38serv

+ -

خريطة طريق، عبارة أطلقت ابتداء على مسار مبادرة عملية السلام في الشرق الأوسط، بهدف التوصل إلى حل نهائي وفق تسوية سلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومنذ ذلك الوقت باتت تطلق هذه العبارة على أي مسار أي مشروع أو خطة عملية من أكثر القضايا السياسية تعقيدا، إلى أبسط عمل روتيني يومي، حيث أصبحت الكلمة وكأنها تقليد أو موضة. وإن كانت الحقائق على أرض الواقع، تؤكد بأن المسارات جميعها في خرائط الطريق تقف عند المرحلة الأولى لا تكاد تتعداها، حيث سرعان ما تظهر التعقيدات والمعوقات والتفاصيل، أو تبرز مستجدات وتنبثق قضايا أخرى في كل لحظة، بشكل مختلف لم يكن في الحسبان فتقطع مسار الطريق وقد تعيد القضية إلى نقطة الصفر، ليتبيّن في الأخير أن الخريطة هي مجرد خريطة من ورق لا أكثر، كما تؤكد ذلك النتيجة على مستوى الواقع من خلال المراوحة في المكان الواحد، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن سبب فشل غالبية خرائط الطريق المرسومة لحل قضايا سياسية وتاريخية معقدة؟   

إن السبب الأول يتعلق بطبيعة الإدراك والاستيعاب، حيث أن الخريطة تعكس صورة ذهنية إدراكية جامدة عن الواقع، بينما الواقع متحرك، وهو يعج بتفاعلات معقدة ومتسارعة تجعله يتغير بسرعة فائقة وبشكل مستمر، وبين خريطة إدراكية جامدة وواقع متغير ومتحرك، يكون من الطبيعي أن يتجاوز الواقع الخريطة ويتركها وراءه، الأمر الذي يتطلب أن تكون الخريطة متحركة ومتغيرة باستمرار بمعنى، ضرورة أن تكون الخريطة متحركة بطبيعتها ومزودة بآليات تكيف فاعلة، لكي تحقق حالة من التزامن بين حركتها وحركة الواقع، فلا تدخل بذلك في حالة العطالة. السبب الثاني ثقافي بالدرجة الأولى، يتعلق بطبيعة مفهومنا للزمن وتعاملنا معه، حيث أن ثقافة مفهوم الزمن الاستغراقي تراجعت تماما على مستوى الواقع الفعلي، ليحل محلها المفهوم الآني والفوري، لكنها لم تتراجع على مستوى إدراكنا، ومن ثم، فإن أي مشروع أو خطة تتعامل وفقا للمفهوم التقليدي للزمن، تجد نفسها على مسافة من الواقع، الأمر الذي يفقدها صلاحية الاستمرار، ويجعل من المراحل التالية لمسار الخريطة مجرد مراحل وهمية، ومن هذا المنطلق تصبح الاستعجالية وحدة أساسية لقياس الزمن الاجتماعي ومن ثم السياسي، الأمر الذي يجعل الإرادة السياسية غير كافية وغير فاعلة، إذا لم تتوافر في الوقت المناسب، أي إذا لم يتم التعامل مع القضايا بشكل سريع جدا وفعال وملموس. وهذا يتطلب استيعاب مفهوم “الاستعجالية” كنمط للفعل السياسي والاجتماعي وليس كحالة استثنائية، ولتقريب المعنى، يمكن القول أن عمل المؤسسات السياسية يصبح أشبه بإيقاع عمل أقسام الطوارئ في المستشفيات، أي ضرورة أن يتحول ذلك العمل من حيث طبيعته إلى نمط وليس حالة استثنائية، وكل ذلك يتطلب تحولات ثقافية، تتعاون على تحقيقها مختلف المؤسسات والقطاعات إلى جانب النخبة وفقا لاستراتجية استعجاليه أيضا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: