+ -

هل من داعِ للتذكير بأن معظم الأفكار التي وردت في كتابات كمال داود الصحفية وفي روايته محلّ الخلاف، أو التي نُسبت إليه وثوقا أو تحريفا بسبب هذا الخلاف، والتي يتخاصم حولها المتخاصمون ويختلف من أجلها المختلفون، هي معروفةٌ منذ زمن بعيد عن الكاتب من خلال ما كتبه في أعمدته وافتتاحياته الصحفية، أو في إبداعاته. وهي  فوق ذلك أفكار مطروحة في الطريق بضاعةً مكدسةً في حانوت المنغصات الكبير منذ ما قبل نشأة الزمن الوطني العسير بكل ما يحمله من متروكات ومكبوتات وفلتات، يطّلع عليها القارئ ويسمعها السامع في كل لحظة على ألسنة من مكّنهم تكوينهم وموهبتهم ووعيهم من التعبير عن مواقفهم بخصوص الهوية والعروبة والدين واللغة والسياسة وغيرها من المواضيع التي تشغل الساحة الثقافية بطريقة عقلانية تعتمد الحوار الهادئ والنقاش البنّاء، ولكن كذلك على ألسنة من لم يتح لهم نصيب من الوعي بخطورة الكلمة وخطورة تداعياتها، ولم تُتِح لهم تجاربهم الحياتية إدراك هذه الخطورة على الرغم ممّا يبدونه من ثقافة وانفتاح وتبصّر، لكنهم تعوّدوا على الإدلاء بدلوهم من خلال التدخل العنيف في هذه القضايا، فيخوضون في النقاش كحاطب الليل لا يترك أمامه شيئا إلا وضعه في رحله، ويصلون إلى درجة توجيهه وفق مسارات ضيقة وخطيرة يسوقون الآخرين إليها سوقا بما يفجّرونه من كراهية في الأفكار، ومن تأزّم في المواقف، ومن عنف رمزيّ تنفر منه اللغة التي يكتبون بها مهما كانت هذه اللغة. 

ولعل هذا كلّه ينمّ  عمّا يحملونه من عُقد بعضها فوق بعض تعكس حالة مرَضيّة مُستعصية، لا تزيد لهذا النقاش إلا غموضا وتعقيدا، ولا يبالون بما يُنتجونه من غُصص في حقل الثقافة الحسّاس، وفي عالم الأفكار الخطير، حتّى لكأنّ الواحد يعتقد وهو يقرأ لبعضهم،  أن هذه الأفكار التي يتخاصمون حولها إنما وُجدت الآن، وقيلت لأول مرّة، ولم يسبق لأحد أن قالها من قبل، في حين أن التاريخ الوطني مليء بما يشبهها، وبما هو أشد منها خطورة وأكثر منها إثارة للمعارك الفكرية وللزوابع الأدبية. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات