أربع سنوات وماذا عن “ثورة الأجساد المحترقة”؟

+ -

 مما انتهيت إليه في كتابي “ثورة الأجساد المحترقة”، أن:-الثورة كمفهوم تقدمي هو مُدان من قبل التراث العربي الإسلامي.-الحراك الذي سمي بـ”الربيع العربي” كان لأجل الحرية وليس لأجل الديمقراطية.-تونس تعتبر حالة حداثة في البلاد العربية.-نموذج النظام السياسي الذي سيحكم مصر لن يخرج عن كونه نظاما شموليا وأن الإخوان المسلمين لن يكونوا سوى امتدادا لنظام مبارك إن حكموا.-  حركة النهضة بتونس لن تكون بُعبعًا كما هو الحال بمصر.وقد كان إيماني بتونس كبير في أن تتجاوز محنة العنف بـ:-ما تملكه تونس من مجتمع مدني حديث، لعب فيه اتحاد الشغل التونسي دورا كبيرا في الحفاظ على موازين القوى أثناء التفاوض والحوار السياسيين. وهو يعتبر حسنة الرئيس بن علي، إذ يرجع إليه الفضل في الحفاظ على الطبقة الوسطى داخل المجتمع التونسي على عكس ما حصل بالجزائر ومصر.- تطور منظومته التربوية والتعليمية، مما أهَّل المجتمع التونسي وجعله أكثر انسجاما مع قيم الحداثة بالنظر إلى المجتمعات العربية شبه التقليدية. وقد لعبت عملية التحديث والعلمنة للخطاب المدرسي بتونس الذي اعتمده مشروع الرئيس بورڤيبة دورا في تحديث العقل التونسي عموما.- العزل السياسي للدين إنْ صَحَّ التعبير والذي كان نتاج تعاطي نظام بورڤيبة مع اللائكية الفرنسية تحديدا بعد الاستقلال الوطني مباشرة.- مُدوَّنة الأحوال الشخصية التي عملت على بلورة مفهوم المواطنة، ممَّا انعكس بالإيجاب على حقوق ومكانة المرأة التونسية داخل المجتمع وعلى المنظومة القانونية التي تنظم الأسرة التونسية. وقد اعتبرنا لحظة إنجاز كتابنا بأن الثورة في مفهومها التقدمي قد يتحقق مع الحالة التونسية، فيما ستكون النَّكسة مع التجربة المصرية بالنظر إلى عوامل اعتبرناها موضوعية جدًّا يمكن أن نذكر بعضها في التعليم وعملية التحديث المتخلَّفتين، إلى جنب الحوكمة العسكرية والأمنية الشاملة وتغلغل الإسلام السياسي..الثابت والمتغيرحالة مصر..التواطؤ على الشرلم يكن بوسع مختلف المنظومات الاجتماعية والسياسية والثقافية والحقوقية والأخلاقية بمصر أن تمنح أكثر من السيسي رئيسا.ولم يكن المراهنة على أكثر من مثل هكذا حال الذي أعاد إنتاج العسكر. ونذهب إلى حد القول بأن السيسي ليس سوى “الموديل” الأمثل الذي كان يمكن إنتاجه مع تمنحنا به معطيات الواقع المصري في كل تجلياته وبمختلف أطيافه المكونة للوعاء الاجتماعي بمصر. فهو بشكل ما يمثل التوافق الذي انتهى إليه النقاش الصامت وليس المعلن في الصالونات وعلى منابر الإعلام والمساجد ودُورِ الكنائس. ولِأحدٍ ما أن يُسَفِّه عقلنا بما انتهينا إليه من قول، إذ كيف يستقيم هكذا تحليل مع حادثة الحمير أو الجِمال ومجزرة رابعة العدوية والحكم بالإعدامات بالجملة ضد الإخوان المسلمون.. فنقول: إنه توافق وتواطؤ على الشر، ليس بمعناه الأخلاقي والديني، وإنما بمعناه السياسي الذي حتَّم إليه التعاطي السلبي مع التعدد الديني للإنسان المصري المسلم المسيحي اليهودي والإثني العربي الفرعوني الأمازيغي الزنجي النوبي الإفريقي والتفاوت الطبقي وحرب الهويات المغلقة الماقتة للتعدد وقبول الآخرين.. هذا التعاطي السلبي أسهم في تخلف الديمقراطية وقيم الحداثة وحقوق الإنسان وأَجَّل في تشكل مشاريع بديلة عن النظام الشمولي، الذي يبدو إما في شكله الحالي بإعادة إنتاج سلطة العسكر أو في شكل أممية إسلاموية.حالة تونس: بسيكوز الخوفالسبسي رئيسا، ما الذي تغيّر؟، هو السؤال الذي يُطرح عادة بغرض السخرية من ثورة “الياسمين”. قد تبدو النتيجة لأول القراءة مُصدمة، خاصة لمن تحَمَّسَ وراهن على حصول التغيير نحو الإيجابية بتونس.الملاحظ أن مسار ثورة الياسمين كان مختلفا عما سارت عليه الأحداث بمصر، ففي تونس منحت لنفسها فرصة النقاش وسْط مساحة زمنية وبقيادة الحقوقي المعارض والمثقف اليساري الدكتور منصف المرزوقي، تمكن وبمعيته التوانسة من انتخاب برلمان وصفه المراقبون بالشرعي والنزيه من طعنة التزوير في الاقتراع، وهو الاقتراع الذي جعل حركة النهضة القوة الثانية في الطبقة السياسية، لتنتهي بانتخاب المحامي والسياسي البورڤيبي العتيق الباجي قايد السبسي رئيسا بعد الدور الثاني وبنسبة مئوية لم تتجاوز الـ60 بالمائة.إن الثابت في الحالة التونسية هو النقاش السياسي الذي مَيَّزَ المرحلة الانتقالية وقبيل اقتراع الرئاسيات، إذ التناول المفتوح الذي لم يتحاش طابوهات أو محرمات. حيث نجده قد جَرْجَرَ كل “اللاعبين السياسيين” إلى “حلبة” الموبوء والصحيح مما يتماشى وحياة التوانسة جميعا.وقد عرف النقاش مداه حول “الدولة الدينية” ومشروع الإسلام السياسي، وقد استثمر في ذلك الإرث الحديث للمجتمع التونسي وما خلَّفته الحداثة البورڤيبية. كما أسهمت الاغتيالات التي مست معارضين على غرار شكري بلعيد ومحمد البراهمي في التفافِ التوانسة حول قيم الحريات، سيما الحريات السياسية وحقوق المواطنة. وهي الاغتيالات التي أتت على هيمنة حركة النهضة كلاعب أَوْحَدْ عن الإسلامويين بتونس، حيث تحمَّلت ما أسمته المعارضة بالإهمال أو التقصير تجاه ظاهرة الإرهاب التي ضربت أكثر من مرة. والمتأمل في صيرورة الخطاب السياسي والاجتماعي التونسيين يجد أنه ثمة حساسية بدأت في الإفراط تنبعث من جديد تجاه حركة النهضة، زاد في ذلك الظروف الإقليمية وتنامي “داعش” كانبعاث جديد للإرهاب الدولي باسم الإسلام، مما قَلَّمَ من مخالبها وهي التي استولت على كل دواليب السلطة في ظرف وجيز من عودتها للنشاط داخل تونس. وإن هذا التقلص في شعبيتها لدى التوانسة هو الذي أدى إلى انتخاب السبسي كحتمية ألح عليها هوس الخوف الذي بدأ يتحسسه التوانسة حتى مع الرئيس المؤقت والعلماني الدكتور منصف المرزوقي بوصفه حليفا للنهضة أو للإسلام السياسي كما تسميه المعارضة وربما لـ«داعش” في ذهن من ملأت رأسه مظاهر الدم وخنقته رائحة الموت التي عاشتها تونس أثناء المرحلة الانتقالية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات