيا ونفسيا، لحد لا يوصف، ذلك ﻷنها من قامت بتربيتها رغم وجود والدتها في نفس المنزل.كانت الأمور تسير بشكل عادي والعائلة تعيش في هدوء إلى أن جاء يوم “الرحلة”، حين اقتنى والدها مسكنا جديدا، وهنا رفضت الفتاة الرحيل ومغادرة حضن وعاطفة الجدة التي غمرتها في صغرها وظلت معها لفترة، غير أن والدتها تمسكت بأخذها رفقتها في محاولة ﻹعادة حبها لها، وهو ما حزّ في قلب الفتاة ولا زالت تحاول التعايش معها ليومنا الحاضر، تقول “لا زلت أزور بيت جدتي كثيرا على الرغم من مغادرته وسأبقى وفية لها .. أطال الله في عمرها وحفظها لي”.“الجارة .. الحضن الدافئ”حالات عديدة تلك التي صادفت “الخبر”، أثناء بحثها في الموضوع، وصبت أغلبها، أنهم تعلقوا بالجارة، “ع. م« في 15 عاما، لا يزال يقصد جارته التي يقول إنها كانت الحضن الدافئ الذي ينام عليه أوقات وجود والدته بوظيفتها، التي تشتغل فيها كأستاذة. ويضيف أنه سئم الوضع سيما وأنها تعمل في أوقات الفراغ وتقدّم دروسا خصوصية للتلاميذ وهو ما زاد في متاعبه رفقة أشقائه. معتبرا أن والدته التي كان يقضي لديها مجمل وقته وتعطف عليه هي من يعتبرها أمه، “سهام. ك« في38 عاما، رغم سنها هذه كما تقول إلا أنها بقيت محافظة على زيارة والدتها التي ربتها أثناء تواجد والدتها البيولوجية بالعمل الذي كانت تقضي فيه الوقت أكثر من قضائه برفقتهم، فهي تقول “عثرت على الحنان في جارتهم التي بلغت من العمر عتيا، والغائب لدى أمها التي ولدتها”. كمال وفيصل شقيقان لم يبلغا العشرين بعد، تحدثا لـ “الخبر”، باختصار عن تجربتهما بكثير من اﻷلم والحزن، فعمل والدهما بإحدى الولايات الجنوبية وتمسك والدتهما بوظيفتها بأحد البنوك، خلّفا لهما فقدانا كبيرا في العاطفة وافتقارا لحب الأم والأب معا، والذي وجداه لدى والدة صديقتهم الجارة، التي حسبهما، هي من اعتنت بهما وربّتهما وليس من أنجبتهما وهما يكنّان لها كل الحب والاحترام لما قدّمته لهما.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات