مخاطر انتشار المخدرات في المجتمع وكيفية مواجهتها

38serv

+ -

لا يخفى على أحد مدى انتشار المخدرات في بلادنا هذه الأيّام، حتّى أضحت أطنان من الكوكايين يعثر عليها في موانئنا بالصدفة!! أمّا ما يتمّ تهريبه وبيعه واستهلاكه من طرف شبابنا، فلا يعلم قدره إلّا الله.المخدرات هذه السموم القاتلة، ثبت من الأبحاث والدراسات العلمية أنّها تشلّ إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتحيله بها لأفتك الأمراض، وتدفعه في أخفّ الحالات إلى ارتكاب مختلف الجرائم والموبقات، لذلك فإنّ المخدرات بمختلف أنواعها وسائر نتائجها نرى أثرها واضحًا جدًّا واعتداء سافرًا على النّفس البشرية، وتهديدًا قاطعًا لهذه الضّروريات الخمس.يعدّ العقل من أهمّ هذه المقاصد؛ فالدّين من غير عقل طقوس وهرطقات، والنّفس من غير عقل حركة فوضوية، والنّسل من غير عقل نزوٌّ تائه، وأيضًا المال من غير عقل دمار وفساد.. ولذلك جعلته شريعتنا الإسلامية محطّ التّكليف الشّرعي؛ فالّذي فقد نعمة العقل رُفع عنه التّكليف؛ لأنّه ليس بأهل له، ولا بقادر عليه.ويعدّ متعاطي المخدرات فاقدًا لسويته البشرية وكرامته الإنسانية، ويصبح ألعوبة بيد تجار الموت يلهث وراءهم باحثًا عن السّراب، بل عن الموت الزُّؤام، فلا يملك تفكيرًا سويًا ولا اتزانًا ضروريًا ولا قدرة على حسن الاختيار لكلّ ما حوله ممّا يصبو إليه العقلاء، يبيع نفسه ويبذل ماله باحثًا جاهدًا قاصدًا لقاء حتفه بأشنع صورة وأبشع ميتة.ومن المبادئ الأساسية في الإسلام الابتعاد عن كلّ ما هو ضار بصحة الإنسان، وإنَّ تعاطي المخدرات يؤدّي إلى مضار جسمية ونفسية واجتماعية. يقول تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.وممّا اتّفق عليه أهل الطب والاختصاص أنّ المخدرات بأنواعها شرّ من الخمر، وضررها على النّفس والعقل والمال أكبر وأبين، فالمخدرات تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة الأضرار.والشّريعة الإسلامية حرَّمت المُسكِرات والمخدِّرات؛ نظرًا إلى ما فيها من الأضرار الفادحة، والأخطار البادية، وإنّ الإسلام يَرمِي من خلال تعاليمه النيِّرة، وآدابه الطيّبة، إلى الحفاظ على النّفسِ، والمال، والعقل، والعِرْضِ، والمُسكرات والمخدرات تؤدّي بصاحبها إلى حِرمانه ممّا يملِكُ من المال، وإلى إرخاء السّتر على العقل، وتعرِّضُه لهَتْك العِرض، والقضاء على النّفس.ولعلّ أهمّ أسباب انتشار هذا الدّاء الخطير الأسباب الاجتماعية مثل الظروف الصعبة في العمل وانتشار البطالة وكثرة انتشار الأفلام الهابطة والمواقع الإلكترونية الّتي تروّج لها، ورفقاء السّوء والتّقليد الأعمى الّذي يسيطر على مراهقينا مع الفقر الّذي يلجئهم للبحث عمّن يعطيه أو يغنيه فيتلقّفه أرباب الفساد وتجار الرذيلة.وإنّ ضعف الوازع الدّيني وعدم اللّجوء إلى الله في الشّدائد من العوامل المهمّة في إحداث الإدمان، ذلك أنّ الإنسان المتديّن بعيد جدًّا عن جحيم الاعتياد إذ لا يمكن أن تمتدّ يده إلى المخدر لا بيعًا ولا تداولًا ولا تهريبًا لأنّ طريق المخدرات هو طريق الشّيطان، ولا يمكن لطريق الرّحمن أن يلتقي بطريق الشّيطان.المخدرات مضيعة للوقت، مذهبة للعقل تدخل صاحبها في غيبوبة تمنعه من أداء عبادته وتنافي اليقظة الدائمة الّتي يفرضها الإسلام على قلب المسلم، كما أنّ سيطرتها على عقله تجرّه لارتكاب كلّ محرّم من قتل وسرقة وبذل عرض وسواها.لقد عنِيَ الإسلام ببناء المجتمع الّذي أساسه بناء أسرة مسلمة، حيث إنّ الأسرة هي: المحضن الأساسي الّذي يتلقّى فيها النّشء الفضائل والقيم والآداب، في جو من التربية الإسلامية من أب وأم وأولاد.ويتمّ دور الأسرة في علاج ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال بعض الوظائف الّتي تضطلع الأسرة بالقيام بها يمكن علاج ظاهرة تعاطي المخدرات والوقاية منها؛ فعلى الآباء والأمهات واجبات نحو أبنائهم، قبل أن يكون على الأبناء واجبات نحو آبائهم، ومسؤولية الأسرة ليست قاصرة على المصروف والكسوة والأكل وتوفير أسباب الراحة وغير ذلك من الأمور المادية، بل إنّ الأسرة عليها مُعوَّل كبير في تنشئة الطفل حسنَ الخلق وسويَّ الطباع، متشربًا للقيم والعادات الإسلامية الصحيحة، وفي ذلك وقاية للطفل الناشئ من الانحراف وتعاطي المخدرات.إنّ مواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات عبر وسائل الإعلام تحتاج منّا إلى خطة مدروسة تتوخى نشر المعلومات والحقائق المتعلقة بظاهرة تعاطي المخدرات بموضوعية كاملة، دون تهويل أو تهوين، ممّا يتطلّب ذلك توظيف كافة الطاقات والكفاءات المتميّزة بالإبداع بالتّصدي لهذه الظاهرة من خلال البرامج المختلفة ونشر الوعي العلمي بين فئات المجتمع المهنية والعمرية.وعلى الأجهزة الأمنية واجب إعلان الحرب الشاملة على تجارة المخدرات، وإنّهم المسؤولون عن القضاء على المخدرات، وإلّا فهم الساكتون والمسؤولون عنها.ونشدّد على ضرورة وضع تشريعات صارمة من شأنها التّقليل من حالات الإدمان، وذلك بتشديد القبضة الأمنية لمنع دخول أو تسرُّب المخدرات لداخل الوطن، وإنزال أقسى العقوبات على مروِّجي وتجار المخدرات. كما يجب التّنبيه لخطورة وحرمة المخدرات من خلال المنابر الدعوية المختلفة، والعمل على نشر مفاهيم التّوبة والرّجوع إلى الله، حتّى يدرك المتعاطي أنّ بإمكانه العودة للمجتمع مواطنًا صالحًا فيه.لقد نجح الإسلام في مكافحة هذه الآفات الّتي تفتك بالمجتمع حين أوضح بشكلٍ حازمٍ حرمة الخمر والمخدرات الّتي تشترك مع الخمر في الضّرر والفساد، بل هي تزيد عنها، وقد شرّع الإسلام الزّواجر والعقوبات لمن يتناولها، ونبّه إلى الآثار المدمّرة للخمر والمخدرات.

كلية الدراسات الإسلامية بقطر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات