38serv
يبقى السلوك الإسرائيلي إزاء الملف النووي الإيراني تحكمه عدة اعتبارات استراتيجية على رأسها إصرار تل أبيب على الإبقاء على التفوق القائم على الغموض النووي والردع في آن واحد، وتفادي كسر الاحتكار النووي القائم منذ التأكيد على حيازة إسرائيل السلاح النووي. ورغم التصريحات المعلنة من قبل القادة الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن الاتفاق الإيراني الغربي يصب في مصلحة تل أبيب بكل تأكيد.وترتكز المقاربة الإسرائيلية إزاء الملف النووي الإيراني على جملة من الاعتبارات، بداية بمنع كسر الاحتكار النووي والإبقاء على التفوق الاستراتيجي القائم، وهو ما دفعها إلى القضاء على البرنامج النووي العراقي، وقصف في بداية الحرب العراقية الإيرانية المفاعل النووي “تموز أوسيراك” في 1981، والتلويح مرارا بإمكانية استهداف المنشآت النووية الإيرانية، ولكن “التهديدات” الإسرائيلية ظلت في حدود الاستعراض على عكس ما قامت به في العراق وسوريا، رغم الكشف عما سمي عملية “بابل 2” لتدمير مصانع الصواريخ والمفاعلات الإيرانية، في وقت برزت معطيات إقليمية تشكل مصدر قلق لتل أبيب، وتحاول توظيفها لصالحها، مع توجيه رسائل ضمنية مثل اعتماد “سياسة ضرب الأطراف” الإيرانية في سوريا ولبنان، حسب ما أشار إليه الخبير افرايم امبار والديبلوماسي اينمار رابينوفيتش، من أن إسرائيل تضرب الأسد ونظامه كأول الردود، بعد تهديد قائد الحرس الثوري مجندي ذو النور بأن إيران ستحطم تل أبيب في 10 دقائق إذا ارتكبت خطأ المساس بالمنشآت النووية.الاحتكاكات الإسرائيلية الإيرانية قائمة منذ سنوات والحرب غير المعلنة قائمة أيضا بالوكالة، حيث واجه “حزب الله” القوات الإسرائيلية وحال دون تحقيق كل أهدافها في جنوب لبنان في 2006. وأدت الحرب إلى تدعيم الحزب عسكريا، ولايزال رقما صعبا في المعادلة، رغم انسحابه من خطوط التماس، كما واجهت إسرائيل “حماس” في غزة في 2012 و2014، بأدوات ووسائل تختلف عن الحروب التقليدية العربية الإسرائيلية، وبمفاهيم حروب العصابات أو الحروب اللامتوازية المكلفة والمرهقة.وتعتبر إسرائيل أن الامتداد الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، ثم انتقال قوات الحرس الثوري وحزب الله والباسيج إلى سوريا لدعم دمشق، يوسع من دائرة الاحتكاكات ويجعل إسرائيل منكشفة في عمقها الاستراتيجي مع تطوير منظومة الصواريخ الإيرانية لاسيما “شهاب” التي يمكن أن تصل من موقعها في سوريا بالخصوص إلى العمق الإسرائيلي. وقد أبانت العملية التي استهدفت قيادات حزب الله والحرس الثوري في سوريا منذ 2008 والتي أودت بحياة عماد مغنية، ثم قائد الحرس الثوري حسن شاطري والجنرال محمد على الله دادي ونجل عماد مغنية ومحمد عيسى أحد مسؤولي ملفي العراق وسوريا، عن رسائل مباشرة موجهة من تل أبيب لطهران بعدم تجاوز “الخطوط الحمراء” والإبقاء على حالة الحرب الباردة أي القوة اللينة، بدلا من اللجوء إلى القوة الصلبة وإن كان ذلك بالوكالة. وإذا كان الصحفي البريطاني روبير فيسك قد اعتبر مواقف إسرائيل من إيران متطابقة مع موقف السعودية، بالنظر إلى الامتداد الجغرافي الإيراني الذي يماثل في جوانبه، حسبهم، إستراتيجية “تصدير الثورة”، فإن تل أبيب توظف دائما هواجس المخاطر الأمنية لاستثمارها سياسيا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات