38serv

+ -

 طرح الصحفي  الفرنسي  “إكزافي دو لا بورت”  يوم 9 ديسمبر من السنة الماضية، على مستمعي برنامج إذاعة فرنسا الثقافية السؤال التالي: هل للتقنية أخلاق؟  ولم تكن في نيته قدح التكنولوجيا ولا تذكيرنا بفاجعة هيروشيما وناغازاكي، ولا تقييم قضية “وكيليكس” أخلاقيا، ولا البحث عن الأبعاد غير الأخلاقية في تجسس الوكالة الوطنية للأمن الأمريكي على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في أوربا وبقية دول العالم. ولا يريد للإجابة عن سؤاله أن تجلب الماء إلى طاحونة “بريس شنير”، خبير الأمن المعلوماتي، الذي أكد أن التقنية الحديثة زادت من منسوب ريبة الدول وشكوكها. فالهجوم الإلكتروني لم يعد حكرا على الصينيين. فالكل يتجسس على الكل عبر الشبكات. وهكذا غدت الولايات المتحدة قلقة من العتاد الإلكتروني الصيني، وأوروا مرتابة من الترسانة التكنولوجية الأمريكية. والكل غير مطمئن من العتاد الإلكتروني الإسرائيلي. وشرعت روسيا والصين في تطوير كفاءاتهما في البرمجيات ونظم استغلال المعلوماتية  لدرء شر التجسس الإلكتروني على منشأتهما الاستراتيجية، والحد من أضرار التبعية للتكنولوجيا الغربية. لقد أراد طارح السؤال أعلاه أن يحثنا على التفكير في البعد الأخلاقي لتعاطينا اليومي مع تكنولوجية التواصل، مثل القذف والشتم وتداول الصور الخليعة والإباحية وانتحال شخصية الغير، واستخدام صوره دون علمه لأغراض متعددة، منها المشبوهة مع الأسف. قد يقول قائل إن هذه الممارسات غير الأخلاقية ليست وليدة التكنولوجية الحديثة. وكل ما فعلته هذه الأخيرة أنها جعلتها مرئية أكثر، بيد أن  “إكزافي دو لا بورت” يرى أن الأمر يتعدى هذا الحد لأن التكنولوجية الحديثة وضعتنا أمام مسؤوليات أخلاقية جديدة.

ففي السابق كان الشخص الذي لا يرد على رسائل البريد الذي يصله من المعارف والأصدقاء، يتحجج بالقول أنها ضاعت في الطريق ولم تصله. ولهذا الغرض اخترع نظام “رسائل البريد المسجل”. لكن ماذا بوسعه أن يقول اليوم إذا تلقى رسالة عبر الفايسبوك؟ هل من الأخلاق أن يقول أنه لم يستلمها بينما الكل يعلم أن موقع الفايسبوك لا يشعر المرسل باستلام المعني رسالته فحسب، بل يخبره، أيضا، عن الوقت بالساعة والدقيقة التي اطلع عليها!  والشخص الذي كان يتعلل بغيابه عن البيت عندما يرفض الرد على مكالمة صديقه أو زميله على هاتفه الثابت، ما عساه أن يقول اليوم لتبرير رفضه عن الرد على مكالمة الشخص ذاته على الهاتف المتحرك إذا ألح في طلبه أكثر من مرة، وفي أوقات مختلفة؟ 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: