+ -

 يشهد قطاع النفط الجزائري، منذ عشر سنوات، فترة من الاضطرابات والتقلبات، منها بالخصوص تراجع لإنتاج المحروقات. إلا أن التفسير المختزل والمبسط للبعض، تغرق المواطنين والسلطات العمومية في الاستنتاجات المتسرعة والمهولة والتي ينتج عنها جدل قائم على فرضية أن الجزائر ستقوم باستيراد النفط والغاز قريبا.ولا ننوي هنا أن نحجب الحقيقة، ولكن من واجبنا أن نساهم في التشخيص بمزيد من التمييز والحذر، حول الأداء الضعيف لقطاع الطاقة في الجزائر خلال العشر سنوات الماضية.وأمام عدم القدرة على إرساء اقتصاد للإنتاج خارج نطاق المحروقات، فإن المؤشرات الاقتصادية الكلية تبقى مرتبطة بأكثر من 95 في المائة بصادرات النفط والغاز، ما يعرض البلاد إلى مخاطر دائمة للغرق، وهذا ما هو حاصل حاليا. فمع احتياطات محتشمة وإنتاج في تراجع، مقابل سوق محلي في زيادة مطردة، وانكماش للكميات المصدرة، مع ما ينتج عنه من انخفاض للفائض الميزان التجاري ولحجم الشراكة.وعليه، يتضح أننا مدعوون لنراجع أنفسنا ونضع حدا للخطابات المتفائلة بإفراط، والتوجه إلى حلول أولوية معقولة ومناسبة ومربحة، وهذه الأمور باتت ملحة، لأنه لا يعقل أن يبقى الجزائري مخدرا بالحقيقة المحزنة السارية منذ عشرية من الزمن، وهي حقيقة تتحدى كافة الخطابات التفاؤلية التي يراد أن تكون مطمئنة.الاحتياطات الرسمية محتشمةنلاحظ أن احتياطاتنا الرسمية لا ترتفع منذ بداية سنوات 2000، فالاكتشافات الجديدة المحققة، وإن كانت عديدة، إلا أن حجمها صغير، وبالتالي تعجز عن استعادة المخزون إلى سابق عهده أو تجديده. فما بين 2004 و2011، تم تسجيل 140 اكتشافا جديدا، ولم تضف هذه الاكتشافات سوى 500 مليون طن مقابل النفط، وهي الكمية القابلة للاسترجاع. بينما بلغ مجموع الإنتاج في الفترة نفسها حوالي 1800 مليون طن مقابل النفط، أي بنسبة تجديد للاحتياطات يقل عن 30 في المائة. وعلى المستوى العالمي، تحتل الجزائر المرتبة 15 بالنسبة للنفط بـ12 مليار برميل، أو ما يعادل 0.7 في المائة من الاحتياطي العالمي، والمرتبة 10 عالميا بالنسبة للغاز بحوالي 4500 مليار متر مكعب، أو ما يعادل 2 في المائة من الاحتياطي العالمي، وهذا في حد ذاته غريب.فمن الناحية الرسمية وإلى غاية اليوم، ومنذ عشرية، لم نحص أي تراجع في الاحتياطات المؤكدة، سواء بالنسبة للنفط أو الغاز، في وقت لم يتم إعادة تجديد ما يتم استخراجه إلا بنسبة تقل عن 30 في المائة. وأولى الإشكاليات المطروحة، يكمن في الجمود الغريب والمقلق لمستوى الاحتياطات، ومع ذلك لنلتزم الهدوء ونبقى مع ذلك حذرين، لأن هنالك دولا عديدة أخرى عرفت الوضعية نفسها، على غرار فنزويلا. فخلال عشرين سنة ما بين 1985 و2005، قدرت احتياطات فنزويلا بحوالي 75 مليار برميل، لتعرف بعدها ارتفاعا إلى حدود 297 مليار برميل، ليتحوّل البلد إلى أحد أكبر الاحتياطات العالمية النفطية بـ18 في المائة من الاحتياطي العالمي، ويتفوق على العربية السعودية ويزحزحها إلى المرتبة الثانية بـ266 مليار برميل و16 في المائة من الاحتياطي العالمي، ولكن السؤال المطروح: هل نحن في هذا الوضع نفسه يا ترى؟الإنتاج النفطي الجزائري في تراجعبعد أن بلغ مستوى الذروة بـ75 مليون طن في 2004، بدأ إنتاجنا للنفط الممزوج بالمكثفات أيضا يتراجع تحت عتبة 65 مليون طن في السنوات التي تلته، ثم تدنت إلى 61 مليون طن في 2012 ”ما يعادل 1.1 مليون برميل يوميا”، بتراجع نسبته 20 في المائة في مدة 8 سنوات، وأضحى إنتاج النفط في حدود 980 ألف برميل يوميا نصفه بالشراكة. أما بالنسبة للإنتاج الغازي، فإنه انتقل من 154 مليار متر مكعب في 2008 إلى 132 مليار متر مكعب في 2012، بانخفاض نسبته 14 في المائة خلال أربع سنوات، وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 40 في المائة من الغاز المنتج يعاد ضخه للمحافظة على ضغط وكثافة الحقول القديمة.وعلى العموم، فإن الإنتاج الجزائري بكافة منتجاته انخفض من 233 مليون طن مقابل النفط في 2007، إلى 194 مليون طن مقابل النفط في 2012، أي بتراجع نسبته 17 في المائة في ظرف 5 سنوات، ولكن الانكماش في الإنتاج بمفرده على مدى سنوات لا يعني بالضرورة الانتقال إلى الذروة النفطية، إذ يمكن أن يرتبط تراجع الإنتاج بعوامل ظرفية ذات بعد استراتيجي وتقني وأمني الخ... حيث يمكن لبعض الأحداث، على غرار تلك التي مست وحدة معالجة الغاز بتيڤنتورين في جانفي 2013، أن تفرز فارقا في الإنتاج الوطني، وإن كان الانخفاض في الإنتاج قد بدأ قبل هذه الأحداث، وأفضل الأمثلة تأتينا أيضا من فنزويلا، هذه الأخيرة انخفض إنتاجها من 3.7 مليون برميل يوميا في السبعينات إلى 1.7 مليون برميل يوميا في سنوات الثمانينات، بينما انتقلت الاحتياطات من 10 مليار برميل إلى 55 مليار برميل، ومؤخرا ما بين 2004 و2012، عاد إنتاج فنزويلا إلى التراجع من 3.3 مليون برميل يوميا إلى 2.7 مليون برميل يوميا، ولكن هذا الانخفاض بنسبة 18 في المائة لم يكن ذروة نفطية، لأن الاحتياطات تضاعفت ثلاث مرات في الفترة نفسها التي انتقلت من 87 مليار برميل إلى 297 مليار برميل. ومع ذلك، فإن الحذر بالنسبة للجزائر يبقى قائما.. حيث أنه في حالة ما إذا لم يرتفع إنتاجنا واحتياطاتنا خلال سنوات، فإن ذلك يمثل علامة تنذر بإمكانية بلوغ الذروة النفطية، وبالتالي فإن احتمال العودة إلى الارتفاع الكبير للإنتاج لاحقا يبقى صعب التحقيق، أو يعني ذلك أيضا أننا أخفقنا في جهودنا المبذولة لإعادة تشكيل وتجديد الاحتياطات بفضل اكتشافات في أعقاب عمليات استكشاف أكبر ونسب استرجاع أعلى نسبة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات