تتحدث سورة المسد عن شخصية رجل وامرأة اجتمعَا في رباطهما على محاولة هدم بنيان الحقّ وعدم رفع رايته أينما وجد، كأنّهما تعاهدا على جمع همّتهما وجهدهما معًا ليُحاولا تقطيع حبل اللّه الوثيق الّذي يُريده أن يوصل بين المؤمنين وخالقهم.وحكمة اللّه أن تسمّى هذه السّورة، قليلة العدد في آياتها، شديدة المعاني والمواقف، وعظيمة الفوائد، بـ«المسد”، له دلالة قويّة على طبيعة شخصية هؤلاء الكافرين الّذين برزوا وتميّزوا بأفعالهم عن غيرهم من النّاس، لكنّها كانت أفعالا للشّرّ والأذى فاستحقّوا أن يلقّبوا بها وأن ينزّل بهم وبأفعالهم قرآن يُتْلَى ليوم القيامة يتوعّدهم ويتوعّد كلّ مَن تبع منهج خطواتهم وسننهم. ومعنى ”المسد” في اللّغة: الليف، يقال: حبلٌ من مَسَدٍ. والمَسَدُ أيضًا: حبلٌ من ليف أو خوص. وقد يكون من جلود الإبل أو من أوبارها.قوله تعالى {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَب} أي الخُسْرانُ والهَلاكُ. لقد سَخَّر أبو لهب ماله وما كسبه لمحاربة اللّه ورسوله فكان يفتدي آلهته بكلّ شيء كي يصدّ المؤمنين عن الدخول واللّحاق بدعوة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، حيث جاء في تفسير ابن عاشور أنه ”روي عن ابن مسعود أنّ أبا لهب قال: ”إن كان ما يقول ابن أخي حقًّا فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي” فأنزل اللّه: {ما أغْنَى عنهُ مَالُهُ ومَا كَسَبَ}”.وقوله {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} يقول ابن عاشور حول وصفها بحمّالة الحطب: ”فلمّا حصل لأبي لهب وعيد مقتبس من كنيته جُعل لامرأته وعيد مقتبَس لفظُه من فِعلها وهو حَمْل الحطب في الدّنيا، فأُنذرت بأنّها تحمل الحطب في جهنّم ليوقَد به على زوجها، وذلك خزي لها ولزوجها إذ جعل شدّة عذابه على يد أحبّ النّاس إليه، وجعلها سببًا لعذاب أعزّ النّاس عليها”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات