فيكتور هيغو وتوكفي... القلم في خدمة دوي المدافع

+ -

لامني صديق مثقف سابقا بعد أن قرأ مقالي عن “جول روا”، واتهمني بعدم تسليط الضوء عن انحرافات المثقفين الفرنسيين الذين ساندوا غزو الجزائر وقدموا له الدعم المعنوي والفكري. وأخبرني أحدهم أن احتلال الجزائر لم يتم بالسيف ودوي المدافع، بل تم بواسطة أيديولوجية استعمارية قذرة كانت تحث “الأقدام السود” على المجيء للجزائر، مدفوعين بوهم الاستقرار في “الحدائق الرومانية”.وكان ردي أنني أعرف أن جول روا يشكل الاستثناء رفقة كتاب آخرين، لكنه يعد المثقف الوحيد الذي تفهم الثورة ولم يقف ضدها. هناك مثقفون رفضوا اتخاذ مواقف عنصرية بغيضة أمثال إمانويل روبليس، لكنهم توقفوا عند فكرة تعايش الأجناس في ظل دولة استعمارية، وهي الفكرة التي دافع عنها مولود فرعون في مرحلة أولى، لكنه سرعان ما تخلى عنها ليتحول إلى مناصر للثورة.إن الكتابة عن جول روا لا يمنع وجود مثقفين ساندوا الاحتلال. وبالفعل يذكر روجيه جارودي عددا من أدباء الغرب الذين عاشوا خلال القرن التاسع عشر وكانت لهم آراء عنصرية حول الشرق العربي والإسلام، وذكر من بين هؤلاء فيكتور هيجو وغوستاف فلوبير اللذين كتبا عن شرق “منحط” لا قيمة له، وكذلك فعل شاتوبريان وكان بدوره حاملا لإرث ضخم من الأحكام الجاهزة والملفقة عن الشرق تراكمت عدة قرون، بحيث لم تكن نظرته إلى الشرق إلا من زاوية رومانسية انطباعية، متهما المسلمين بجهل الحرية وعبادة القوة. ومن جهتهما لم يجد لامارتين وجيرار دي نرفال في الشرق سوى ما يرتبط بالفراغ والجهل.وكان فيكتور هيغو استعماريا بامتياز، لم تسهم أفكاره الإنسانية في معارضة غزو الجزائر، فقد أبدى منذ جويلية 1830 مناصرته للاحتلال، وكتب أن الغزو العسكري يجب أن يطور الاحتلال المدني كدرع واق لحماية الحظيرة الجديدة، وقد التقى هيغو بالجنرال بيجو مرتين: الأولى في جانفي 1841 والثانية عام 1846، وتم اللقاء بطلب من الجنرال بيجو الذي كان يسعى للحصول على مساندة هيغو بشأن رفع ميزانية الجيش في الجزائر لاستكمال الاحتلال، وظهر خلال اللقاء الأول بين الشاعر والجنرال عدم توافق وجهات النظر، لكن ليس بسبب معارضة الشاعر للاحتلال بل بسبب طبيعته، كان هيغو يفضل الاستعمار المدني على الاحتلال العسكري، وكان يعتقد أن الغزو حدث سعيد ووصفه بالحضارة المتغلغلة في البلاد البربرية، ووصف المعمرين بالشعب المستنير السائر للقاء شعب يعيش في الظلمات، شعب يمثل أثينا مهمته إضاءة العالم. ولم يتخذ هيغو موقفا مشرفا إلا بعد أن تم سجن الأمير عبد القادر في ديسمبر 1847 بعد أن وعده لويس فيليب بالحرية. وهنا تدخل هيغو واستنكر القرار وتحدث عن خيانة الوعد. وأصبح هيغو يدعو منذ سنة 1849 إلى احتلال بوجه إنساني. وظل الأمر كذلك إلى غاية نفيه سنة 1851 من قبل نابليون الثالث، وكتب بأنه أخطأ وتعرض للتضليل بخصوص احتلال الجزائر، وكتب في كراساته عن بربرية الجيش الفرنسي، لكنه رفض أن يدلي بأي تصريح رغم علمه بتجاوزات الجيش وحرب الإبادة. وظل هيغو مثل أليكسيس دي توكفيل ينتقد الوسيلة التي تم بواسطتها الاحتلال. وفي ماي 1879 كتب أن إفريقيا لا تملك تاريخا فبرر الغزو. وقال في آخر أيامه مخاطبا الشعب الفرنسي “يا شعب فرنسا استولِ على هذه الأرض، خذها، فهي ليست ملكا لأحد”.ومن جهته ناصر أليكسيس دي توكفي الغزو وساهم في حملة دعائية للانتصار لفكرة احتلال الجزائر في أوساط المثقفين الليبراليين، واعتبر الاستعمار وسيلة لا مناص منها، فكتب “إن الفكرة القائلة بالاستحواذ على إفريقيا والاحتفاظ بها بفضل المساعدة والدعم من طرف الأهالي، حلم يراود ذوي القلوب النبيلة السخية، ولكنها مجرد ترهات واهية”. وكتب أيضا “ليس ثمة وسيلة أخرى غير الحرب. كثيرا ما سمعتهم يقولون إن إحراق الغلال وإفراغ مخازن المؤن وإلقاء القبض على الرجال العزل والنساء والأطفال أشياء ممقوتة، تلك في رأيي أمور ضرورية قد يؤسف لها ولكن لا محيص عنها لكل من يروم القيام بحرب ضد العرب”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: