السعدي: الوجود الإسلامي بمالطا استمرّ ثلاثة مائة وثمانين عامًا

38serv

+ -

قال إمام مسجد المركز الإسلامي في مالطا، الشّيخ د. محمد السعدي، إنّ الوجود الإسلامي في مالطا استمرَّ ثلاثة مائة وثمانين عامًا، مشيرًا إلى أنّ “انقطاعه لثمانية قرون أدّى إلى عودة المالطيين إلى النصرانية وتعزيز إيمانهم بها وتمسّكهم بتعاليمها والدّفاع عنها وتأصيل ذاكرة تاريخية معادية للإسلام والمسلمين تعتبر الإسلام عدُوًّا والمسلمين غُزاة ينبغي صدّهم”، مؤكّدًا أنّ الدّعوة الإسلامية في هذه الجزيرة “حديثة العهد وتتعزّز يومًا بعد يوم”. وأفاد في حوار خصّ به “الخبر”، أنّ “آثار الوجود العربي الإسلامي بمالطا ظاهرة في اللغة المالطية الّتي تشكّل العربية ثمانين بالمائة من تراكيبها”.متى دخل الإسلام إلى مالطا؟ دخل الإسلام إلى مالطا عام 870م على يد العرب الأغالبة الّذين حكموا صقلية وسردينيا وتونس وشرق الجزائر وغرب ليبيا. واستمرّ الوجود الإسلامي بمالطا ثلاثة مائة وثمانين عامًا أسلم خلالها معظم المالطيين الّذين كانوا على النصرانية، وازدهرت خلالها مالطا اقتصاديًا في مجال الزراعة والتجارة، كما ازدهرت الحياة الثقافية والعلمية. وانقطع الوجود الإسلامي تمامًا في ظروف غامضة عام 1250م نتيجة سيطرة النورمانديين عليها ومن بعدهم فرسان القديس يوحنا. ومن هنا جاء المثل المشهور: ‘كمَن يؤذّن في مالطا’ الّذي يضرب للأمر الّذي لا طائل وراءه يرجى ولا أمل ينتظر، لأنّ من يؤذّن في مالطا في ذلك الوقت لا أحد يستجيب له لأنّها خلت من المسلمين.واستمرّ هذا الانقطاع إلى الستينيات من القرن الماضي، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والإسلامية. ويعود الفضل في عودة الوجود الإسلامي بمالطا بعد الله إلى ليبيا الّتي أسّست علاقات قوية مع مالطا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية نتج عنه إنشاء مؤسسات استثمارية وتعليمية وثقافية استدعت وجود جالية مسلمة بمالطا بدأ عددها يزداد يومًا بعد يوم. وتوّجَت ليبيا جهودها بإنشاء المركز الإسلامي عام 1982، وبذلك تحقّق للمسلمين حلم طالما كانوا يتطلّعون إليه وارتفع صوت الأذان من فوق مئذنة المسجد بعد غياب ثمانية قرون وأصبح مثل: كمن يؤذّن في مالطا في ذمّة التاريخ وأصبح المالطيون يؤذّنون ويُصلّون.كم يبلغ عدد المسلمين حاليًا؟ يُقدّر عدد المسلمين بمالطا ما بين ثلاثين وأربعين ألفًا من مختلف الجنسيات. ومن أكبر الجاليات، الجالية الليبية والسورية والمغربية. ويوجد آلاف اللاجئين من الدول الإفريقية. وهناك آلاف من المسلمين حصلوا على الجنسية المالطية بسبب طول الإقامة أو الزّواج من المالطيات أو المالطيين. كما أنّ هناك آلافا من المهتدين إلى الإسلام من المالطيين أهل البلاد يزداد عددهم يومًا بعد يوم. ويساهم المسلمون في الإعمار والتنمية: هناك أساتذة في الجامعة ومدرّسون في المدارس الحكومية وأطباء وفنيون يَعملون في المستشفيات ورجال أعمال ومقاولون وعدد كبير من العمال في قطاع البناء والخدمات العامة والخاصة، وهناك المئات من الطلاب المسلمين الّذين يأتون من الخارج لإتمام دراستهم في الجامعة المالطية ومؤسسات التعليم العالي.هل توجد مساجد ومراكز إسلامية في مالطا؟ يوجد بمالطا مركز إسلامي واحد وهو الّذي بنته جمعية الدعوة الإسلامية العالمية عام 1982 بمدينة باولا، وجمعية الدعوة هي مؤسسة إسلامية عالمية تأسّست عام 1972 للدعوة إلى الإسلام وخدمة الإسلام والمسلمين في العالم، ومقرها العاصمة الليبية طرابلس، وجمعية الدعوة هي الّتي تدير المركز الإسلامي وتموّله. ويشتمل المركز الإسلامي على مدرسة مريم البتول الابتدائية الّتي تأسست عام 1997 لتأمين تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية لأبناء المسلمين بالإضافة إلى المنهج التعليمي المالطي المحلي، وذلك من أجل الحفاظ على الهُوية الإسلامية الثقافية لأبناء المسلمين وتعزيز الوجود الإسلامي في البلاد. ويشتمل المركز الإسلامي على مقبرة للمسلمين تمّ الحصول عليها من الحكومة المالطية عام 2001، كما يشتمل المركز على مكاتب للموظفين ومنزل للإمام.وقد أشرف المركز الإسلامي على ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة المالطية الّتي قام بها الدكتور مارتن زميت، أستاذ اللغة العربية واللغات الشرقية بالجامعة المالطية بالتعاون مع الشّيخ محمد السعدي إمام المركز الإسلامي. وقامت جمعية الدعوة الإسلامية مشكورة بطباعة الترجمة عام 2008. وبالإضافة إلى المركز الإسلامي، هناك ستة مصليات، واحد منها بجزيرة جوزو. وتقام في المصليات صلاة الجمعة والعيدين والصّلوات الخمس، ويتمّ فيها تحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية ودروس الوعظ وأنشطة خيرية واجتماعية.ماذا بشأن الآثار الإسلامية هنا؟ يبدو أنّه مورس عمل ممنهج ومقصود ودؤوب لمحو آثار الوجود الإسلامي بمالطا، خاصة خلال عهد النورمانديين وفرسان القديس يوحنا، فلا يوجد بمالطا آثار باقية للمساجد والمدارس والدور من العهد الإسلامي. بقيت مقبرة إلى الآن بمنطقة الرباط، وتوجد بقايا شواهد قبور إسلامية في متحف مدينة الّتي كانت عاصمة للمسلمين. ومن الآثار الباقية المهمّة شاهد قبر ميمونة بنت حسان الهذلي، وهو موجود بمتحف الآثار بفيكتوريا بجزيرة جوزو. وتكمن أهميته في أنّه مكتوب عليه أنّ ميمونة توفيت عام 569هـ الموافق لعام 1174م، وهذا دليل على أنّ الوجود الاجتماعي الإسلامي استمرّ بعد سيطرة النورمانديين سياسيًا وعسكريًا على مالطا عام 1091.ماذا بقي من الهُوية الإسلامية في مالطا؟ يمكن القول إنّ آثار الوجود العربي الإسلامي بمالطا ظاهرة في اللغة المالطية الّتي تشكّل العربية ثمانين بالمائة من تراكيبها، فالأعداد وأيّام الأسبوع وأفعال الإنسان اليومية العادية معظمها عربية، ويدل على الوجود العربي أسماء كثير من المدن والقرى مثل: سليمة ومليحة والرباط ومدينة والزيتون ونشار وبير الذهب وجزيرة وعين سالم وصافي وناضور وشعرة وعاشق ومرسى.. كما يدلّ على ذلك أسماء بعض الأسر كعبد الله وأبو حجر وكسار وفروجة وبودجيج ومفسود..ومعظم مصطلحات الكنيسة المالطية عربية: الله وكنيسة وقسيس وراهب وذنوب ومغفرة ومعمودية وشيطان وجنّة وروح. ويسمّي المالطيون فترة صومهم: رنضان المأخوذة من رمضان عند المسلمين. وما يزال في الثقافة المالطية بعض التعابير الّتي ترجع إلى العهد الإسلامي، مثل يجزيك خيرًا ومثل من زمان زمزم والعديد من الأمثال الّتي تحمل طابعًا إسلاميًا.هل تعتقد أنّ غياب الوجود الإسلامي لفترة طويلة كان وراء تقلّص انتشار الإسلام في هذه الربوع؟ لا شكّ في ذلك، فانقطاع الوجود الإسلامي لثمانية قرون أدّى إلى عودة المالطيين إلى النصرانية وتعزيز إيمانهم بها وتمسّكهم بتعاليمها، والدّفاع عنها وتأصيل ذاكرة تاريخية معادية للإسلام والمسلمين تعتبر الإسلام عدُوًّا والمسلمين غُزاة ينبغي صدّهم.كيف تصف الوجود الإسلامي في مالطا حاليًا؟ أستطيع القول إنّ الوجود الإسلامي بمالطا اليوم هو وجود يتنامى ويتعزّز يومًا بعد يوم، وهو وجود بدأ يحسب حسابه عند الأحزاب السياسية وصنّاع القرار والدوائر الحكومية وفي المجالات التعليمية وعند الكنيسة. كما أنّه وجود بدأ يتملّط إن صحّ التعبير، أي لم يعُد وجودًا أجنبيًا بل أصبح أيضًا محليًا وطنيًا بدخول الآلاف من المالطيين في الإسلام.ما التّحديات الّتي تواجه العمل الإسلامي في مالطا؟ الدّعوة الإسلامية بمالطا حديثة العهد وتتعزّز يومًا بعد يوم، ويعاني العمل الإسلامي بمالطا ما يعانيه المسلمون بأوروبا من الأحكام المسبقة والمفاهيم المغلوطة والمشوّهة عن الإسلام والمسلمين، ونحن نحاول عن طريق الحوار والإعلام والنّدوات والمطبوعات والمشاركة في الأعمال الخيرية والإنسانية أن نقدّم الصورة الصحيحة للدّين الإسلامي. وقد تحقّق شيء من النّجاح في هذا السّبيل، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من العمل. ويعاني المسلمون بمالطا عدم توفير تعليم الدّين الإسلامي للطلاب المسلمين في المدارس المالطية الحكومية. وقد قمنا بحملة إعلامية كبيرة لكسب الرأي العام وصنّاع القرار والمثقفين والإعلاميين لتأييد هذا المطلب العادل والمحقّ، والّذي يؤيّده الدستور الّذي يدعو إلى المساواة بين المواطنين. وما نزال في مرحلة إعداد منهج دراسي مناسب وتوفير المعلّمين لهذا الغرض حيث تفتقر الجالية المسلمة بمالطا إلى الأئمة والعلماء والمدرّسين المختصين بتعليم الإسلام. ومن المشاكل الرئيسية الّتي يعاني منها المسلمون الحاجة الماسة إلى بناء مسجد جديد وكبير، حيث إنّ المركز الإسلامي والمصلّيات لم تعُد كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين.ما دور المركز الإسلامي في تخفيف وطأة الحجر الصحي على مواطني مالطا؟ خلال أزمة وباء كورونا الحالية، اضطررنا إلى إغلاق مسجد المركز الإسلامي وتعليق صلاة الجمعة والجماعة عملًا بالإجراءات الّتي فرضتها الحكومة للوقاية من انتشار الوباء. وأصبحنا ننقل صلاة الجمعة بعدد قليل جدًّا من المصلّين على الهواء مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك دروس الوعظ والإرشاد. وظلّ المركز الإسلامي يقدّم خدماته كإجراء عقود الزّواج وتجهيز الموتى والدفن في المقبرة الإسلامية وتقديم الفتاوى والمساعدات الخيرية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات