38serv
يرى الكاتب والإعلامي سهيل الخالدي أن تأخر الجزائر عن الريادة كان بسبب وضع المثقف والثقافة الجزائرية على هامش الحياة، واستغلال كل شيء من أجل مصالح البعض الشخصية الضيقة. وعرّج الخالدي الذي انتقل للعيش بأحد أحياء مدينة عين وسارة شمال الجلفة، على مواضيع منها الثورة التحريرية والربيع العربي، وحالته الصحية وعلاقته بالسياسيين والمثقفين الجزائريين، منهم عبد الحميد مهري الذي قال عنه، في حوار مع “الخبر”، “هذا الرجل يعرفه الجزائريون اسما ولا يعرفون عقله”.الأستاذ سهيل الخالدي كيف وصلت إلى الإقامة بعين وسارة؟ بعد أن خصّصت السلطات الجزائرية مخيما للسوريين بسيدي فرج، التحقت أنا وزوجتي بعد أن وصلنا من سوريا سنة 2012. وكما تعلمون، أنا لا أملك مسكنا في الجزائر وفي مخيم سيدي فرج زارتني مجوعة من الأصدقاء، كما زارتني “الخبر” حينها، ومن بين من زارني شيخ الزاوية باسين عبدالقادر الذي اقترح علي أن أقيم في وسارة 200 كلم جنوب العاصمة، وقد نصحني الدكتور محي الدين عميمور عندما زارني بقبول اقتراح السيد باسين، مؤكدا لي أنه أفضل من البقاء في المخيم لسنّي ومرضي الذي قد يتطور، لأقرر بعدها الاستجابة لدعوته، حيث هيأ لي شقة من ثلاث غرف بحي عمر ادريس وأنا الآن مقيم فيه منذ سنة، وساعدني كثيرا على إتمام بعض الكتب وإنجاز بعض المشاريع.وماذا كتب سهيل الخالدي خلال العام المنقضي؟ أصبحت فرصتي في عين وسارة كبيرة للكتابة، فقد أنجزت خلال هذا العام عددا من الكتب ومنها “عرب تحت النار”، كما أتممت كتابي “الجزائر زاوية العرب”، وكتابين آخرين أولهما “شخصية قسنطينة” وثانيهما “بلدانية الجزائر”. وقد أتاح لي الهدوء مساحات كبيرة من الوقت لأكتب، ولي مشاريع أخرى سأنجزها إن شاء الله مستقبلا إذا بقي في العمر شيء.ما سر تعلق الخالدي بالجزائر؟ وما هي الأسماء والشخوص التي مازالت بذاكرتك؟ تعيش الجزائر في وجداني منذ الصغر، فأنا أنتمي لعائلة جزائرية هاجرت إلى فلسطين، وكان جدي لوالدتي أحد رجالات الأمير عبد القادر، ومنها إلى الأردن، وكنت مرتبطا بالجزائر رغم بعدي عنها عن طريق والدتي التي تعيش عيشة جزائرية بكل تفاصيلها. وحين اندلعت الثورة الجزائرية، كنت فتى يافعا وكان الشيخ عبدالرحمان بن العقون ممثل الثورة الجزائرية في الأردن. وكنت أتردد على مكتب الثورة ويسمح لي الشيخ العقون بتسجيل برنامج “صوت الجزائر” الذي كان يذاع عبر الإذاعة الأردنية، ومنها دخلت عالم الصحافة. جئت في عام 1968 إلى الجزائر قصد المشاركة في التعليم ولكن الإعلام والصحافة والكتابة ظلت هاجسي الأساسي، فكنت أنشر في ذلك الوقت بعض الكتابات في جريدة “الشعب”. تفرغت في سنوات السبعينيات لأسبوعية المجاهد، وتمكنت من التعرف أكثر على النخبة الجزائرية من مثقفين وأدباء ومبدعين وصحفيين وكنت الصحفي الوحيد المتطوع في الثورة الزراعية، نشرت كتاب “الثورة الزراعية في الجزائر” في بيروت، حيث اعتبر مرجعا لطلبة الجامعات في المشرق العربي، وقد التقيت بكثير من المثقفين والأدباء الجزائريين.تحدثت كثيرا عن الثورة الجزائرية؟ تشكل الثورة الجزائرية بالنسبة لي حالة لم يتحدث عنها أحد تقريبا، أنا أعتبرها ثورة ثقافية ولا أعتبرها ثورة شعب جائع أو جاهل أو متخلف أراد أن يغيّر واقعه. كما أراها انقلابا للفكر العربي عبر التاريخ، الحركة السياسية الفكرية الوحيدة التي حصلت على إجماع عربي. بعد ظهور الإسلام لم يجمع العالم العربي كما أجمعوا على الثورة الجزائرية، فهي انقلاب وتليق أن تكون القيادة العربية. كانت تعيش في وجدان كل إنسان عربي، بل تجاوزت لتصل إلى كل الأحرار في العالم، وبعد الاستقلال حدثت أخطاء. وفي اعتقادي أهم خطأ هو الذي مازلنا نعاني منه وهو عدم المعرفة الدقيقة بما هو ثقافي وما هو سياسي، والثورة الجزائرية في الأخير ليست جانبا عسكريا فقط، فالعالم تجاوز هذا الحديث عن الجوانب العسكرية، الآن يدرس الثورة وما أضافته للفكر الإنساني في العالم.ما هي الشخصيات الجزائرية التي تركت في نفسك شيئا من التأمل؟ أولا، لقد عقدت صداقات عميقة مع أدباء وصحفيين أذكر منهم الدكتور عبدالله ركيبي والأستاذ الشاعر محمد عبدالقادر سائحي، وأصرّ دائما على الحفاظ على صداقاتي بالاتصال والاستئناس بهم واستشارتهم في القضايا الخاصة والعامة. أما ما أبهرني في الجزائر أشخاص كثيرون وضعوا بصماتهم، ليس على تاريخ الجزائر فقط بل التاريخ العربي والإنساني، كمالك بن نبي الذي يعتبر فيلسوفا إسلاميا، وكان خلاصة من خلاصات الصراع الثقافي الجزائري مع الثقافة الاستعمارية. مازالت أفكار مالك بن نبي صالحة لليوم في كثير من جوانبها، لمعرفة الحياة العقلية للشعب الجزائري، وهذا الرجل إنتاج إنساني للجزائر. وهناك اسم آخر أثر في كثيرا هو مولود قاسم الذي وللأسف لم يكتب عنه شيء مهمّ بعد، وليس هناك جزائري واحد يعرفه ويتعمق في أفكاره، وكان يمثل ثورة لوحده وكان حوله الكثير من الخصوم والأضداد، وأعتقد أنه سيأتي يوم سينصر التاريخ هذا الرجل الكبير. وأضيف إلى هؤلاء المرحوم الأستاذ عبدالحميد مهري الذي أتمنى كثيرا أن لا يضيّع أحد مذكراته، لأنه يحمل في أهدافه الفكر العميق والسياسة الرصينة والديبلوماسية الراقية وعاصر كل الكفاح، سواء في الحركة الوطنية أو الثورة التحريرية، وهذا الرجل يعرفه الجزائريون اسما ولا يعرفون عقله لأننا في الجزائر مازلنا نحارب أنفسنا بأنفسنا.من يحارب من وكيف؟ هناك من جعل المثقف والثقافة الجزائرية على هامش الحياة العقلية والاجتماعية، هؤلاء أنجزوا لأنفسهم مكاتب شخصية واستغلوا كل شيء من أجل مصالحهم الشخصية والضيقة وأخّروا تقدم هذا الوطن لقيادة الأمة العربية والإسلامية، لكنهم في النهاية سيخسرون قضيتهم ومثقفو الجزائر سيربحون رغم القرار الأحمق الذي أوقف ملتقيات الفكر الإسلامي، حيث كانت النتيجة أن دخلت الجزائر والعالم العربي في متاهات وخلافات فكرية، وصلت حتى الدم. وهنا أقول إن التجربة الجزائرية في الثقافة والدين والسياسة، يمكنها أن تكون قائدة للعالم العربي، لولا البعض ممن فوتوا علينا هذه الفرصة، والأكيد أن هناك فرصا أخرى قادمة وعلى الجميع أن لا يضيعها.الحديث عن الربيع العربي لم يعد حكرا على الساسة، كيف يرى الخالدي ما يحدث في بعض الدول العربية؟ ما يحدث في العالم العربي منذ سنوات لم يفاجئني، كما لم يفاجئ الكثيرين. لقد قلت في ثمانينيات القرن الماضي إن الدم سيغرق شوارع المدن العربية، لأن الجوع يغرقها، والنتيجة الحتمية للجوع هي الدم. وقبل أن تبدأ الأمور في تونس بسنة كاملة أي في سنة 2010، كتبت أن العام 2011 سيكون عام الفوضى في العالم العربي، تحولت حلقة المجتمع العربي في تونس من حراك اجتماعي من المغرب إلى المشرق إلى فوضى، وركبت الدول الكبرى حراك الشارع العربي نتيجة أن حكام العرب ليسوا سياسيين، بل هم رؤساء مخافر ينفذون تعليمات، هم لم يستطيعوا فهم وإدراك حركة المجتمع، لذلك نحن نرى في الوطن العربي الدولة في جانب والمجتمع في جانب آخر، بل إن الدولة العربية في كثير من الأحيان هي ضد الإنسان العربي. وبهذا تمكنت الدول الكبرى من اختراق الدول العربية ومجتمعاتها، واخترقت الأحزاب والمذاهب، واخترقت الإثنيات وحتى المهن، وأصبح لكل من هذه المفاصل مرجعيات خارج الوطن وبالتالي ركبت الدول الكبرى بتوجيه الشارع العربي نحو الفوضى، وأعادت الوطن العربي إلى ما كان عليه قبل 2500 قبل الميلاد، لتصبح أشوريين ضد بابليين وقبايل ضد شويا وتصبح العشيرة هي المتحكمة، ونتراجع من الدولة التي لسنا راضينا عنها إلى نظام القبيلة والعشيرة.كيف هي صحة سهيل الخالدي؟ دائما أقول الحمد لله أفضل قليلا.. بدأت معي حكاية المرض سنة 2004 وافتقادي للسكن كان سببا قويا في تراجع صحتي، وأرغمتني الظروف على اللجوء إلى دار العجزة. ورغم مرضي حينها، إلا أني تحاملت على نفسي لأشارك في مشروع المصالحة الوطنية لأقنع الشعب الجزائري بضرورة الجنوح إلى المصالحة. وكانت هذه التجربة مفيدة رغم أني التقيت بأناس أصحاب أسماء لامعة رافضين للمصالحة، وحينها سألتهم هل تريدون الجزائر وطنا أم مقبرة؟ وقد اكتشفت أن هناك من تاجر بالأموات، ما أثر في كثيرا وتراجعت صحتي كثيرا، لأصاب بداء السكري ومرض آخر لازم القلب. وقد تم نقلي إلى المستشفى مرتين إلى غرفة الإنعاش، وبقيت لساعات فاقدا للوعي، وأستعد لإجراء عمليتين جراحيتين في العينين، كما سأجري عملية أخرى في القلب وليس لي دخل، وكنت أتمنى أن يسهلوا لي الحصول على بطاقة الضمان الاجتماعي لأن العمليتين مكلفتان وأنا ليس لي دخل.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات