38serv
تعود ظاهرة السّبّ والشّتم في الملاعب الجزائرية إلى الواجهة من جديد بعد أن عمّت وكثُرت وانتشرت، وتتكرّر كلّ أسبوع بشكل يثير الخوف والفزع..
إنّ سبّ وشتم أمّهات اللاعبين بألفاظ نابية بعيدة كلّ البُعد عن أعراف وتقاليد المجتمع الجزائري، وهو أمر يتطلّب وقفة حقيقية للتّصدّي لها ومواجهتها وإيجاد الحلول اللازمة لها. وإنّ هذه الظاهرة الّتي خصّ بها الحراس على وجه الخصوص، وهي شتم الوالدة طوال فترات المباراة، آلاف الحناجر تشتم في نفس الوقت أمّهات لا ذنب لهنّ، إلاّ أنّهنّ ولدن أبناء أصبحوا حراسًا للمرمى في الرياضة الأكثر شعبية وهي كرة القدم، يحضر لها نهاية أسبوع، هؤلاء المغضوب عليهم من طرف الجمهور من غير جرم، شتم وسبّ يسمعونه من المدرجات من مشجعين يدّعون أنّهم يحبّون فرقهم، ظاهرة أحرجت حتّى مَن يشاهد المباريات من وراء شاشة التلفزيون، فما ذنب من ولدت ابنًا حارسًا للكرة، بل فيهنّ مَن هي في قبرها، لكنّها لم تسلم من ذلك السّبّ والقذف والكلام البذيء..يسعى الكثير من المشجّعين والمناصرين إلى التّقليل من عزيمة أو التّشويش على حارس الفريق المنافس أو الزّائر، لكن بطريقة خبيثة ومضرّة على نفسية الأفراد، وهي السبّ العلني لأقرب إنسان لكلّ واحد منّا وهي الأم، ملاعب تضمّ آلاف الأنصار لم يتّحدوا واقعًا، لكنّهم اتّحدوا على هذا الفعل المجرم وهو الجهر بالسّوء والشّتم العلني المباشر لوالدة كلّ حارس كرة قدم، تأتي في شكل لحن شنيع يهزّ المشاعر ويحزّ في القلوب، وربّما هي أمام شاشة التلفاز تسمع بأذنها هذا الفعل الشّاذ الّذي عاقبها به أشباه المناصرين من دون ذنب ولا حجّة.يقف الواحد منّا مذهولاً أمام سماع آلاف الحناجر تنادي بأعلى صوت بالشّتم والسّبّ لأمّهات أحياء أو أموات من دون ضمير ولا أدنى مستوى للتّربية.السبّ، الشّتم، العبارات العنصرية، العبارات الجهوية، الكلام البذيء، الملاسنات القبيحة، كلّها أوصاف لظاهرة خطيرة اجتاحت الملاعب الجزائرية في السّنوات الأخيرة، وهي تتقدّم في صمت وفي ظلّ تهاون الجهات الوصية على محاربتها، أو على الأقل الحدّ من انتشارها.إنّ هذه الظّاهرة الخطيرة تهدم قيم لعبة كرة القدم وأخلاقيات الرياضة والروح الرياضية، إنّ ممارسة كرة القدم ومشاهدتها ومتابعة أحداثها من التّرويح واللّهو مباح شرعًا، لكن يكتنف هذه اللعبة الرياضية الشّهيرة الكثير من المحظورات الّتي ينبغي التّعاون في مواجهتها. وإنّ السّكوت عنها سيؤدّي لا محالة إلى تفاقمها وإلى انحدار في الأخلاق والسّلوك.وإنّ مثل هذه التصرّفات لا يمكن تبريرها بحال، لأنّها خروج عن فطرة الإنسان قبل أن تكون خروجًا على الدِّين أو العادات والتّقاليد.فالحكم والمدرب واللاعب وحارس المرمى والإداري جميعهم بشر ومعرّضون للخطأ باستمرار، والجمهور الواعي يدرك هذا الأمر، في حين أنّ التعصب يقود في بعض الأحيان لتصرّفات غريبة، ولكن السبّ والشّتم ليس عائدًا بالأساس إلى التعصب وإنّما عائد لشخصية الفرد وأخلاقه ومدى تقبّله للقيام بمثل هذه التصرّفات والتلفّظ بمثل هذه الألفاظ.إنّ الظّلم والتّعدي على الآخرين بالسبّ والشّتم واللّعن من أخطر الأمور، يكفي أنّ ذلك مُذهِبٌ لحسنات العبد. يقول عليه الصّلاة والسّلام: “إنّ الله يبغض الفاحش البذيء”، وقال أيضًا عليه الصّلاة والسّلام: “سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر”، ويقول أيضًا “لعن المؤمن كقتله”، ويقول أيضًا: “من يضمن لي ما بين لِحْيَيْهِ وما بين رِجليه أضمن له الجنّة”، ويقول صلّى الله عليه وسلّم: “ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء”. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ” قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرّجل والديه؟ قال: “يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ”.ومواجهة هذه الظّاهرة المؤسفة تكون بالتّوعية والتّوجيه والخوف من الله، وتحمل مسؤولية إدارات النّوادي عواقب تصرّفات مشجعيهم. وعلى المسؤولين على كرة القدم القيام بجهود جبّارة لمحاربة العنف اللّفظي والسبّ والشّتم وذلك بالتّوعية والعقوبات الشّديدة على حدّ سواء.ونوصي القيام بدورات ومحاضرات دينية تثقيفية تحذّر هؤلاء الشّباب من عواقب تصرّفاتهم المشينة والمضرّة بهم وبأنديتهم الّتي يشجّعونها بزعمهم. ويجب أن يتّحد وأن يتعاون الجميع للتّصدي لهاته الظّاهرة الخطيرة على مجتمعنا وأمّتنا، ونذكّر الجميع بقول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، فإنّ الإنسان محاسب على أقواله في الدّنيا والآخرة. نسأل الله تعالى الهداية للجميع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات