“المركزية النقابية صارت قوقعة فارغة بوظيفة سياسية”

38serv

+ -

 يعتقد الباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، أن المركزية النقابية صارت مصابة بكل أمراض النظام السياسي في الجزائر. ويعتقد الباحث المختص في الشأن النقابي، أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين صار شبيها بالمتحف القديم، خاليا من المناضلين، وأداة للدفاع عن النظام. ويشير جابي إلى أن الاتحاد فوت فرصة الاستقلالية والتأثير في سنوات التسعينات، عكس الاتحاد التونسي للشغل الذي كان له دور مشهود في المسار الانتقالي بعد الثورة.كيف قرأت إعادة تزكية عبد المجيد سيدي السعيد على رأس الاتحاد العام للعمال الجزائريين؟الاتحاد العام للعمال الجزائريين، كهيكل عام، خاصة القيادة الوطنية، أصيب بكل أمراض النظام السياسي، كالجمود والتكلس والركود وغياب التداول على السلطة وعدم احترام الشكلية القانونية. لذلك ظهرت الانتخابات الأخيرة بمرشح وحيد هو عبد المجيد سيدي السعيد الذي فاز بالتزكية، دون تقديم حصيلة أو تقرير أدبي ومالي، ودون برنامج لعهدته الجديدة، في استنساخ سيئ لأيام الحزب الواحد. الحاصل مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين شبيه بحال النظام السياسي الذي أصبحت فيه الانتخابات دون معنى، وصار الممسك بالسلطة يتعسف في استعمالها للبقاء أطول فترة ممكنة. يكفي القول فقط إن عبد المجيد سيدي السعيد يتواجد على رأس هذا الهيكل منذ نهاية التسعينات.ما الذي أدى بالاتحاد العام للعمال الجزائريين إلى هذا الوضع ؟المشكل الأساسي في الاتحاد العام للعمال الجزائريين أنه فقد قواعده النضالية باستثناء بعض المؤسسات العمومية مثل سوناطراك وسونلغاز، وصار شبيها بالقوقعة الفارغة أو المتحف القديم. القوة العمالية الموجودة في القطاع الخاص والوظيف العمومي والشباب الملتحق حديثا بسوق العمل صاروا ينفرون من مظلة الاتحاد العام ويلجأون إلى تكتلات أخرى للدفاع عن حقوقهم. الأسباب في ذلك متعددة، وأبرزها أن الاتحاد لم يتجدد على المستوى العقائدي والفكري، فصار يردد فقط ما يطرحه برنامج الحكومة واجتماعات الثلاثية، وعلى المستوى البشري بقيت نفس الوجوه المتحكمة في قيادته، والأغرب هو هذا التقارب بينه وبين أرباب العمل الذين صار يدعوهم لكل مؤتمراته، رغم أن منهم من لا يسمح حتى بقيام حركة نقابية في مؤسسته.هل لتراجع مصداقية الاتحاد ارتباط بعلاقته مع السلطة؟إن الاتحاد اليوم يعيش أزمة حادة وهو يفقد مصداقيته شيئا فشيئا، وإذا بقي على هذا الحال سيصير حاله إلى الزوال. لقد أصبحت له وظيفة سياسية تتمثل في الدفاع عن النظام وتأطير ما بقي من عمال في خدمته. لا أنكر أن للنقابة دورا سياسيا، لأن اهتمامها بالمشاكل الكبرى للبلاد يتقاطع حتما مع السياسة، لكن التأثير السياسي يكون للنقابة التي تمتلك القواعد ولديها خط سياسي مستقل، وليس لتلك التي تكرر إنتاج الخطاب الرسمي.لماذا صار الاتحاد التونسي للشغل فاعلا في بلاده بينما ظل الجزائري تابعا للسلطة؟الاتحاد العام التونسي للشغل حافظ على الحد الأدنى من استقلاليته وقواعده في عز سطوة نظام زين العابدين بن علي، وبعد سقوط هذا النظام، اتسع تأثيره باعتبار القاعدة الكبيرة التي يمثلها، لذلك كان له دور لافت في الأزمة التي عرفتها تونس خلال مسارها الانتقالي. ولذلك عناصر المقارنة بينه وبين الاتحاد العالم للعمال الجزائريين منتفية.هل تراجع الدور النقابي تكرس في عهد بوتفليقة؟هناك اتجاه عام مستمر منذ سنوات وليس مرتبطا بفترة حكم الرئيس بوتفليقة. في الفترة التي أعقبت التعددية السياسية، حاول الاتحاد أن يكون أكثر استقلالية، وكان عبد الحق بن حمودة رحمه الله يدفع في هذا الاتجاه، لكن ضعف الإمكانيات المادية والوضع الأمني، في تلك الفترة، لم تسعفه، فضاعت الفرصة كما ضاعت في سنة 56 عندما قتل عيسات إيدير سنوات الاستعمار. وبعد استتباب الوضع الأمني، كان يمكن للاتحاد أن يلعب هذا الدور، لكن قيادته لم تستغل الظرف، ففقدت مصداقيتها، ونالتها الانشقاقات والتصدعات، فظهرت النقابات المستقلة التي سحبت من رصيد الاتحاد النضالي كثيرا. وهذا خطير لأنه يجعل من آلاف العمال يعيشون دون حماية.يتحدث البعض عن علاقة المال بالسياسة في الجزائر.. هل ينسحب ذلك على النقابة أيضا؟توجد في كل دول العالم انحرافات عند قيادات النقابات، بعضها يرتبط حتى بالمافيا في أمريكا. لكن التسيير الديمقراطي والتنافس الحر داخل النقابات كفيل بأن يكشف الخلل ويؤدي إلى الإصلاح. أما عندما تغيب الديمقراطية، فلا غرابة أن تتحول النقابة إلى وسيلة لاكتساب النفوذ.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: