38serv
قال مؤسّس قسم المخطوطات والوثائق بمركز بحوث ودراسات المدينة المنوّرة والمتخصّص في السّيرة النّبويّة، الأستاذ عمار مُنْلَا، إنّ الدّعوة لـ«تجديد السّيرة النّبويّة هو تجديد قراءتنا لها وليس تجديد السّيرة النّبويّة”، وأكّد في حوار خصّ به “الخبر”، أنّ علمائنا القدامى “لم يكن عندهم مجالات لتقديم السّيرة بالوسائل المتنوّعة” عبر “الصّورة والفيديو والمجسّم والواقع الافتراضي” معتبرًا أنّ “هذا أمر لا حرج فيه”.
هل تعتقد أنّه بالإمكان إعادة قراءة السِّيرة النّبويّة بلغة عصرية دون الرجوع إلى الكتب القديمة؟ الكتب القديمة لا يُستغنى عنها لأنّها تعطينا أحداث السّيرة النّبويّة وتعطينا الأُسس، لكن الاستنتاجات وقراءة السّيرة النّبويّة قراءة متجدّدة، والقرآن الكريم ذكر ذلك، والمولى سبحانه يقول في كتابه “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ” فهو أُسوة حسنة في كلّ زمان ومكان وفي كلّ جيل، فهي تجربة تستمدّ عظمتها من أنّها قابلة للتّجديد والتّطوير وتعطينا الأُسس في التّعامل مع الأشياء في كلّ أمر من أمور الحياة، وليس فقط في أمور العبادة وأركان الإيمان والإسلام وإنّما في الاقتصاد والبيئة والتّعاون الاجتماعي والتربوي، فهي تُبيِّن لنا الأُسس لأنّها تستمد قوّتها من أمرين: عظمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والثاني أنّها النُّبوة، فهو مُسَدَّد مؤيَّد من الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه المولى سبحانه وتعالى بآيات عظيمة “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، فكيف يكون رحمة للعالمين وأنا لا أستطيع تطبيق سيرته في كلّ آن وفي كلّ حين.كيف ترى الدّعوات الأخيرة لتجديد السّيرة النّبويّة الشّريفة؟ المقصود بالتّجديد هو تجديد قراءتنا لها وليس تجديد السّيرة النّبويّة، وقراءتنا للسّيرة النّبويّة يجب أن تتطوّر بتطوّر وسائل العصر، فوسائل العصر اختلفت، وعلماؤنا الأقدمين لم يكن عندهم مجالات لتقديم وسائل السّيرة بالوسائل المتنوّعة، الآن هناك وسائل حديثة جدًّا نستطيع من خلالها أن نقدّم السّيرة بالصّورة وبالفيديو وبالمجسّم وبالواقع الافتراضي. والمقصود بالدّعوة لتجديد السّيرة النّبويّة تجديد وسائل تقديم السّيرة النّبويّة، وهذا أمر لا حرج فيه إن شاء الله.دأبتم على تنظيم دورات تفاعلية للسّيرة النّبويّة، كيف جاءتكم فكرة ذلك؟تفاعلنا في تقديم السّيرة النّبويّة وخاصة في الإجابة على تساؤلات العصر، لأنّ الكثير من النّاس تبحث كيف اعتنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفقراء، هل قدّم لنا نموذجًا لذلك؟، نعم قدّم نموذجًا، ونحن نقدّم هذا النّموذج بتفاصيله. كيف اعتنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببناء الإنسان؟، نحن نحاول أن نقدّم رؤية، لذلك تنطلق من قراءتنا للكتب القديمة وتأخذ بعين الاعتبار وسائل تجديد السّيرة النّبويّة حتّى نصل إلى الإجابة عن تساؤلات هذا العصر. كيف عامل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المرأة وكيف أعطاها دورها الّذي تستحقه في الحياة؟..، والكثير من الأسئلة تأتي في هذا الباب، وقد انطلقنا فيها من قراءتنا لسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإجابة عن قضايا العصر ووسائله. ولذلك نشأت فكرة تنظيم الدّورات التّفاعلية، وأصبح هناك مادة علمية ووسائل، وظهرت الحاجة إلى إيجاد شباب يُقدّمون هذه السّيرة بهذه الطريقة ويُتقنون العرض ويستطيعون التّأصيل والتّفصيل والتّوصيل في كلّ أمر من الأمور.كيف تقيّم تفاعل المسلمين مع هذه الدورات وخاصة لدى أبناء الأقليات المسلمة في الغرب؟ اسمح لي أن أُعدِّل السؤال أوّلًا: كيف تُقيّم تفاعل المسلمين مع هذه الدّورات وخاصة لدى المسلمين الأوروبيين؟ المسلمون في الغرب لا يعتبرون أنفسهم أقلية ولا أناس طارئين في الحياة، هم ليسوا مسلمين يحملون الجنسية الأوروبية وإنّما مسلمين أوروبيين. وقضية الهُوية ننطلق بها من سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعليه الصّلاة والسّلام منذ اللّحظات الأولى لوصوله المدينة لم نجد إشارة واحدة يعتبر نفسه عليه الصّلاة والسّلام غريبًا عن المدينة، بل كان صلّى الله عليه وسلّم يؤكّد الانتماء منذ لحظة دخوله المدينة المنوّرة حتّى قبل وفاته لمّا وقف صلّى الله عليه وسلّم مع الأنصار بعد حُنَيْن وقال: “المحيا محياكم والمماتُ مماتكم، اللّهمّ اغفْر للأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، لولا الهجرة لكنتُ امرءً من الأنصار” أي كتسمية، فكان عليه الصّلاة والسّلام يؤكّد الهُوية، وهذا الأمر دائمًا نركّز به على المسلمين في الغرب.لكن كيف نقيّم تفاعله؟ في الحقيقة التّفاعل كبير وجيّد، والحمد لله أقمنا دورات ومعارض وفعاليات من إسبانيا إلى أيسلندا، إلى أعلى شمال النرويج، إلى الدانمارك والسويد وهولندا بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وفي كلّ أنحاء أوروبا ولله الحمد، بل تجاوزناها إلى أوروبا الشرقية كرومانيا والبوسنة وألبانيا ومقدونيا، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى. وقد حرص المسلمون في الغرب على البحث عن تساؤلات كثيرة تُلبّي حاجاتهم في زحمة الصّراع مع الغرب، فهم يتمنّون أن يجدوا إجابات شافية في كتاب الله وفي سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.هل يمكن أن نَحُلّ قضايا الأمّة بعيدًا عن السّيرة وعن كتاب الله؟ أنزل الله سبحانه وتعالى إلينا كتابه ليكون دستورًا لهذه الأمّة في كلّ الأمور، وأرسل رسوله ليُريَنا تطبيق هذا الكتاب. والقرآن الكريم أعظم كتاب عرفته البشرية وخير تطبيق لهذا الكتاب هو سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا نستطيع فهم آلية تطبيق كتاب الله إلّا من خلال سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسبب الّذين ابتعدوا أو تطرّفوا أو اشتطُّوا أو أخطأوا في كثير من القضايا الّتي عانتها الأمّة هو عدم فهمهم لهذا الجمع بين كتاب الله وبين سيرة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ولو أنّنا قرأنا كتاب الله لوجدنا أنّ المولى سبحانه وتعالى ذكر مقاصد بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ثلاث قضايا تكرّرت كثيرًا في كتاب الله “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ”، فبعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس هدفها تبليغ الكتاب فقط مع أنّها هدف أساسي، مقصد أساسي في بعثته صلّى الله عليه وسلّم هو أنّه يُعلّمهم الكتاب والحكمة أي الحديث والسّيرة الّتي هي التّطبيق الحقيقي لكتاب الله سبحانه وتعالى. وما وصلنا إلى ما وصلنا إليه في قضايا الأمّة إلّا بسبب بُعدنا عن هذين المصدرين وفهمنا الخاطئ للجمع بين كتاب الله وسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.ما أسهل طريقة لتقديم السّيرة النّبويّة للأجيال المعاصرة؟ سؤالكم فيه شقين: الأجيال المعاصرة إن كنّا نقصد الصغار فلها أسلوب، وإن كنّا نقصد الكبار فلها أسلوب آخر، وأفضل طريق للأجيال المعاصرة أن نلفت نظرها إلى القضايا الحضارية في سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فالشباب يبحث الآن عن إجابات كبرى تشغل باله وتتعلّق بمواجهة مشاكل العصر وطريقة علاج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لها، وإلّا فالمعلومات الأساسية في سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرفها الشّباب جميعًا، ووصلت إليهم جميعًا ببساطة وبسهولة، لكن القضية الأساسية الّتي يتمنّون معرفتها هي كيفية مواجهة مشاكل العصر في كلّ أمورهم والردّ على الشّبهات ومواجهة الزّحف الكبير لإشكالات الشّهوات وكلّ ما يتعلّق بها، وكيف عالجها الإسلام وكيف حلّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.وجدنا من خلال تعاملنا مع الشباب في الغرب أنّهم في شوق ولهفة لمعرفة ثلاثة أمور: كيفية مواجهة مشاكل العصر والمسائل الحضارية والردّ على الشّبهات، لذلك حرصنا كلّ الحرص على وجودها عند كلّ موضوع من موضوعات السّيرة النّبويّة الّتي نقدّمها. أمّا موضوع الصغار، فيحتاج إلى مقابلة خاصة، والحديث عنه طويل طويل طويل، وله منهج وألعاب ووسائل.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات