38serv
يُعرّف العلماء البِشارة بكسر الباء بأنّها ما يُبِشِّرُ به الإنسانُ غيره من أمر، أمّا البُشارة بضم الباء فهي ما يُعطاه المُبشِّر بالأمر، أي: إذا بشّرك إنسان فأعطيتَه شيئًا فهذه العطية تسمّى بُشارة، وحامل البُشرى يُسمّى البشير، قال ابن الأثير رحمه الله: البُشارة بالضمّ ما يعطى البشير، وبالكسر الاسم، وسمّيت بذلك من البشر وهو السّرور؛ لأنّها تُظهر طلاقة وجه الإنسان.والبِشارة إذا أطلقت فهي للبشارة بخير، هذا هو الأصل، ويجوز استعمالها مقيّدة في الشرّ، كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} آل عمران:21، وقد جاء في الحديث الصّحيح قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا حضره الموت بُشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه...”، والآيات الّتي فيها التّبشير أو البشارة بالعذاب الأليم للكفار كثيرة، لكن استعمال البشارة في الخير هو الأصل، وقد ورد في القرآن في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} الصّافات:101، وقال سبحانه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} هود:71، وبُشّرت مريم بكلمة من الله، والبشارات الّتي ذكرت في القرآن كثيرة.والتّبشير بالخير والشّيء الطيّب السّار والأمر المفرح من السّنّة، وقد بشّر الله عزّ وجلّ المؤمنين ببشارات كثيرة، وكذلك فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه وأمّته حيث بشّرهم بأمور كثيرة، فأمّا أعظم ما بُشّر به المؤمن فهو البِشارة بما أعدّ الله له، قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة:25، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يبشّر بالأمور الدّينية كثيرًا، ولم يكن يُبشّر بمَن جاءه ولد أو مال أو هدايا أو نحو ذلك، بل كان صلّى الله عليه وسلّم كثيرًا ما يبشّر بالأمور الدّينية.ومن البشائر الدّينية الّتي بشّر بها المسلم أنّه إذا عمل عملاً صالحًا ثمّ تكلّم النّاس عن هذا العمل وتحدّثوا به ونشروه وحمدوه عليه فهي بُشرى له ما دام لا يقصد إلاّ وجه الله، فهذا الحمد لا ينقص من أجره، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي ذرّ قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيتَ الرّجلَ يعملُ العمل بالخير ويحمده النّاس عليه؟ قال: ”تلك عاجل بشرى المؤمن”.والبُشرى تكون في أمور كثيرة، ولو كان النّاس يرون فيها السّوء والحُزن، فقد عاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ العلاء في مرضها فقال: ”أبشري يا أمّ العلاء؛ فإن مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تذهب النّار خبث الذّهب والفضة” رواه أبو داود.ومن النّاس الّذين يُبشّرون بالأجر أهل المصائب مثل مَن مات له ولد، فعن أبي سنان قال: دفنت ابني سنانًا وأبو طلحة الخَولاني جالس على شفير القبر، فلمّا أردتُ الخروج أخذ بيدي فقال: ألاّ أبشّرك يا أبا سنان؟ قلت: بلى. قال: عن أبي موسى الأشعري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتُم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمِدك واسْتَرجَع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد”.ومن المَوَاطن الّتي يُبشّر فيها الشّخص عند نزول الموت به، فإذا كان من أهل الصّلاح والخير فإنّه ينبغي أن يُبشّر بثواب الله حتّى يموت وهو يُحسن الظنّ بربّه، فإنّه لمّا طُعن عمرُ رضي الله عنه دخل عليه شاب من الأنصار فقال: أبْشِر يا أمير المؤمنين ببُشرى الله، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علِمت، ثمّ استُخْلفت فعَدَلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه.ومن النّاس الّذين يبشّرون أيضًا طلاب العلم، خصوصًا مع ما يلقونه من صعاب وأتعاب ونقص ذات اليد، فهم وإن كان مَن يراهم يحزن لحالهم ويشفق على ما آل إليه حال العلم وأهله، فهؤلاء ينبغي تبشيرهم ورفع معنوياتهم، فهم الّذين يَستغفر لهم الحيتان في البحر، ولكن النّاس لا يعلمون، فعن عاصم بن زر بن حبيش قال: غدوتُ على صفوان بن عسال المرادي وأنا أريد أن أسأله، فقال: ما جاء بك؟ قلتُ: ابتغاء العلم، قال: ألاَ أبَشِّرُك؟ قلت: بلى. قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رِضًا بما يصنع”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات