38serv
إنّ من الأخطاء الّتي يقع فيها بعض النّاس الّذين يحضرون صلاة القيام أو التّراويح قيامُ البعض بالتّسجيل للشّيخ أو القارئ أثناء صلاة التّراويح، فتجد أحدهم إذا ركَع أغلَق المسجِّل أو هاتفه المنقول إذا كان التّسجيل ممّا يحتوي عليه هاتفه، وإذا قام من السّجود أعاد فتْحَه، وهذا العمل ليس من مصلحة الصّلاة أو أعمالها، ويكون جُلّ تفكيره وجوارحه مشغولة بآلة التّسجيل، فلا يَعي من الصّلاة ولا من قراءة الإمام شيئًا.فعلى مَن يفعل هذا أن يكُفّ، وعلى الإمام أو أهل المسجد إذا علموا بوقوع مثل هذا أن يُذكّروا النّاس، خصوصًا في المساجد الّتي يَؤُمّ النّاس فيها قُرّاء يُتقنون القراءة وذوي أصوات تجلب جماهير النّاس.ومن أخطاء كثير من المصلّين والمصلّيات الّذين يحرصون على أداء صلاة التّراويح تتبّعهم وقَصْدهم لمساجد معيَّنة للصّلاة فيها من أجل جمال الصّوت فقط وحُسن النَّبرة كما يقولون، ولا بأس أن يُقبِل النّاس على صاحب الصّوت الحسن، فإنّ الصّوت الحسن يَزيد القرآن حُسنًا، لكن من النّاس مَن يتتبّع المساجد لمجرد أنّ الإمام صوته حَسَنٌ، وهذا خطأ، إنّما ينبغي أن يكون الاستلذاذ بسماع كلام الله وفَهْمه أكثر من الاستلذاذ بسماع صوت القارئ ولَحْنه، لكن تجد بعضهم يتفاعل ويتأثَّر بالصّوت والألحان أكثر ممّا يتفكَّر في المعاني، فيذهبون إلى القارئ الفلاني لمجرّد أنّ صوته جميل، وهذا الفعل فيه عدّة محاذير، منها أنّ الشّارع نَهى عن هذا الفعل؛ فقد أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ليُصلِّ الرّجل في المسجد الّذي يَليه، ولا يتتبَّع المساجد”.ويؤدّي تتبُّع المساجد من أجْل الصّوت الحسن فقط إلى الذّهاب إلى مسجد بعيدٍ في بعض الأحيان، وهذا يؤدّي بدوره إلى ضياع الأوقات، وطول المسافات الّتي تقطعها النّساء ذهابًا وإيابًا، خصوصًا وأنّ الزّمان ليل، ففيه كثير من المحاذير، ولو صُرِف هذا الوقت في التقدُّم إلى مسجده المجاور، والحرص على الصفّ الأوّل وتكبيرة الإحرام؛ لكان في ذلك من الأجْر أضعافُ أضعاف ما يَطلُبه هؤلاء المتتبّعون.ومن المحاذير في هذا الفعل أنّه يَفتقد الالتقاء بين الجيران وجماعة المسجد، وعلّق الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله، عن هذا الفعل، فقال: أرى أنّه لا بأسَ في ذلك، لكن الأفضل أن يُصلِّي الإنسان في مسجده؛ لأجل أن يجتمعَ النّاس حول إمامهم وفي مساجدهم، ولأجل ألاَّ تخلوَ المساجد من النّاس، ولأجل ألاَّ يَكثرَ الزّحام عند المسجد الّذي تكون قراءة إمامه جيِّدة فيَحدث من هذا ارتباك، ورُبّما يَحدث أمْرٌ مكروه؛ ولهذا نحن نرى أنَّ الإنسان يبقى في مسجده لِمَا في ذلك من عمارة المسجد، وإقامة الجماعة فيه واجتماع الجماعة على إمامهم، والسّلامة من الزّحام والمشقَّة.ومن أخطاء عامة المصلّين في رمضان، إقبال بعض الّذين لا يفقهون في أمر الصّلاة على مزاحمة أهل المسجد في الصفّ الأوّل، ونقصد بأهل المسجد المصلّون المداومون على الصّلاة على مدار العام، ومن صفات هؤلاء المتقدّمون أنّه ليس لهم أدنى وعي وفقه في كيفيَّة ترقيع الصّلاة، بل وتجدهم يُسارعون على الفتح على الإمام إذا الْتَبَست عليه القراءة إذا كان الإمام يقرأ فيما يحفظونه من أوائل السور وبعض الآيات المشهورة، فتجد في صلاة التّراويح أو التهجُّد إذا أخطأ الإمام أو توقَّف قليلاً ليأخذ نَفَسَه أنّ مَن خلفه ومَن على أطراف الصّفوف وخلفها يفتحون عليه، ويَحدث ضجيج وتشويش على الإمام، ولا يفْهَم شيئًا ممّا قالوه، فعلى الصّنف من هؤلاء أن يتركوا المجال لأهله، فإنّ الإمام ولاشكّ أنّه قد أخذ الحيطة في هذا الأمر، فهو متّفق مع من ينوبه في كيفية الفتح عليه ومتى، وهذا الأمر لا يخفى على حفظة القرآن، لكنّه يخفى على عموم النّاس، فهذا لا يَليق بحُرمة الصّلاة، ولا بآداب المسجد، فليَحرص كلُّ مأمومٍ على أن يتأنَّى، وَلْيَوَدَّ أنَّ غيرَه كفاه.ومن أخطاء النّاس في رمضان اعتقاد البعض، أنّ صلاة التّراويح في جماعة هي من سُنّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنّها ليست من سُنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والجواب أنّ هذا قول ضعيف وخاطئ، فقد قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه ثلاث ليالٍ، وفي الثالثة أو الرّابعة تخلَّف ولَم يُصلِّ، وقال: ”إنّي خشيتُ أن تُفرض عليكم” رواه البخاري ومسلم، فثبتَت التّراويح بسُنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذكَر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المانع من الاستمرار فيها، وهو خوفه أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه لَمّا مات عليه الصّلاة والسّلام انقطَع الوحي فأُمِن من فرضيتها، فلمّا زالت العِلَّة وهو خوف الفرضيّة بانقطاع الوحي، ولم يحدث اجتماع عليها في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وكانت مدّة خلافته سنتين وأشهُر وكان مشغولاً بتجهيز الجيوش لقتال المرتدِّين وغيرهم، فكان من النّاس من يُصلّي وحْده، ومنهم من يُصلّي مع الرجلين، ومنهم مَن يُصلّي مع الثلاثة، فلمّا كان عهد عمر رضي الله عنه، خرَج ذات ليلة فوجَدهم يصلّون أوزاعًا، فلم يُعجبه هذا التفرُّق، وأمَر تميمًا الدّاري وأُبي بن كعب أن يقومَا للنّاس جميعًا ويُصلِّيا بالنّاس إحدى عشرة ركعة، وبهذا عرَفنا أنّ فِعْل عمر ما هو إلاّ إعادة لأمرٍ كان مشروعًا.فعلى النّاس أن يحرصوا على هذه الصّلاة في هذا الشّهر المبارك، وعلى الّذين لا يعرفون من الدّين إلاّ بعض المسائل الّتي تعلّموها فضيّقوا فيها أن يُمسكوا عمّا لا يُعنيهم، وإذا أرادوا ألا يُصلّوا فما عليهم إلاّ أن ينسحبوا وحدهم دون أن يسحَبوا معهم من جهل أمر الدّين أكثر منهم، وذلك حتّى لا يحرموا النّاس من الأجر إذا رضوا لأنفسهم الحرمان من الأجر.
إمام مسجد الشّهداء - بوروبة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات