38serv

+ -

 يقول الباري سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ}. هذه الآية وإن كان المخاطَب بها هم صحابة رسول الله، لكنّها عامة لكلّ مسلم؛ لأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان يحذِّرُ من الفتن، ولأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.أُحَذّر إخواني من الدخول في الفتنة أو الانسياق وراءها، والحذر الحذر من مثيري الشغب، الموقظين للفتن، خاصة أولئك المقيمين وراء البحار، ممّن سُمح لهم بقنوات فضائية ينشرون من خلالها عيوب بلدانهم، فعلينا أن نفوّت الفرصة عليهم، وألّا نسقط في مخططاتهم، حتّى يموتوا بغيظهم. في صحيح مسلم: “تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن”؛ وذلك لأنّ الفتن تُعرض على القلوب فتؤثر فيها: “تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء”، والفتن أنواع، فهي لا تدع بيتًا إلّا دخلته: “بادِروا بالأعمال فِتَنًا كقطع اللّيل المُظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا”، وفي حديث أسامة رضي الله عنه قال: أشرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أُطُمٍ (الحصن) من آطام المدينة ثمّ قال: “هل ترون ما أرى؟ إنّي أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر”.وفي آخر الزمان تكثر الفتن: “إنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضًا (يشبه بعضها بعضًا)، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثمّ تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه”.والفتن خطرها كبير، من دنا منها أخذته، ومن حام حول حماها أوقعته، والبعد عنها عصمة منها: “ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذ به”، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في هذا الحديث التّحذير من الفتنة، والحثّ على اجتناب الدخول فيها، وأنّ شرّها يكون بحسب التعلّق بها.ومن أعظم الفتن فتنة الشّرك: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ، قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ الله، وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}، ومعنى الآية: أنّ ما يقوم به المشركون من صدٍّ عن سبيل الله مستقبَح كذلك، ومنع المؤمنين عن المسجد الحرام، وإخراج أهل المسجد الحرام منه أعظم عند الله من القتال في الشّهر الحرام، والشّرك الّذي هم فيه أعظم من القتل. ومنها كثرة القتل في آخر الزمان: “لا تقوم الساعة حتّى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل”، ومن كثرة القتل سفك الدم من غير سبب: “والّذي نفسي بيده ليأتين على النّاس زمان لا يدري القاتل في أيّ شيء قُتِل، ولا يدري المقتول على أيّ شيء قتل”. ومنها فتنة المال: “إنّ لكلّ أمَّة فتنةً، وفتنة أمَّتي المال”، ومن فتنة المال جمعه سواء من حلال أو من حرام: “ليأتينَّ على النَّاس زمان لا يُبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام”. ومنها فتنة النساء: “ما تركت بعدي فتنة أضَرّ على الرجال من النساء”، والأولاد زينة الحياة الدّنيا جعلهم الله فتنة: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، ويكونون فتنة إذا فُرِّط في تربيتهم. ومنها فتنة الدجال: “إذا تَشهَّد أحدُكم فليَستَعِذ بالله من أربع يقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدجال”، والسّعيد من جنّب الفتن، يقول المقداد بن الأسود رضي الله عنه: أيم الله، لقد سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “إنّ السّعيد لَمن جُنِّب الفتن، إنّ السّعيد لَمن جُنِّب الفتن، إنّ السّعيد لَمن جُنِّب الفتن، ولَمن ابتُليَ فصبر فَوَاهًا (أي: واهًا لمن باشر الفتنة وسعى فيها)».ترى ما المخرج من هذه الفتن؟المخرج منها الاستعاذة بالله منها، والبُعد عنها واجتنابها، والاعتصام بكتاب الله وسُنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وسؤاله سبحانه الثّبات على الدِّين: “إنّي قد تركت فيكم شيئين لن تَضِلُّوا بعدهما كتاب الله وسُنّتي”، “يا مُقَلِّب القلوب، ثَبِّت قلبي على دينك”.سُئل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كيف يعرف الرجل منّا هل أصابته الفتنة أم لا؟ فأجاب: «إذا أحَبّ أحدكُم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؟ فليَنظُر، فإن كان رأى حلالًا كان يراه حرامًا فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حرامًا كان يراه حلالًا فقد أصابته». والله وليّ التّوفيق.*إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات