38serv
انسداد البالوعات.. شوارع وأحياء في المدن والأرياف تجرفها السُيول .. أشغال عمومية متوقفة ومُعطلة .. كلها مشاهد تتكرر كل سنة، وتتسبب في خسائر بشرية ومادية، ورغم ذلك لا تُحرِّكُ لها السُلطات المحلية المعنية ساكنا، بل إنّ مُحاولاتها لإصلاح الوضع بإطلاق مشاريع تهيئة قد تزيد الطين بلة، كونها مشاريع لا تتعدى في أحيان كثيرة "الترقيع" و"البريكولاج" ولا تكون سوى أشغال يبدأها مُقاولون ولا يُنهونها. ولعلّ ما حدث، أوّل أمس، في ولاية تبسة، بوفاة طفل وإصابة 6 آخرين، وقبلها في ولايات غربية وشرقية وشمالية لأكبر دليل على أنّ رؤساء البلديات وباقي المسؤولين "لم وقد لا يتعظون".من هنا مرّ طوفان تبسة!تعتبر ولاية تبسة واحدة من الولايات التي تجسّد سياسة "الترقيع" التي ينتهجها المسؤولون المحليون في التهيئة المحلية، وخير دليل على ذلك قطرات الأمطار التي تهاطلت على الوِلاية، والتي تحولت بفِعل التهيئة المغشوشة إلى طوفان حقيقي تسبب في وفاة طفل وإصابة آخرين، ناهيك عن الخسائر البشرية.بالوعات مسدودة وإسمنت مسلح غمرته الأتربةتتهدد أخطار الفيضانات أكثر من 500 ألف نسمة مُهددة بالموت بسيول مفاجئة، بالرغم من توجيه أكثر من 700 مليار سنتيم لمشاريع غير مجدية بالنظر لواقع تخلفه في كل مرة فترات زمنية قصيرة من تساقط الأمطار.واستنادا لتصريحات بعض التقنيين، فإن النتائج ستكون كارثية في حال تعرض مدينة تبسة التي يعبرها 13 واديا فرعيا ورئيسيا لأمطار طوفانية شاملة. وقد تتكرر مأساة باب الوادي في مدينة الحضارات القديمة تيفاست باعتبار أنها تقع في منخفض تحيط به الجبال من كل النواحي، سيما الجهة العلوية والتي تنحدر منها مجاري فرعية ورئيسية لعديد الأودية من جبال أنوال، الميزاب، بورمان، تاغدة ووادي الناقص من ناحية بكارية والماء الأبيض، فالوادي الكبير المصب الرئيسي لمدينة تبسة لتصريف المياه القذرة يُشكّل أحد الأخطار الكبرى إضافة لأودية فرعية أخرى من "وادي الناقص" الذي يتوسط اتجاهه شارع "هواري بومدين"، هذه الوضعية الطبيعية زادتها بعض الأشغال والمشاريع الكبرى التي استفادت منها الولاية في إطار مختلف البرامج التنموية تعقيدا، حيث تعرضت أغلبية البالوعات الرئيسية لصرف مياه الأمطار للانسداد على خلفية هذه الأشغال وحتى ببعض الشوارع الداخلية لوسط المدينة وأضحت شبكات صرف مياه الأمطار في حكم "خبر كان وتظل عاصمة الولاية مهددة بخطر الفيضانات في ظل عدم تشطيب أشغال المشروع المخصص لذات الغرض، أين تشهد حاليا المدينة عدة ترقيعات في الجسور، وأثبتت الأمطار المتساقطة أن جل المشاريع كانت رهينة رداءة الإنجاز ودراسات متسرعة في غياب الرقابة التقنية الصارمة، حيث أنجزت أكثر من 1000 بالوعة تعرضت للانسداد وانهارت جدران الوادي الكبير عند نقطة تموقع السكنات التطورية لحي المرجى في أمطار لم تتعد فترة سقوطها منذ سنة الـ 10 دقائق منذ 3 سنوات، وهي نفس وضعية وادي رؤوس العيون بالكويف. ويستمر دفن الملايير في هذه المشاريع، حيث استفادت كبريات البلديات بـ 70 ملايير سنتيم وبعض البلديات الريفية بـ 30 مليار سنتيم لإنجاز مشاريع جديدة لتحقيق حماية المدن من الفيضانات في ظل أخطاء فظيعة بتغيير المجرى الطبيعي لوادي الناقص ورفانة، وبالرغم من الأوامر المتكررة للولاة بمنع رمي الردوم في الأودية، غير أنه لا حياة لمن تنادي.المهربون يخربون حجارة واد "جبيسة" وورشات البناء تنهب المشروعاستفادت بلدية بكارية من ضمن 14 بلدية من عملية لحمايتها من الفيضانات بوادي "جبيسة"، والذي أنجز بنسبة 100 بالمائة، من خلال دعم حافتي الوادي بجدران من الحجارة والإسمنت، مع رصّ بعض النقاط بالإسمنت المسلح. وكانت العملية قد شكلت 2200 متر طولي على مسافة الوادي الذي يفصل المنطقة على الحُدود التونسية، حيث تفضّل شبكات التهريب المسالك الريفية الوعرة عبر الوادي لتجنّب دوريات حراس الحدود أو مختلف الأجهزة الأمنية الأخرى من الجمارك والدرك وحتى الجيش المرابط في بعض النقاط الثابتة بالمنطقة. وقد أثارت مناقشات أعضاء المجلس الشعبي الولائي مُؤخرا عدم جدوى بعض المشاريع وإهمالها في قطاع الموارد المائية، ليكشف النقاب عن تساقط حجارة جدران وادي جبيسة ببكارية، على خلفية ممارسات خطيرة لشبكات تهريب المواد الطاقوية والعجلات المطاطية ومختلف المواد الغذائية من الجزائر إلى تونس والعكس، حيث عمدت هذه الشبكات، بعد غلق منافذ التهريب وحفر الخنادق على طول الشريط الحدود مع الجمهورية التونسية، على تخريب حافة الوادي واستغلال الحجارة لسد وإعادة توجيه مجرى سيول الأمطار لفتح مسالك أخرى تجنّب مركباتهم الحواجز الأمنية. وما زاد الطين بلّة هو دخول مافيا "الردوم" والبناءات الفوضوية من بلديات تبسة والكويف وبكارية في هذه المساحات العمومية لرمي بقايا ورشات البناء ورفع الحجارة المُتساقطة ليتعرّض المشروع للتخريب الكلي تدريجيا بعد أن كبّد خزينة الدولة قرابة 15 مليار سنتيم.من جهة أخرى، جمّد مشروع حماية المدينة من الفيضانات بمرسط، شمال تبسة، بعد إتمام الشطر الثاني بنسبة 100 بالمائة، بغلاف مالي 20 مليار سنتيم بسبب عدم المؤسسة حول دراسة لإنجاز منشأة فنية تسمح باستكمال المشروع وفي بئر مقدم رفض السكان إقامة المشروع نهائيا بالنظر لتأثيره على الأراضي الفلاحية بعد تخصيص 15 مليار سنتيم، فيما تمت مشاريع بوخضرة وصفصاف الوسرى والشريعة في ظل تخوفات كبيرة يبديها السكان من سياسة الترقيع."الدولة رصدت 100 مليار دينار وإنجاز 100 محطة للتنبؤ بأخطار الأودية"وبشأن هذه الوضعيات، قال سليمان نقازي، المفتش العام لوزارة الموارد المائية، موفد وزير القطاع لتبسة بعد الفيضانات، أن الدولة سطرت استراتيجية استشرافية برصد 100 مليار دينار لحماية المدن على المستوى الوطني من الفيضانات، ويعد الغلاف المالي دليلا على الأهمية القصوى للعملية، أين سيتم تدريجيا إنجاز 100 محطة للتنبؤ بأخطار فيضانات الأودية، موازاة مع اتخاذ الإجراءات الآنية والقصيرة المدى على مستوى كل النقاط السوداء بالبلديات على المستوى الوطني.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات