38serv
يمر العيد الخامس على التوالي على اللاجئين السوريين مليء بالحسرة والغصّة، بعيدا عن مدنهم وقراهم وأهاليهم، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها نتيجة تشتّتهم في مخيمات تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة، لكنها تبقى أحسن من براثن الحرب ودوي القنابل والمتفجرات التي تعصف بسوريا الشهباء. “الخبر” رافقت اللاجئين في مركز استقبال اللاجئين بسيدي فرج وشاركتهم فرحة عيد الأضحى. بدا معظم اللاجئين الذين تحدثت “الخبر” معهم في مخيم سيدي فرج بالجزائر العاصمة، يائسين ومحبطين، فوحدها مظاهر البؤس والشقاء تطالعك على وجوه أطفال المخيمات الذين عانوا وأهلهم التهجير أكثر من مرة قبل أن يستقروا في الجزائر.تقول أم زياد، صاحبة 40 سنة، إحدى الذين اشتاقوا أجواء العيد في منازلهم بين أهلهم منذ سنتين، تاريخ قدومها الجزائر رفقة زوجها وطفليها، وعلامات الأسى تطبع محياها: “عن أي عيد تتحدثون؟ فالعيد يحتاج إلى أقارب وعائلة ومنزل وعادات وتقاليد”، قبل أن تتابع “الحمد لله، مبسوطين في بلدنا الثاني الجزائر بعيدا عن وقع البراميل المتفجرة، لكن يبقى حنين الأهل والأقارب يشدّني في كل لحظة”.حال أم زياد المهجّرة رفقة باقي عائلتها من دمشق ليست بأفضل من أم مثنى. فربة العائلة الخمسينية ذات الأصول الجزائرية التي يعجز زوجها على العمل بسبب الإعاقة، ينتابها عند حلول كل عيد قلق على مستقبل أبنائها، فهي لم تتمكن من الحصول على منحة والد الشهيد منذ 3 سنوات تسمح لها بشراء الغذاء ورعاية أبنائها الثلاث...” اشتقت إلى بلدي، لو كان بوسعي السفر لسافرت حينا”. أما السيد محمد عرب الذي يشغل هو وعائلته “شاليه” يتقاسمونه رفقة عائلة سورية أخرى، تفتقد لأدنى شروط الحياة، فملامح التعب طبعت محياه ومشقة الحياة برزت على تقاسيم وجهه. يقول محدثنا إنه توقف عن العمل منذ 3 أشهر الذي كان يشغله كسائق شاحنة.. “أخرج يوميا أبحث عن منصب عمل بالمدن القريبة من سيدي فرج”، توقّف برهة تم استرسل يقول “اسمي يدل على نسبي.. فأنا سوري فلسطيني من أصول جزائرية، جدي الأول جزائري عاش في سوريا نهاية القرن الثامن عشر، وها هو القدر يعود بنا إلى بلدنا الثاني الجزائر”. كان زياد، صاحب 4 سنوات، يركض رفقة أقرانه داخل المخيم الذي يضم أكثر من 40 عائلة لجأت إلى حضن الجزائر بحثا عن الأمن والأمان. كانوا أطفال من مختلف الأعمار يلعبون قرب الأضاحي التي تصدّقت بها إحدى الشركات للهلال الأحمر الجزائري.الفرحة تغمر قلوبهم والابتسامة ارتسمت على وجوههم البريئة، إلا أن معالم الشقاء والبؤس برزت جليا على محياهم، بسبب الأوضاع الاجتماعية وشروط العيش التي يعيشون فيها. اقتربنا من سيد في عقده الخامس وجدناه جالسا في كرسيه يرتشف فنجان شاي في بهو “الشاليه”، حيث كشف لنا أن ابنته الصغيرة تدرس في مدينة الشراڤة وتقطن رفقته بالمخيم، مما دفعه إلى تركها تبيت عند شقيقه المقيم هو الآخر رفقة عائلته في الشراڤة وفي عطلة الأسبوع يصطحبها إلى المخيم. تبادلنا أطراف الحديث مع محدّثنا وخضنا في أمور عدة، بدءا من الأوضاع التي يعيشها رفقة أهله بالمخيم، إلى الأمور السياسية ودهاليس الحكم في سوريا والجزائر ومافيا الحروب أو كما يحلو له تسميتها بـ«تجار الحروب”.. وتحسر كثيرا عن تدمير بلاده وعن فقدان ابنه صاحب 18 سنة في الحرب، لكن الغريب في الأمر كله هو تحفظه عن ذكر اسمه، خوفا من ردة فعل سلبية من السفارة السورية في الجزائر التي تعرفه جيدا.هاجس الخوف الذي يعاني منه محدّثنا، لمسناه لدى أغلب من تحدثنا معهم ما يدل على أن الشبح لا يزال يطاردهم أينما ذهبوا ومهما فروا وابتعدوا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات