علوي..طبيب جسّد أسمى صور الإنسانية

38serv

+ -

صنعت وفاة جراح العظام، علوي محمد وليد، الحدث هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مدينته بسكرة ومدن أخرى، كالجزائر العاصمة بالنظر إلى ظروف الوفاة التي حدثت عندما خاطر هذا الطبيب بحياته وقدم الإسعافات لعائلة تعرضت لحادث مرور بمنطقة الأخضرية، ليجسّد أسمى صور الإنسانية ويكتب رسالة نبيلة لمهنة الطبيب بأحرف من ذهب .ودون شك سيبقى هذا الموقف البطولي الشهم محفور في ذاكرة الجميع خاصة أهل الاختصاص.يروي أفراد عائلة الطبيب، علوي محمد وليد، تفاصيل الحادث الذي أودى بحياة ابنهم بألم وحزن، فالجميع بدا متأثرا خاصة الأب عمي سليم المعلم ومدير المدرسة المتقاعد الذي تكنّ له بسكرة احتراما كبيرا، فلم يستطع التحكم في دموعه وفضّل الابتعاد تاركا المجال للأبناء هشام وشاكر والخال سويكي عبد الماليك والصهر أمين لسرد هذه المأساة، حيث قالوا إن وليد كان مع والدته التي تعاني الشلل في الطريق إلى العاصمة لحضور عرس ابن أختها، وفي منطقة الأخضرية وقع حادث مرور في حدود الحادية عشرة ليلا، وكان الجو ممطرا فأوقف سيارته تحت جنح الظلام وأراد تقديم الإسعافات للعائلة التي تعرضت للحادث نتيجة اصطدام عدة مركبات، ولما نزل سألته والدته أين أنت ذاهب فقال لها "راح ندير واجبي".وبالفعل تمكّن من إنقاذ وإخراج ثلاثة أطفال من السيارة وانشغل بنفس المهمة مع الزوج والزوجة، وفي الأثناء تجاوزت شاحنة للحافلة اعتقد سائقها أنها متوقفة فقط ولم يعلم أن هناك حادث كبير، فالشاحنة فاجأت وليد الذي حاول تفاديها بالقفز على العازل الحديدي ليقع ويسقط في منحدر الموت بعمق قارب 110 متر يقع بين طريقين اعتقد أنه لا فراغ فيه .وأضاف من تحدّث إلينا، أن الوالدة بقيت في السيارة تنتظر ولم تعلم أن فلذة كبدها توفي، حيث لم يخبرها عناصر الدرك والحماية المدنية بحقيقة ما جرى وأعلموها أنه يقدّم العلاج فقط للمصابين.وفي هذا الصدد، يقول أخوه شاكر الذي سبقه بساعات في هذه الرحلة، أنه كان في اتصال دائم معه بالهاتف ولم يرد، الأمر الذي زاد من قلقه إلى أن أجابه أحد أفراد الدرك أو الحماية، ليعلمه أن أخيه أصيب في يده ولا يستطيع السياقة وطلب منه التقرب أمام فرقة الدرك ببلدية الأربعطاش لاسترجاع السيارة والوالدة.الصهر أمين القاطن بالعاصمة، والذي يعدّ من المقربين من الفقيد، يقول إنه حضر بعد أن اتصل به شاكر للتكفل بمراسيم الدفن، وهناك اكتشف أن السقوط كان بعمق 110 متر، والمثير أن المرحوم لم يصب بأي خدش أو رضوض، فجسده كان سليما وكأنه كان نائما وحوّل من مكان إلى آخر فقط.متفوّق في الدراسة ومسخّر للعمل الخيرييجمع كل من تحدّثنا معه، أن الفقيد كان جادا في عمله ومخلصا ومحبا لفعل الخير، فهو يبلغ من العمر 36 سنة وكان متفوقا في دراسته وفي مستشفى لمين دباغين "مايو" بباب الوادي بالجزائر العاصمة، حاول من أشرف عليه في فترة التربص أن يواصل العمل بهذا المستشفى، لكنه فضّل العودة إلى بسكرة، أين عمل لعامين كخدمة مدنية بمستشفى بشير بن ناصر، لكنه اصطدم بنقائص عديدة دفعته رفقة عدد من زملائه لشن حركة احتجاجية في محاولة لتغيير الواقع وتحسين ظروف العمل.وبعد انتهاء مدة الخدمة، انشغل بالعمل الخيري لدى بعض الجمعيات والعمل التطوعي. وكان بصدد دراسة عدة مشاريع ومقترحات، منها فتح عيادة خاصة أو الهجرة إلى الخارج وبالتحديد إلى كندا، حيث لوحظ عليه في المدة الأخيرة اهتمامه الزائد باللغة الإنجليزية وركّز على تحسين أدائه.الحكيم جبار الذي كان قريبا منه في الجامعة ومستشفى بشير بن ناصر وبشكل يومي، يؤكد أن وليد كان خلوقا، متواضعا، لا يتفوّه بكلمة لا في العمل أو يصد أي سائل، وكان مهتما بالمرضى حتى أيام العطل.ويضيف الحكيم جبار أنه كان يقصد عيادته لمراقبة وفحص مرضاه بعد العمليات ودون مقابل. مضيفا أنه الوحيد الذي يستشيره في الأمور المهنية بحكم تمكنه في اختصاصه، ليؤكد أن مهنة الطب خسرت طبيبا مثابرا ومخلصا.نفس القول ردده الصهر أمين الذي أجرى له في وقت سابق عملية جراحية واحتك به كثيرا، إذ يقول إن المرحوم لا يعرف التعب ويقدّم خدماته للجميع وليس شرطا أن يعرفك لكي يقدّم لك العون والمساعدة ولا يحتاج إلى موعد مسبق وبعبارة أدق هو "سخون في الخدمة"، ويكفي أن زملاؤه في مستشفى "مايو" عبّروا عن حبهم له بوقفة للذكرى كانت محل إشادة عبر "فايسبوك"، عرفنا وتقديرا لهذا الطبيب الذي دفع حياته ثمنا لواجب إنساني.والداه محطة هامه في حياتهويتفق الجميع أن الفقيد كان بارا بوالديه، خاصة الأم التي كان قريبا منها ومتكفلا بجميع حاجياتها، حيث يقول الأب عمي سليم، إن أمه عانت كثيرا من المرض وأصبحت مشلولة لا تقوى على الحركة، فوليد لم يبخل عليها بأي جهد، فهو الذي يعتني بها في جميع المسائل، وحريص على منحها الدواء والمأكل والمشرب.الحكيم جبار يقول إنه في بعض الأحيان "نكون معه في المقهى لأخذ قسط من الراحة ولما يحن موعد تغيير الحفاظات ينظر إلى ساعته ويستأذن ويطلب انتظاره بعض الوقت، كما كان يمتنع عن السفر من أجلها". إخوته قالوا إنه رفض الزواج مرات ومرات، وقال لهم إنه ليس بحاجة للزواج، فأمه هي حبيبته الوحيدة في هذه الدنيا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات