38serv
يروي الشّيخان في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فجعل النّاس يجهرون بالتّكبير، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”أيّها النّاس اِرْبَعوا على أنفسكم (ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم)، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم”، قال: وأنا خلفه أقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فقال: ”يا عبدالله بن قيس، ألَا أدُلُّك على كنز من كنوز الجنّة”؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: ”قُل لا حول ولا قوّة إلّا بالله”.لا حول ولا قوّة إلّا بالله استسلام وتفويض من العبد، وأنّه لا يملك من أمره شيئًا، وليس له حيلة في دفع شرّ، ولا قوّة في جلب خير إلّا بإرادة المولى سبحانه، وقد وردت في الحديث بأنّها كنز من كنوز الجنّة، قال ابن القيم رحمه الله: ”لمّا كان الكنز هو المال النّفيس المجتمع الّذي يخفى على أكثر النّاس، وكان هذا شأن هذه الكلمة، كانت كنزًا من كنوز الجنّة، فأوتيها صلّى الله عليه وسلّم من كنز تحت العرش، وكان قائلها أسلم واستسلم لمَن أزمة الأمور بيديه، وفوّض أمره إليه”.في مستدرك الحاكم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: أمرني خليلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع: ”أمرني بحُبّ المساكين والدُّنُو منهم، وأمرني أن أنْظُر إلى مَن هو دوني ولا أنْظُر إلى مَن هو فوقي، وأمرني أن أصِلْ الرّحم وإن أدبرت، وأمرني ألّا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحقّ وإن كان مُرًّا، وأمرني ألّا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر مِنْ لا حول ولا قُوّة إلّا بالله، فإنّهنّ من كنز تحت العرش”.لا حول ولا قوّة إلّا بالله لها من الفضائل والأسرار ما الله به عليم، فمن ذلك: أنّها باب من أبواب الجنّة، فعن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما أنّ أباه دفعه إلى رسول الله ليخدمه، قال: فمَرّ بي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: ”ألَا أدُلُّك على باب من أبواب الجنّة؟ قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله”، ومن فضائلها أنّها غرس من غِراس الجنّة، فقد ورد عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أنّه ليلة أسري به مرّ على إبراهيم الخليل عليه السّلام، فقال: مَن معك يا جبريل؟ قال: هذا محمّد، فقال له إبراهيم: مُرْ أمّتَك فليكثروا من غراس الجنّة، فإنّ تُربَتَها طيّبة وأرضها واسعة، قال: ”وما غراس الجنّة؟ قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله”.ومن فضائلها أنّها سبب لحفظ النّعمة، قال الحقّ سبحانه في شأن صاحب الجنّتين: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً، وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ: مَا شَاءَ الله لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله}، قال الحافظ ابن كثير: هذا تحضيض وحثّ على ذلك، أي: هلَا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: {مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله}، ولهذا قال بعض السّلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده أو ماله، فليقل: {مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله}.ومن فضائل لا حول ولا قوّة إلّا بالله أنّ مَن قالها بعد الحيعلتين دخل الجنّة، ففي الصّحيح: ”إذا قال المؤذّن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، ثمّ قال: أشهد أنّ محمّدًا رسول الله، قال: أشهد أنّ محمّدًا رسول الله، ثمّ قال: حيّ على الصّلاة، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثمّ قال: لا إله إلّا الله، قال: لا إله إلّا الله من قلبه دخل الجنّة”.ومن فضائلها أنّها تَقِي صاحبها من شياطين الجنّ والإنس: ”إذا خرج الرّجل من بيته، فقال: بسم الله توكّلتُ على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، قال: يقال: حينئذ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وتتنحّى عنه الشّياطين”، وأيضًا فإنّ هذه الكلمة العظيمة سبب من أسباب قَبول الدّعاء: ”مَن تعار من اللّيل (أي: انتبه من النّوم واستيقظ) فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: اللّهمّ اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضّأ وصلّى قبلت صلاته”.وهذه الكلمة العظيمة كذلك هي من الباقيات الصّالحات: ”استكثروا من الباقيات الصّالحات، قيل: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: التّكبير والتّهليل والتّسبيح والتّحميد، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله”، قال ابن القيم رحمه الله: هذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصّعبة، وتحمّل المشاق، والدّخول على الملوك ومن يخاف وركوب الأهوال، ولها أيضًا تأثير عجيب في دفع الفقر، وأضاف رحمه الله إنّ لهذه الكلمة تأثيرًا قويًا في دفع داء الهمّ والغمّ والحزن، لمَا فيها من كمال التّفويض والتبري من الحول والقوّة إلّا به، وتسليم الأمر كلّه له، وعدم منازعته في شيء منه، وعموم ذلك لكلّ تحوّل من حال إلى حال في العالم العلويّ والسّفليّ والقوّة على ذلك التحوّل، وأنّ ذلك بالله وحده، ولها تأثير عجيب في طرد الشّيطان.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات