38serv
قال الشّاعر: قم للمعلّم وفّه التّبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا..كلّنا يعلم أنّ المعلّم هو من ورثة الأنبياء الّذين قال فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “العلماء ورثة الأنبياء”، لأنّهم ورثوا عنهم العلم، وخير الميراث هو العلم، لأنّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا دِرهمًا ولا دينارًا.❊ إنّ من أهم الأدوار الّتي يقوم بها الْمُعلِّم هو بناء شخصيات طلابه، أولئك الّذين ينظرون إليه على أنّه مثلهم الأعلى... ولهذا على المعلّم أن يكون قدوة صالحة لطلّابه، فإنّ القدوة الصّالحة تُعتبر من أنجح الوسائل المؤثّرة في تكوين شخصية المتعلّم، قدوة في جوهره ومظهره، في شخصيته وقوّة تأثيره، في أخلاقه وأدبه، فها هي أمّ الإمام مالك توصي ابنها بأن يطلب الأدب من معلّمه قبل أن يأخذ العلم منه لِمَا للأدب من أهمية على طالب العلم في سلوكه مع نفسه ومع ربّه ومع الناس. فإنّه لمّا طلب العلم وذَكَرَ لأمّه أنّه يريد أن يذهب فيكتب العلم، ألبسته أحسن الثّياب، وعمَّمَته، ثمّ قالت: اذهب فاكتب الآن. وقال رحمه الله: كانت أمّي تُعَمّمني وتقول لي: “اذهب إلى رَبِيعَةَ فتَعَلَّم من أدبه قبل عِلْمِهِ”.المعلّم ليس خازنًا للعلم يغترف منه التلاميذ المعارف والمعلومات، ولكنّه نموذج وقدوة، والقدوة عامل مهمّ في صلاح المتعلّم أو فساده، فإن كان المربّي صادقًا أمينًا كريمًا عفيفًا يتَّسم بالخُلق الصّالح نشأ المتعلّم على الصّدق والأمانة والخُلق والكرم والشّجاعة والعفّة.إنّ للمعلّم دورًا ومكانة عالية مهمّة، ولا يجب أن يكون بمعزلٍ عن الأمّة والمجتمع. إنّ رسالة التّربية والتّعليم الّتي تستمد أخلاقياتها من الشّريعة الإسلامية الّتي تنطلق منها مبادئ حضارتنا، والمعلّم حين يدرك هذا يستشعر عظمة رسالته ويعتزّ بها، وهذا ما يدعوه إلى الحرص على نقاء سيرته، وطهارةِ سريرته؛ ليحفظ للمهنة شرفَها، فهو بذلك مثال للمسلم المعتزّ بدينه المتأسّي برسوله صلّى الله عليه وسلّم وإدراكه لهذا يُملي عليه أنّ الاستقامة والصّدق والقوّة والأمانة والحِلم والحزم والانضباط والتّسامح وحسن المظهر وبشاشة الوجه سماتٌ رئيسة في تكوين شخصيته.كما أنّ تقديرَ المُعلِّم له أثَرٌ عظيمٌ في نُفُوسِ التلامِيذ، فلنَغرِس في قُلُوبِ أبنائِنا تقديرَ المُعلِّم وإجلالَه، فالأدبُ مِفتاحُ العلمِ، ونحن إلى كثيرٍ مِن الأدَبِ أحوَجُ مِنَّا إلى كثيرٍ مِن العلمِ. وعلى هذا سارَ سلَفُنا الصّالِحُ رضي الله عنهم: فهذا ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما كان يأخُذُ بخِطام ناقَةِ مُعلِّمه زَيدِ بن ثابِتٍ ويقول: “هكذا أُمِرنا أن نفعَلَ بعُلمائِنا وكُبَرائِنا”. وقال الإمامُ أبو حَنِيفَة: “ما مَدَدتُ رِجلِي نحوَ دارِ أُستاذِي حمَّاد إجلالًا له، وما صلَّيتُ صلاةً مُنذ ماتَ حمَّاد إلّا استغفَرتُ له مع والدَيَّ”. وقال الإمامُ الشافعيُّ: “كُنتُ أتصفَّحُ الورقَةَ بين يدَي مالِكٍ برِفقٍ لئلّا يَسمَعَ وَقعَها”.ومع الأسف فإنّ مجتمعنا لم يعط المُعلِّم حقَّه، ولم يرعه الرّعاية الّتي يستحقُّها، ولذلك لا بُدَّ من تصحيح نظرة المجتمع لمهنة التعليم، ولمكانة المُعلِّم.فالنَّظرَة الدُّونِيَّة لمِهنة التّعليم في هذا الزّمن، مع عدم الاهتمام والرِّعاية للمُعلِّم، سببٌ كبير من أسباب إحجام المُتَفوِّقين في دراستهم للدُّخول في هذا الميدان، كما أنّ نظرة المجتمع إلى التّعليم، وسوء الأحوال المادِّيَّة للمُعلِّمين، دفعت الكثير ممّن يَجد الرّغبة في الانخراط في مهنة التَّعليم إلى أن يُحْجِمَ عنها إلى غيرها من التَّخصُّصات.يجب أن تصحّح نظرة المجتمع إلى مهنة التّعليم، وأن نغرِس في أذهان الجميع أنَّ التَّعليم هو أشرف عمل يقوم به الإنسان؛ فهو عمل الأنبياء والمرسلين عليهم السّلام، بل إنّ تطوُّر المجتمعاتِ ورُقِيِّهَا مرهُونان بتطوّر التَّعلِيم وتأهيل المعلّمين الأكفاء المتميزين.ولعلَّ في تجربة اليابان وما وصلت إليه من تقدُّم تقنيٍّ وحضاري بعد أن خرجت من الحرب العالميَّة الثانية مدمّرةً مهزومةً، أكبرُ دليلٍ على أهميَّة دورِ المُعلِّم في نهضة المجتمع. فقد سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: “بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلَّمنَا من أخطائهم، ومَنَحْنَا المُعلِّم حصانةَ الدُّبلوماسيِّ وراتبَ الوزير”.فموقع المُعلِّم عندَهم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، بحيث يسبق بذلك وزراء ونوَّابًا وعسكريين وسياسيين ودبلوماسيين وغيرهم، وهذا ما يفسِّر سرَّ نهضة وتفوُّق اليابان العلمي. بل إنّهم يُلقِّنون أبناءَهم حبّ وتقديس مهنة التّعليم والمعلّم، فيقولون: “اجعل المسافة بينك وبين المُعلِّم سبعَ خطوات، حتّى لا تخطو فوق ظلّه”!.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات