38serv
أصبحت جرائم القتل كابوس مرعب يخيّم على حياة الكثير من أحياء سوق أهراس. ولعل الجرائم المتتالية التي شهدتها مؤخرا هي بمثابة ناقوس خطر يستوجب على المعنيين التدخل لمحاصرة أسباب وقوعها وإيجاد العلاج لهذه الظاهرة التي تبلورت في شكل عصابات لا تتوان عن استعمال شتى أنواع العنف والترهيب.الجريمة التي باتت اليوم أمرا واقعا في سوق أهراس، تحولت أكثر من أي وقت مضى، إلى سلوك عادي تتبناه فئة عريضة اتخذت من العنف والتهديد منهجا للحياة بدل الاحتكام إلى منطق العادات والأخلاق التي دأب عليها المجتمع.فقد عرفت الجريمة خلال السنوات الماضية، تطورا مذهلا، أرجعه البعض لتراجع الدور التربوي للأسرة والمؤسسة التعليمية في متابعة الأطفال ومراقبتهم، مما جعل مظاهر الخوف وانعدام الإحساس بالأمان يقودان إلى اعتماد أساليب العنف بداية من سن الطفولة، وهو ما يفسّر حاليا استعمال المراهقين والشباب مختلف أنواع الأسلحة، كالسكاكين والسيوف التي باتت في متناولهم، بل أصبح الكثير من المراهقين والشباب لا يتوانون عن إشهار أسلحتهم علنا ويجوبون بها الشوارع والأماكن العمومية دون أي حرج، متعمدين جلب انتباه الآخرين لتخويفهم وترهيبهم.كسر حاجز الخوف من العقابيجمع أغلب سكان سوق أهراس، أن المشكل القائم حاليا، والذي يقف وراء انتشار الآفات الاجتماعية ومختلف أشكال العنف والفوضى في سوق أهراس، هو عدم معاقبة مرتكبي الجريمة.ظاهرة انتشار العنف باستعمال مختلف أنواع الأسلحة، تبدأ من تلك المشاحنات والمعارك الفردية والجماعية التي تشهدها الأحياء والتجمعات السكانية لأسباب عادة ما تكون تافهة، لكن عواقبها وخيمة في النهاية، وإلا كيف تفسر حالة سوء تفاهم وقع بين سائق دراجة نارية وآخر يقود سيارة، حتى يقوم الأول بسحب شفرة حادة ويهشّم بها رأس الثاني ثم يلوذ بالفرار، تاركا إياه يسبح في بركة من الدماء على قارعة الطريق الوطني 16 في حي جابر بن حيان وسط مدينة سوق اهراس.الأمثلة على العنف الاجتماعي المتزايد يعود أيضا حسب آراء بعض المختصين المعماريين في مدينة سوق اهراس، للطابع الفوضوي الغالب على النسيج الحضري للمدينة، والذي يؤثر، حسبهم، سلبا على التنشئة الاجتماعية.فمن الأحياء الفوضوية التي تعج بالسكان، حي لعلاوية، مزغيش، ابن رشد، غلوسي وغيرها، حيث تسجّل فيها أغلب حالات التعدي بالعنف وانتشار الآفات الاجتماعية، فإذا ما استثنينا السرقة، حسب السيد لزهر كواشي وهو معماري، فإن ظاهرة البناء العشوائي المتداخل ولّدت لدى القاطنين حالة من الضغط النفسي، سيما في الوضعيات التي تترتب عنها نزاعات بين الجيران، مما يخلّف لدى الأجيال نزعة البغض والكراهية للآخر، وقد تتطور وتنمو إلى أساليب ملموسة وعملية تتسبب في إلحاق الأذى بالآخر.الشرطة في مواجهة كولومبيالعل أدقّ وصف أطلقته مجموعات شبانية من سكان حي العلاوية على حيهم هو تشبيهه بـ“كولومبيا” بسبب الانتنشار الكبير للمخدرات والحبوب المهلوسة بالعديد من الأحياء الفوضوية. وتجد مصالح الأمن صعوبات جمة في محاربة الظاهرة، والتوغل داخل هذه الأحياء الضيقة بأزقّتها المتداخلة، فالولوج إليها كمن يدخل متاهة مظلمة، حيث يستعصي الخروج ما لم تتم الاستعانة بسكان تلك الأحياء، مما شجّع على ظهور العصابات التي طوّرت أساليب التعامل والتأقلم مع الظروف التي باتت واقعا يوميا حتى بالنسبة للعائلات المقيمة في هذه الأحياء التي تبدو مستسلمة رغم رفضها لهذا الواقع وامتعاضها منه.وحسب مصدر من مصالح الأمن الولائي في سوق اهراس، فمراقبة الوضع في الأحياء الفوضوية أو في الحالات التي تتطلب التدخل أو المطاردة من أجل توقيف عنصر أو عناصر إجرامية، يصطدم بهاجس الوضعية العمرانية لهذه الأحياء، حيث كثيرا ما يتعرّض أعوان الأمن للرشق بالحجارة والكلام البذيء، كما تم تسجيل العديد من الحالات من هذا النوع في صفوفهم، ليبقى السؤال المطروح، هل تحولت فعلا سوق أهراس إلى مدينة شبيهة بمدن كولومبيا؟ سوق اهراس المرتبة الأولى في الجريمةوبالعودة إلى تنامي جرائم القتل التي شهدتها سوق أهراس على مدى الأشهر القليلة الماضية والمقدّر عددها بخمس جرائم وضعتها في المرتبة الأولى وطنيا، حسب تقدير مصالح الأمن بداية من جريمة سدراتة، حيث قتل الشاب “ق.ح” في حفل زفاف بحي العامرية، وآخر على يد شقيقه ببلدية عين الزانة، وتضاف لهذين الجريمتين في عاصمة الولاية، مقتل سبعيني “ل. م” 40 سنة يعمل “كلوندستان” منذ سنوات على يد مجرم من حي برال صالح، عثر على جثته في منطقة سبعة قناطر شرقي سوق أهراس.ولم تنته سلسلة الجرائم، حيث عثر بعدها في نفس المكان، على جثة الشاب “ق. م” 25 سنة بعد أسبوع من اختفائه، قبل أن يهتز سكان منطقة فطومة السودة على وقع جريمة قتل ارتكبها شاب آخر يبلغ من العمر 22 سنة في حق شقيقته التي تكبره بعامين لرفضها ووالدتهما تمكينه من مبلغ مالي لشراء الحبوب المهلوسة.المدرسة في قفص الاتهامالحقيقة التي بات يعرفها سكان سوق أهراس، أن تعدد أشكال الجريمة، لا تعود لاستهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة فقط، بل للبطالة والفقر وانعدام مراكز الترفيه التي تستقطب شريحة الشباب المتهم أكثر من غيره في قضايا الإجرام .كما أرجعها الأمين الولائي لاتحاد الشبيبة العابد عبادلية لعوامل أخرى مرتبطة بالتربية الأسرية وتفسخ قيم المجتمع وتفشي العنف في الوسط المدرسي، مؤكدا في نفس الوقت على تدخل الظروف المعيشية القاسية في تحديد سلوكات الشباب، وهو ما يلاحظ في الوسط الطلابي بالجامعة الذين يميلون أيضا للعنف والتشدد أكثر من الحوار واللين بسبب سلوكات سيئة لبعض الأساتذة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات