38serv
لن تحتفل زكية، والدة ياسين العبيدي، بعيد ميلاده الـ27 يوم 29 أفريل المقبل. بالنسبة لها، ياسين الذي نفذ هجوم متحف باردو، وقتل السياح الأجانب، اختطفه إرهابيون من حضنها، وغسلوا دماغه وحولوه إلى إرهابي. وبالنسبة لوالد ياسين فإن ”الغدارين” من شبكات تجنيد الشباب للإرهاب، هم الذين غدروا بياسين وانحرفوا به إلى الفعلة الدامية.ليست صدمة التونسيين من هجوم باردو الدموي أقل من صدمة عائلة أحد منفذي الهجوم، ياسين العبيدي، هنا في حي ابن خلدون، في العمراني الأعلى، تقيم عائلة ياسين.. حي راق، يضم عددا كبيرا من الفيلات، وتقيم عائلته في فيلا من طابقين.. هدوء الحي وطبيعته الراقية تطرد كثيرا من الأفكار والتحاليل التي تربط بالضرورة بين الإرهاب والفقر والجهل.في الطريق إلى بيت عائلة ياسينفي الطريق إلى بيت عائلة ياسين، كان سائق سيارة الأجرة التي أقلتنا، يتحدث عن حادثة باردو، ومع اقترابنا إلى الحي الذي تقيم فيه عائلته، كان السائق يؤكد أن ”الإرهابي الذي نفذ هجوم باردو يسكن في هذه المنطقة، يقال إنه كان شابا عاديا.. واضح أن المجموعات الإرهابية تستعمل شبابا يتقنون تقنية التخفي وراء مظاهر حياة اعتيادية لا تستقطب الشك والريبة باتجاههم”.. لم يكن السائق يعلم أننا نتوجه إلى منزل عائلة ياسين التي نصبت خيمة صغيرة قرب المنزل لتلقي التعازي، وفي الخيمة كان يقعد محمد العربي العبيدي، والد ياسين، متحسرا على ما حدث، ينتظر المعزين في مقتل ابنه الذي فجر صدمة كبيرة في تونس، وأنجز عملا إرهابيا أعاد تونس إلى واجهة الأحداث، وأهدر جزءا كبيرا من المجهود الذي قامت به تونس خلال ثلاث سنوات من الانتقال الديمقراطي. ومع كل تلك الحسرة والخجل مما ارتكبه ابنه، لا يمانع محمد العربي في الحديث عن ابنه وتفاصيل حياته، والمرة الأخيرة التي رآه فيها كانت يوم الهجوم الإرهابي، التقته ”الخبر” فقال: ”لا أحد كان يتوقع من ياسين هذه الفعلة.. أنا في صدمة كبيرة، صدمة قاسية لن أفيق منها إلا بعد فترة طويلة، لا توجد العبارات التي يمكن لي أن أعبر بها عن الألم القاسي الذي يعتصرني”.اللقاء الأخيركان الحزن والأسى يخيمان على المكان، قال العم محمد، بعدما أكرمنا بكأس شاي: ”أم ياسين في حالة تعب نفسي وجسدي، لقد رأته يوم الحادث. أنا التقيته صباح الحادث عائدا من المسجد بعد صلاة الفجر، وطلبت منه أن يحمل لوالدته الحليب لكي تحضر له فطور الصباح.. تناول فطوره، وغادر إلى العمل كعادته، كانت تلك آخر مرة أشاهده فيها، ثم توجهت إلى عملي، وفي منتصف النهار سمعت بخبر الهجوم على باردو، فبقيت أتابع الأخبار كالعادة”. وأضاف: ”ياسين له مستوى جامعي، لقد درس اللغة الفرنسية، صحيح أنه عانى من البطالة لفترة، لكن لم تظهر أية مؤشرات على ياسين تفيد بتشدده أو تطرفه أو صلته بشبكات متطرفة، لم يكن يمنع الموسيقى أو التلفزيون في البيت، ولم يجبر أخته على ارتداء الحجاب، أخته لا ترتدي الحجاب”.سألت العم محمد العربي عما إذا كانت لديه من قبل شكوك في تشدد ياسين أو صلته بأشخاص مشبوهين، أو ما إذا كان لاحظ تغيرا في طبيعة سلوكه، فقال: ”المرة الوحيدة التي ارتبنا فيها بشأن ياسين كانت في ديسمبر الماضي، وأنه كان بصدد إبلاغ مصالح الأمن عن تغيبه لفترة عن المنزل، لكن بعد عودته انتهت شكوكي، ولم أكن أتصور مطلقا أن ياسين على علاقة بأي جهة مريبة أو مجموعة إرهابية”.وذكر والد ياسين، الذي رفض أخذ صور له، أن اتصالات مريبة كان أجراها ياسين بعائلته في شهر ديسمبر الماضي، في فترة تغيبه عن المنزل لمدة 27 يوما، ومن أرقام هواتف غير معروفة في منطقة جربة أو صفاقس. وأضاف أن ”ياسين أبلغ العائلة حينها أنه موجود مع صديقة عراقية الأصل وأمريكية الجنسية، ورفقة عائلتها، وأنه يتصل من هواتفهم الأجنبية”.تبدي العائلة انزعاجها الكبير مما تتداوله وسائل الإعلام في تونس عن ياسين، دون أن تتحقق من المعلومات المنشورة، ويتولى عمه عبد المالك، وهو محامي ومنسق حزب ”نداء تونس” في منطقة الكاف، التصريح للصحافة، ورفض والد ياسين التقارير التي تشير إلى أن ياسين يعمل في وكالة سياحية وأنه استغل عمله لمعرفة موعد وصول الباخرة السياحية ”كوستا”، وموعد نزول السياح إلى متحف باردو. وقال الوالد: ”ياسين لا علاقة له بالعمل في وكالة السياحة أو القطاع السياحي، هو يعمل في وكالة لنقل البريد وإيصال الملفات بين الإدارات”. وأفاد بأن أخت ياسين هي آخر فرد من أفراد العائلة رأته قبيل تنفيذه الهجوم، حيث زارته في مقر الوكالة التي يعمل فيها، قبل أن يخرج من العمل، بعد أخذه فترة راحة، لكنه لم يعد، وتوجه لتنفيذ فعلته الدامية”. وبعد فترة من تغيب ياسين عن العمل، اتصلت الوكالة التي يعمل فيها بأخته لإبلاغها بأنهم يحاولون الاتصال بياسين، لأن لديه عملا ويجب أن ينجزه، وأنهم لم يتمكنوا من الاتصال به، في الوقت الذي كان ياسين ينفذ هجومه.الاستدراجيؤكد وليد، وهو ابن عم ياسين ونديمه، لـ«الخبر”، أنه لا يصدق ما حدث، ”لا أكاد أصدق حتى اللحظة أن ياسين يمكن أن يقوم بهكذا عمل، نحن مفجوعون، لا أحد في كل أفراد العائلة كان يتصور للحظة أن يقوم بهكذا عمل، إنه شخص عادي، وعلاقاته طيبة مع كل الناس، لديه علاقات مع البنات كما كل الشباب، في أكثر من مرة نتحدث في أمور حميمية”. وأضاف: ”لم تظهر على ياسين علامات التشدد، كنت أستمع للموسيقى من هاتفه، ولم تكن له أية قضايا أو مشاكل مع الأمن، لم يدخل المحاكم. أذكر مرة أنه تم توقيفنا، أنا وهو، من قبل مصالح الأمن لأننا كنا في حالة سكر وثمالة”. وأكد وليد: ”ياسين ذهب ضحية لتجار الدم والإرهاب، وشبكات تجنيد الشباب، وإذا كان ياسين قد راح بفعلته التي ندينها ونستنكرها، إلا أننا مصممون على معرفة تجار الدم الذين دفعوه إلى هذه الفعلة”، مشيرا إلى أن الفقر والجهل لم يكن لهما أي دخل في دفع ياسين إلى التورط في هذا الهجوم الإرهابي، وقال: ”لم يكن الفقر دافعا ولا الجهل، فهو إنسان متعلم وله مستوى جامعي، درس اللغة الفرنسية في الجامعة حتى السنة الثانية، وكما ترون، عائلته تقيم في فيلا، وفي حي يضم فيلات فقط، وليس في حي شعبي”.وأضاف: ”النظرية التي تربط بين الفقر والإرهاب ليست صحيحة بالضرورة ولا تنطبق على كل الحالات، هناك شبكات تقوم بغسل دماغ الشباب، وعلينا أن نتجند جميعا من أجل كشفهم، ومنعهم من تجنيد شباب آخرين”، وقال: ”إن اختيار ياسين لتنفيذ هذه الفعلة كان على أساس أنه غير معروف بتوجهاته السلفية ولن يلفت نظر الأمن”. وأكد نفس المصدر: ”العائلة تلقى التضامن من قبل جيرانها، إنها عائلة فقدت واحدا من أبنائها بفعل دموية شبكات ترغيب الشباب في الإرهاب واستدراجهم، كما أن مصالح الأمن تعاملت معها بكل احترام”.يفسر وليد اندفاع ياسين وغيره من الشباب إلى أحضان هذه المجموعات بأنه بحث عن ذات منهكة بفعل التبعات الاجتماعية، وبفعل الاستعداء الكبير والاستفزاز الواضح للقيم الدينية والهوية من قبل أكثر من طرف، هذا جزء مما يولد الكراهية لدى قطاع كبير من الشباب في تونس، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية المتصلة ببطالة الشباب.تركنا بيت ياسين وعائلته الغارقة في الأسئلة ولغز ياسين، وكيف يتحول شاب يافع يعيش حياته وشبابه بشكل طبيعي إلى الإرهاب، وكيف تفعل شبكات الدم لاستدراج هكذا شباب إلى أحضانها.. لغز لا تبحث العائلة فقط عن فكه، لكن تونس كلها أيضا، بعد أسبوع من الهجوم الدامي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات